ما تحاوله روسيا هو المستحيل

ما تحاوله روسيا هو: المستحيل

ما تحاوله روسيا هو: المستحيل

 العرب اليوم -

ما تحاوله روسيا هو المستحيل

بقلم - حازم صاغية

كان من الأوصاف التي أُطلقت على الاتّحاد السوفياتيّ أنّه ذو عضلات قويّة ورأس صغير. لكنّ ذاك الرأس الصغير كان يحتوي على لسان طويل جدّاً: «تحرير الشعوب. مساعدة الأمم على بناء الاشتراكيّة. الدفاع عن السلم على هذا الكوكب...».
بهذه الشعارات وبغيرها، وهي غالباً مَرعيّة بشحنات أسلحة سخيّة، خاطبت موسكو السوفياتيّة كثيرين في العالم. بعضهم صدّقها وبعضهم تظاهر بتصديقها بسبب حاجته إليها، لكنّ المؤكّد أنّ قوّة اللسان كانت الشيء الوحيد الذي ينافس الموادّ الحربيّة في الصناعة السوفياتيّة.
روسيا البوتينيّة، في المقابل، بلا لسان. مغامراتها في العالم لا يصحبها أيّ زعم تحريريّ وأيّ مخاطبة واعدة لسواها. إنّها تقول فحسب: أريد الدفاع عن أمني واستبعاد المخاطر المحدقة بي. لا تقول شيئاً يجمعها بحليف أو بغريب أو بآخر. لا تقول شيئاً يتعدّى الهمّ الأمنيّ إلى رؤية للسياسة أو للثقافة أو لبناء الأمم. تعثر هنا أو هناك على حاكم مكروه من شعبه فتدعمه، وتستفيد من حاجته إليها لبناء موقع أمنيّ في بلده.
«أدبيّات» بوتين التي ترشح من أقواله وتصريحاته تنمّ عن الإعجاب ببعض طغاة التاريخ الروسيّ، وبالكراهية لكلّ المحاولات التي حاولتها الشعوب لنيل الحرّيّة. موقفه من المعارضين والمنشقّين في روسيا عماد النموذج الأمثل الذي يرعاه.
فقر روسيا البوتينيّة في الأفكار وفي الوعود التحرّريّة كائناً ما كان تأويلها، ينجم عنه هذا الفقر في بناء الروابط العميقة مع سواها. لكنّ هذين الفقرين يُستعاض عنهما بكثرة الأدوات التي تقتل، من الطائرة إلى السمّ، مصحوبة بأعمال تزوّر الواقع، عبر التهكير والتجسّس الإلكترونيّ والمغامرات السيبرانيّة وسواها، وعبر مجموعة فاغنر ومثيلاتها من طلائع التنوير الروسيّ. تخريب المجتمعات الديمقراطيّة والعمليّات الديمقراطيّة فيها وتعزيز القادة الشعبويّين والقوميّين المتطرّفين يبقى الهدف الثابت لموسكو.
السوريّون، من واقع تجربتهم المُرّة، يعرفون ذلك. الروس أرسلوا طائراتهم إلى سوريّا حيث أقاموا قواعد عسكريّة لهم. بدأ ذلك قبل سبع سنوات، وكان من أفضالهم على السوريّين تدمير مدن وبلدات وقتل سكّان آمنين وتهجيرهم، وبالطبع دعم نظام بشّار الأسد الذي كان يتداعى. لكنْ هل هناك اليوم «بوتينيّون» في البيئة الموالية للنظام؟ هل هناك شيء روسيّ يتماهى معه السوريّون ويفخرون بالحصول عليه؟ هل هناك ثلاث سلع، تقنيّة أو فنّيّة أو ثقافيّة أو من أيّ نوع غير حربيّ، يتباهى السوريّون بالتعرّف إليه أو امتلاكه؟
إنّ الحجّة الوحيدة التي تتسرّب أحياناً عن بعض مؤيّدي النظام، في معرض الدفاع عن فضائل روسيا في سوريّا، هي أنّها «أقلّ خطراً» أو «أقلّ سوءاً» من إيران، وأنّها توازن الحضور الإيرانيّ وتحدّ من قوّته. والحال أنّ منافسة إيران ليست بالأمر الصعب، كما أنّ التغلّب عليها في هذه المجالات ليس ممّا يُعتدّ به.
إيران، على هذا الصعيد، خصم سهل جدّاً.
روسيا اليوم تحشد مائة ألف جنديّ على حدودها مع أوكرانيا. سياسيّون ومراقبون كثيرون يتوقّعون غزوها لجارتها الصغيرة، وأنّ حدثاً كهذا قد يشعل الحرب العالميّة الثالثة. موسكو تقول بدورها إنّها لن تغزو (ولن تنصّب يفهِن موراييف رئيساً على أوكرانيا)، لكنّها لن تتراجع عن منعها البلد المذكور من الانضمام إلى حلف الناتو، وأنّها لهذا الغرض «الدفاعيّ» تحشد جنودها.
ولوهلة يمكن القول إنّ الولايات المتّحدة كان ينبغي أن تحلّ حلف الناتو بمجرّد انهيار حلف وارسو بعد انتهاء الحرب الباردة. لكنّ هذه الحجّة، السليمة والعادلة في الظاهر، لا تجيب عن سؤال الأسئلة: ماذا إذا بقيت البلدان المجاورة لروسيا خائفة منها، كما كان حالها دائماً، وماذا إذا كانت تلك البلدان الخائفة بحاجة إلى حماية؟
بمعنى آخر، جوهر المسألة ليس استمرار الناتو (الذي، بالمناسبة، أضعفَه باراك أوباما ثمّ كاد يلغيه دونالد ترمب). إنّ جوهر المسألة هو روسيا ذاتها: رغبتها في التحايل على التحوّل الديمقراطيّ الذي يجعل خوفها الأمنيّ خُوافاً لا علاج له إلاّ منع الحرّيّة عن البلدان المجاورة. أمّا الأخيرة، وقد خرجت من السجن السوفياتيّ، فيغدو خوفها من روسيا أحد أبرز مقوّمات وطنيّتها وشعورها بالحرّيّة وتمتّعها بالسيادة.
وأغلب الظنّ، وبغضّ النظر عمّا تسفر عنه المواجهة الحاليّة، أنّ روسيا لا يمكن، في النهاية، أن تكسب هذه المعركة. ذاك أنّ ما تحاوله، بمصادرتها حرّيّات الشعوب المجاورة وإراداتها، هو المستحيل - المستحيل الذي يزيده استحالةً فقدان اللسان، فضلاً عن فقدان كلّ شيء يتعدّى قوّة العضل.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما تحاوله روسيا هو المستحيل ما تحاوله روسيا هو المستحيل



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab