مسائل في ثقافيّات الحرب

مسائل في ثقافيّات الحرب

مسائل في ثقافيّات الحرب

 العرب اليوم -

مسائل في ثقافيّات الحرب

بقلم - حازم صاغية

في عددها الصادر يوم الأحد الماضي، في 7/4/2024، نشرت «هآرتز» الإسرائيليّة تحقيقاً كتبته جودي مالتز، مراسلة الجريدة لشؤون يهود العالم. التحقيق الذي حمل عنوان «بعد ستّة أشهر: كيف حوّلت 7 أكتوبر وحرب غزّة اليهودَ عبر العالم»، رصد انعكاس هذين الحدثين الكبيرين على حياة أفراد يهود توزّعوا على النحو التالي: 7 في الولايات المتّحدة، 2 في الأرجنتين، 2 في أستراليا، 2 في بريطانيا، 2 في جنوب أفريقيا، 2 في كندا، و1 في كلّ من أوكرانيا وتركيّا وأوغندا وتشيلي وفرنسا وإيسلندا وإيطاليا وألمانيا.

وهؤلاء الذين استُفتوا ينقسمون إلى 14 امرأة و11 رجلاً، تتفاوت أعمارهم بين 22 و75 سنة، وهم متزوّجون وعازبون، ومتزوّجات وعازبات، وفيهم المؤمنون وغير المؤمنين. لكنّهم أيضاً يتوزّعون في مواقعهم الاجتماعيّة والمهنيّة على خريطة شديدة الاتّساع: فهناك من يعمل في التلفزيون، ومن يعمل في مركز اجتماعيّ حسيديّ، ومن هو طالب دكتوراه في اللغويّات ومن هو مساعد طبّيّ. وبينهم المؤرّخ والموظّفة في مؤسّسة لدفن الموتى والحاخام والمدير في شركة عقارات والمؤرّخ والأستاذ الثانويّ والطبيبة البيطريّة ومديرة البنك وفنّانة وأستاذ علم اجتماع متقاعد...

أمّا الآراء التي عبّر عنها هؤلاء فلا تقلّ اتّساعاً وتنافراً عن المواقع التي صدروا عنها. شابّ أستراليّ يقول: «لقد توقّفتُ عن التحدّث إلى أهلي حول بعض القضايا بالغة الصعوبة». شابّ أميركيّ يضيف: «التلاقي مع يهود مؤيّدين للفلسطينيّين ممّن يشاركونني الرأي كان تجربة مؤثّرة جدّاً». سيّدة تركيّة تحتجّ: «كلّ شيء جيّد [في تركيّا] شرط أن نبقى صامتين. أيّ وطن هو هذا؟». مؤرّخ أميركيّ يُدين: «أظنّ أنّ انتقام إسرائيل [من 7 أكتوبر] هجوم إباديّ». سيّدة أميركيّة تنتقد: «ردّ إسرائيل لم يكن مساعداً. قتل هذا العدد الكبير من الناس دون تمييز لا يبدو لي [عملاً] يهوديّاً». سيّدة فرنسيّة تتحدّى: «قبلاً لم أُحسّ أبداً بالحاجة إلى وضع نجمة داوود حول عنقي، لكنّني منذ 7 أكتوبر أشعر بذلك». حاخام أميركيّ ينشقّ: «لا يصلني الإحساس بالتعاطف مع ما يعانيه الناس في غزّة. لقد حوّلني هذا الأمر إلى مناهض للصهيونيّة». سيّدة إيطاليّة تغضب: «المنظّمة النِسويّة الرئيسيّة في إيطاليا رفضت إدانة العنف الجنسيّ ضدّ النساء الإسرائيليّات». سيّدة ألمانيّة تصف السير في شوارع ألمانيا بما كان عليه «قبل وصول النازيّين إلى السلطة».

علاقة واحدهم وواحدتهم بالأهل والأصدقاء وزملاء العمل عرضة للنقاش وللتفكير. علاقتهم بالمكان نفسه، من مكان الإقامة إلى الوطن، كما علاقتهم بإسرائيل، مواضيع للتأمّل. انعكاس الحدثين على الإقامة والعمل والأمن والهجرة هي كلّها مسائل مطروحة. أمّا العناوين العامّة الأكثر حضوراً وتواتراً، أو التي يصلنا حضورها على نحو مُداور، فربّما جاز فرزها إلى أربعة:

- نهاية العلاقة بين الاتّجاهات اليساريّة والتقدّميّة وبين الصهيونيّة،

- اختلاف بين أجيال يهود العالم حيال إسرائيل، حيث يغلب التعلّق بين الأكبر سنّاً وينمو النفور والتنصّل عند الأصغر سنّاً،

- أزمات تحيط بأوضاع اليهود في الجامعات خصوصاً،

- عسر العلاقة المستجدّة بين الفنّانين والفنّانات اليهود وبين عالم الفنّ ومجالاته.

بطبيعة الحال ليست «هآرتز» إسرائيل، فهي لا تعدو كونها صوتاً لشريحة ضيّقة من مجتمعها الذي عصف به التطرّف والقسوة، بل ربّما كانت أعلى الأصوات المناهضة لنازع الإبادة الذي يستولي على الدولة العبريّة. لكنّها، مع هذا، صوت حاضر ينقل عالماً متعدّداً وناقداً وعابراً للحدود في الآن نفسه.

أمّا ما ينمّ عنه سلوك «هآرتز»، في هذا التحقيق، كما في مقالات وأعمال صحافيّة أخرى كثيرة، فتصوّرٌ ثقافيّ مسكون بأحوال البشر أفراداً وجماعات، بتحوّلاتهم الكبرى كما بأوضاعهم الحميمة التي تظهّرها المنعطفات التاريخيّة. لكنّه مسكون أيضاً بفكرة أنّ البشر حين يكونون أحراراً يكونون مختلفين، فهم لا يفكّرون تفكير من صُبّوا في قالب واحد، أو تفكير من أُجبروا على ترداد رواية جماعيّة بعينها.

ومدهشٌ، في المقابل، كم أنّ ثقافتنا، من خلال وسائطها، فقيرة في اهتمامها بإظهار اختلافنا وتعدّدنا، وبإظهارنا مختلفين ومتعدّدين. ذاك أنّ ما يستحوذ عليها هاجسُ تقديمنا صوتاً واحداً مرصوصاً لا ينشز عنه إلاّ خائن أو عميل.

أسوأ من ذلك أنّ أوضاع الناس وآراءهم، في ظروف مصيريّة كهذه، ليست على الأجندة الثقافيّة أصلاً. يصحّ هذا في ما خصّ تناولَ المقيمين في بلدانهم، مثلنا يصحّ في ما خصّ تناول المهاجرين، حيث بات هناك ملايين العرب والمسلمين في أربع رياح الأرض. فهل هؤلاء لا يتأثّرون في أجسادهم وإقامتهم وعملهم وصلاتهم مع سواهم، أم أنّ تأثّرهم لا يحمله انشغالنا الثقافيّ على محمل الجدّ، هو المُكرّس لفضح ازدواجيّة الغرب ونبش المواضي الكولونياليّة؟ وهذا حين نرتاح قليلاً من مسائل «الحداثة والأصالة» و»الإبداع والاتّباع»!

فما يتبدّى اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أنّ المسافة الفاصلة بين البشر الفعليّين والبُنى التحتيّة لـ»ثقافتنا» من عيار فلكيّ. فالناس، وفق هذه الأخيرة، كتلة من حجر، ولدينا وفرة في الإنسان – القوم وندرة في الإنسان – الفرد أو حتّى الإنسان – الجماعة، فيما لا يزال القدرُ يحجب الحياةَ في تجاربها وعلاقاتها والشكل الخاصّ لتماسّها مع العالم.

وفي انتظار أن يوقظنا موقظ من «قيلولتنا الدوغمائيّة»، بحسب عبارة شهيرة قالها كانط عن هيوم، سوف نمضي بخطى ثابتة إلى المجد «ما دمنا نقاوم»!

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسائل في ثقافيّات الحرب مسائل في ثقافيّات الحرب



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 العرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 02:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
 العرب اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 08:36 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
 العرب اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 العرب اليوم - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا

GMT 18:29 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 17:20 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة

GMT 18:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض

GMT 11:32 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الاحتلال ينسف مبانى بحى الجنينة شرقى رفح الفلسطينية

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 11:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

فقدان ثلاثة متسلقين أثناء صعودهم لأعلى قمة جبل في نيوزيلندا

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 08:11 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات تايلاند إلى 25 قتيلا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab