مصائر بائسة لوطنيّات المشرق العربي

مصائر بائسة لوطنيّات المشرق العربي

مصائر بائسة لوطنيّات المشرق العربي

 العرب اليوم -

مصائر بائسة لوطنيّات المشرق العربي

بقلم - حازم صاغية

لنتذكّر لوهلة ما حصل في بيروت عام 2002. فتذكّرُ ذاك الحدث، رغم انقضاء نيّف وعقدين عليه، يبقى مساهمة مفيدة في فهم الحاضر. وهذا لا يعود فقط إلى أنّ ما مضى لم يمض فعلاً، بل لأنّه صار أشدّ حضوراً وأذيّةً مع مرور الزمن، كما باتت معانيه أكثر انقشاعاً.

حينذاك، وفي مؤتمر قمّة عربيّ، طرح وليّ العهد السعوديّ، والملك اللاحق، عبد الله بن عبد العزيز، ما بات يُعرف بـ»مبادرة السلام العربيّة». وكانت مأساة 11 سبتمبر/ أيلول في الولايات المتّحدة، والانتفاضة الثانية في فلسطين، تدفعان في اتّجاه تحرّك كبيرٍ ما يتعلّق بـ «أزمة الشرق الأوسط» وتذليلها.

أمّا أهمّ ما في تلك المبادرة فكان إعلان الاستعداد العربيّ للاعتراف بدولة إسرائيل مقابل قيام دولة فلسطينيّة على حدود الـ 67 والانسحاب من الجولان السوريّ المحتلّ.

أرييل شارون، وكان رئيس حكومة إسرائيل آنذاك، منع الزعيم الفلسطينيّ ياسر عرفات من السفر إلى لبنان لحضور القمّة التي ستناقش قضيّته. وبدوره أذعن عرفات للقرار خوفاً من أن يمنعه الإسرائيليّون، في حال ذهابه إلى بيروت، من العودة إلى رام الله. في المقابل، منع الرئيس اللبنانيّ إميل لحّود، المعروف بتبعيّته لدمشق وطهران، بثّ كلمةٍ أراد عرفات توجيهها عبر الأقمار الصناعيّة إلى القمّة. أمّا ذريعة إلغاء الكلمة من جدول أعمال المؤتمر فكانت من جنس فضائحيّ: إنّه «الخوف من دخول إسرائيل على الخطّ والتشويش على الكلمة».

حصل ما هو أسوأ من هذا: إبّان انعقاد القمّة، نفّذت حركة «حماس» عمليّة في نتانيا، تلازمت مع يوم عيد الفصح اليهوديّ، وقضى بنتيجتها ثلاثون مدنيّاً ومدنيّة إسرائيليّون.

شارون وحكومته وجدا في العمليّة فرصتهما لتجاهل قمّة بيروت وللامتناع عن التفاعل مع العرض الذي قدّمته. وكان ما عزّز التجاهل الشارونيّ أنّ القمّة، وبضغط سوريّ ومُمانع، رفضت كلّ إشارة، كي لا نقول إدانة، للعمليّة.

مَن يحتاج إلى برهان على تواطؤ إسرائيليّ – إيرانيّ، ولو من موقع الخصومة، ضدّ الوطنيّة الفلسطينيّة وضدّ فكرة السلام عموماً، لن يجد أبلغ من الواقعة المذكورة. وهذا علماً بأنّ الحرب على اتّفاقيّة أوسلو كانت، هي الأخرى، برهاناً بليغاً على التواطؤ إيّاه: اليمين الإسرائيليّ يغتال اسحق رابين، ومنظّمات الممانعة الفلسطينيّة تفجّر العبوات الناسفة بالمدنيّين.

ولن نضيف جديداً حين نذكّر أيضاً بما حصل بعد انقلاب «حماس» واستيلائها على غزّة في 2007، ما أشعرَ اليمين الإسرائيليّ بسعادة واطمئنان هبّ معهما إلى إنجاد «حماس» وتسمين سلطتها بالمال، ليس بالضرورة حبّاً بها بل كرهاً بأيّ تشكُّل وطنيّ فلسطينيّ.

لقد كان تدمير الوطنيّة الفلسطينيّة ومنع صيرورتها مطلباً مزدوجاً إسرائيليّاً – إيرانيّاً. وإذ اعتبرت تلّ أبيب أنّ إدامة الانقسام ما بين ضفّة وقطاع شرطٌ لبلوغ الهدف هذا، اعتبرت طهران أنّ الشرط اللازم لا يقلّ عن تفتيت المشرق العربيّ ومنع انتظامه في دول. ذاك أنّ ولادة دولة فلسطينيّة تعني أمرين يُستحسن تفاديهما:

من جهة، تنزع مادّة مشتعلة ذات قابليّة للاستخدام، كما تُبرهن أنّ حلّ تلك المشكلة المستعصية ممكن،

ومن جهة أخرى، تكون تلك الولادة احتفالاً بالدولتيّة وبرهاناً على نجاح نظامها في المشرق العربيّ. والراهن، وكما دلّت التجارب الكثيرة المتلاحقة، أنّ وجود دولة فلسطينيّة بات شهادة لصلاح النظام الدولتيّ في المنطقة أو شهادة على غيابه واستحالته.

والطرفان المذكوران، في الحالات جميعاً، لا يريدان للمشكلة أن تُحلّ بحيث تبقى «قضيّة»، كما يفضّلان مشروع التحوّل الميليشياويّ المانع للدول والمعفِّن للمجتمعات.

يكمّل هذه الصورة أنّ سوريّا الأسد كانت قد اعتبرت نفسها شريكاً لإيران في تفتيت المشرق وفي مَيْلَشَته، شريطة أن يستثنيها هذا التفتيت ويتيح لها السيطرة عليه. بيد أنّها ما لبثت أن وقعت في الحفرة التي حفرتها لـ»أخيها» اللبنانيّ والعراقيّ والفلسطينيّ. هكذا لم يعد ثمّة أيّ استثناء لتلك القاعدة المشرقيّة، بحيث اقتصر الملعب على طرف إيرانيّ يرفعنا كُرةً في الهواء وطرف إسرائيليّ يشوط الكرة التي هي نحن.

والآن، مع 7 أكتوبر والحرب على غزّة، يمكن القول إنّ عمليّة وأد الوطنيّات المشرقيّة قد نجحت انطلاقاً من وأد الوطنيّة الفلسطينيّة وبناءً عليها. فالباحث عن استقرار إقليميّ يشكّل حاضنة لانبعاث ما، وطنيّ ودولتيّ، لن يجد سوى الحرب التي تنطلق من غزّة ولا تقتصر عليها، والتي يُرجّح أن تكون طويلة ومتشعّبة، وإن بأشكال مختلفة. والباحث عن قوى ذاتيّة في المشرق تستطيع أن تُفيد من الصراع الإسرائيليّ – الإيرانيّ، لن يجد سوى حركة تفتّت متعاظمة يلازمها ويؤجّجها انفكاك الجماعات عن المركز وتناحُر واحدتها مع الأخرى. وإذا دلّ استمرار النزيف السكّانيّ، وفي عداده نزف الكفاءات، على استحالة البناء على ثوابت ديموغرافيّة، دلّت هزيمة الثورات والحركات الإصلاحيّة، في سوريّا ولبنان والعراق، على أنّ ديناميّات التغيير ستبقى معطّلة إلى حين يصعب التكهّن بنهاياته. أمّا قوى العالم المؤثّرة، الموجودة بقوّة في منطقتنا، فإنّ حضورها الأمنيّ والعسكريّ يطغى طغياناً كاملاً على حضورها السياسيّ الضئيل وعديم المبادرة في ما خصّ رسم صورة للمستقبل.

هل قلتم: مستقبل؟

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصائر بائسة لوطنيّات المشرق العربي مصائر بائسة لوطنيّات المشرق العربي



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
 العرب اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 18:34 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل
 العرب اليوم - جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 العرب اليوم - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا

GMT 18:29 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 17:20 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة

GMT 18:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض

GMT 11:32 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الاحتلال ينسف مبانى بحى الجنينة شرقى رفح الفلسطينية

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 11:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

فقدان ثلاثة متسلقين أثناء صعودهم لأعلى قمة جبل في نيوزيلندا

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 08:11 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات تايلاند إلى 25 قتيلا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab