عبء القيادات الفلسطينيّة على الفلسطينيّين وعلى سواهم

عبء القيادات الفلسطينيّة على الفلسطينيّين وعلى سواهم

عبء القيادات الفلسطينيّة على الفلسطينيّين وعلى سواهم

 العرب اليوم -

عبء القيادات الفلسطينيّة على الفلسطينيّين وعلى سواهم

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

فيما يقاوم الفلسطينيّون الاحتلال في جنين، أو الاستيطان في القدس، تثابر قياداتهم على إضعاف المضمون التحرّريّ والأخلاقيّ المؤكّد لجهدهم ولتضحياتهم. تثابر أيضاً على إضعاف الجدوى السياسيّة التي تتوخّاها أفعال الفلسطينيّين.
لقد احترفت تلك القيادات هذه المهمّة البائسة منذ بدايات العمل الوطنيّ الفلسطينيّ. فالشيء المشترك الذي يجمع بين قيادة حركة «حماس» ورئاسة السلطة الوطنيّة في رام الله، هو شعور الطرفين بأنّ في وسعهما ارتكاب الأخطاء من دون محاسبة. لماذا؟ لأنّ الإجماع المفترض على القضيّة الفلسطينيّة يتيح لهما ذلك. لقد «عرف الحبيب مكانه فتدلّلا».
«حماس»، ومعها معظم الفصائل الفلسطينيّة المسلّحة، تشكّل وفداً يتوجّه إلى دمشق ليزور الرئيس السوريّ بشّار الأسد ويسترضيه، وهو المكروه سوريّاً وعربيّاً وفي العالم. السؤال الذي يخطر على البال فوراً فيما هم يتصافحون: من الذي يستطيع تبييض صفحة الآخر؟
الرئيس محمود عبّاس، في المقابل، يدلي بآراء غريبة في المحرقة اليهوديّة، وفي مجزرة ميونيخ. وأين؟ في ألمانيا، ثمّ يُتبعها بآراء لا تقلّ غرابة في السلوك الروسيّ المجيد. ومتى؟ إبّان الحرب على أوكرانيا.
تلك القيادات التي ربّما فكّرت أنّها تملك رصيد «القضيّة» الذي يسمح لها بفعل أيّ شيء، فاتَها أمر واحد: لم يعد هناك رصيد. المتوفّر هو رصيد سالب.
كيف تحقّقَ هذا التراكم المضادّ؟ نسترجع بعض التواريخ والتجارب:
الموجة القياديّة الأولى؛ أي الحاج أمين الحسيني وزملاؤه، ارتكبوا الحرب الأهليّة الحسينيّة - النشاشيبيّة التي بدّدت طاقة المجتمع الفلسطينيّ، واغتالت بعض كوادره، فيما كان عُود المشروع الصهيونيّ في فلسطين يقوى ويتصلّب. الحاج أمين ذهب بعيداً في حلفه مع النازيّة، مؤدّياً تحيّتها، وعاملاً على تجميع المسلمين البوسنيّين للقتال إلى جانبها، وبالطبع غاضّاً النظر عن المحرقة التي أطلعه عليها، عام 1943، قائد «الإس إس» ومهندس المحرقة الأبرز هاينريش هملر.
الموجة القياديّة الثانية؛ أي ياسر عرفات وجورج حبش ونايف حواتمة والآخرون، تحالفوا مع الاتّحاد السوفياتيّ وكتلته، فشاركوهما خسارة الحرب الباردة مثلما شاركوا هتلر خسارة الحرب العالميّة الثانية. ورغم لحظات خلافيّة، فإنّهم في المفاصل الأساسيّة ضَبطوا معظم حركتهم على إيقاع الأنظمة الأمنيّة والعسكريّة العربيّة. الموجة هذه ارتبطت بحربين أهليّتين في الأردن (1970) ولبنان (1975-6)، وبأفعال «نضاليّة» كان في عدادها خطف طائرات مدنيّة، ومجزرة ميونيخ، وقتل أطفال... التتويج كان مع تأييد صدّام حسين عند غزوه الكويت في 1990.
الموجة الثالثة؛ أي قيادات ما بعد «أوسلو»، أحدثت الانقسام والقطيعة بين الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، ثمّ واجهت الثورة السوريّة بمواقف بدأت مرتبكة وعلى شيء من التناقض، إلا أنّها ما لبثت أن استقرّت على عداء خالص.
مشكلة هذه القيادات متعدّدة الأبعاد، لكنّ أحدها يطال تصوّرها عن الحقّ: هي تحسب، على الأرجح، أنّ الحقّ كمّيّة تامّة وناجزة وجوهريّة لا يغيّرها، سلباً أو إيجاباً، أيّ سلوك يصدر عن أصحابها. والحال أنّ الحقّ يزيد وينقص: يزيد إذا خَدمتْه سياسة تجمع بين الأخلاقيّة والبراعة، وينقص إذا خدمتْه سياسة تجمع بين اللاأخلاقيّة والغباء. لنتأمّل مثلاً حالة رجل سُرّح من عمله ظلماً وعدواناً، فردّ بإحراق المبنى الذي تقيم فيه الشركة التي سرّحته، وتأدّى عن عمله تدمير ذاك المبنى، ومقتل عدد من العاملين. حقّ هذا الرجل يغدو أقلّ كثيراً ممّا كان قبل إقدامه على تلك الفعلة، (فكيف إذا أحرق بناية مجاورة لتلك التي يعمل فيها، وقتل من لا يعملون في شركته؟! وهو التشبيه الأقرب إلى واقع الحال).
لقد باتت معاناة الشعب الفلسطينيّ تحرز صداقات جديدة، وتخترق بيئات كانت في السابق مغلقة عليها. هؤلاء المتعاطفون خاطبتهم، في العقود القليلة الماضية، عداليّة القضيّة، وحقّ الفلسطينيّين في الاستقلال، ورفض العنصريّة والاستيطان وعنجهية الدولة العبريّة، لكنّ قيادات العمل الفلسطينيّ تبقى عنصراً منفّراً لمن يتعاطف. أمّا المتردّد فقد يتساءل: كيف يمكن لقضيّة محقّة أن تنتج مرّة بعد مرّة مثل هؤلاء؟ إنّ في هذا التكرار ما يدعو إلى التشكيك.
في مطلق الحالات، فإنّ الرصيد السالب الذي راكمته القيادات الفلسطينيّة، يجعل الجهد المطلوب من الضحايا الفلسطينيّين مضاعفاً. إنّهم يُضطرّون، فيما هم يقاتلون حاضر إسرائيل، إلى أن يقاتلوا ماضي قياداتهم وحاضرها. وهذا الإلحاح إنّما يزداد حين يتكشّف أنّ تلك القيادات لا تريدهم إلا وقوداً وأضاحي للمشاريع والمحاور الإقليميّة، فتروح لهذا الغرض «ترفع سعرها» ببيع دمهم في سوق الحميديّة، أو في بازار طهران، وبالمبالغات التي تجعل كلّ طعنة سكّين مشروع ثورة، وكلّ طلقة ناريّة ملحمةً تنهي عصراً، وتفتتح عصراً آخر.
إنّ الشعب الفلسطينيّ يستحقّ بالتأكيد قيادات من صنف آخر.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عبء القيادات الفلسطينيّة على الفلسطينيّين وعلى سواهم عبء القيادات الفلسطينيّة على الفلسطينيّين وعلى سواهم



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab