لماذا يونيو 67 أقرب من أكتوبر 73

لماذا يونيو 67 أقرب من أكتوبر 73؟

لماذا يونيو 67 أقرب من أكتوبر 73؟

 العرب اليوم -

لماذا يونيو 67 أقرب من أكتوبر 73

بقلم - حازم صاغية

تميل الذاكرات أحياناً إلى ترتيب الأحداث بما لا يتوافق مع ترتيبها الكرونولوجيّ. هكذا يشعر كثيرون من أبناء المشرق العربيّ أنّ حرب أكتوبر – تشرين الأوّل (التي يُحتفل هذه الأيّام بذكراها الخمسين) أبعد زمناً عنّا من حرب يونيو – حزيران. وهذا علماً بأنّ الأخيرة سبقت الأولى بستّ سنوات.

وهذا مردّه إلى أنّ حرب 1973 لم تحظ بوصف قاطع يشبه أحوالنا الراهنة، كما استعصت على التنميط الحاسم الذي ترتاح إليه الأحكام السهلة. فهي عند نشوبها بدّدت نظريّة روّجها اليسار الراديكاليّ مفادها أنّ الجيوش الكلاسيكيّة لا تحارب، وأنّ العلاج الوحيد هو في حرب العصابات على الطريقة الفيتناميّة، وإذا بالجيوش تخوض الحرب. وبعدما قال إسلاميّون، إثر حرب 1967، إنّنا محكومون بالهزيمة لأنّ الله تخلّى عنّا بعد تخلّينا عنه، تبيّن أنّ الله لم يتخلّ عنّا إلى هذا الحدّ، أو أنّ تخلّيه تراجع قليلاً.

لكنْ فوق هذا، اندمج النصر والهزيمة في 1973 بما يغبّش الصورة قليلاً. فقد انتصرنا في بدايات الحرب، كما تداخلت فيها المعارك الطاحنة والسلام، أقلّه في ما يتعلّق بمصر. وهذا ما عبّرت عنه العبارة الشهيرة «حربٌ لتحريك عمليّة السلام». وفعلاً ما لبثت اتّفاقات كامب ديفيد أن وُقّعت. وفيما كانت تلك الحرب تُصوّر استعادةً لثقة العربيّ بنفسه، بعدما خسر تلك الثقة في 1967، فإنّها هي نفسها كانت تمهّد لتوطّد الديكتاتوريّة العسكريّة السوريّة المانعة لكلّ ثقة بالنفس عند السوريّين. وبعدما سارت الحرب مكلّلةً بـ»التضامن العربيّ»، انفجرت أكبر الحروب الأهليّة – الإقليميّة، وكان ذلك في لبنان عام 1975.

إلى ذلك آثر الممانعون اللاحقون أن يطووا صفحات أساسيّة من كتاب حرب أكتوبر. ففكرة «التضامن العربيّ» مع «الأنظمة الرجعيّة العربيّة» هي ممّا لم يستسيغوه، كما أنّهم لم يستسيغوا التحالف العابر مع أنور السادات الذي صنّفوه «انخداعاً»، وهذا ناهيك عن أنّ الحرب حصلت بعد ثلاث سنوات على رحيل جمال عبد الناصر، ومن دون دور طاغٍ للاتّحاد السوفياتيّ. هكذا كان عليهم أن يبذلوا جهوداً جبّارة تضاعف البلبلة والغموض، كالتشديد على أنّ عبد الناصر أعدّ لها ووضع خطّتها قبل رحيله، أو أنّ بطلها الفعليّ لم يكن سوى رئيس الأركان سعد الدين الشاذلي... لقد ألّفوا حرباً تناسب تصوّرهم عن الحرب لكنّها تنافي واقع تلك الحرب وتنافسه.

ومن جهة أخرى فإنّ تدييناً جزئيّاً طال المواجهة العسكريّة ضاعف التباساتها. فهي ترافقت، عند اليهود، مع عيد يوم الغفران، فيما استوقف العربَ عبورُ الجنود المصريّين قناة السويس، والعبورُ، منذ العهد القديم، ذو دلالة ميثولوجيّة صارخة.

لكنّ ما يتمرّد على التأويل وما تعجز الأفكار عن تنظيمه، ممّا نلقاه في حرب 1973، لا نلقى مثله في حرب 1967. فالرواية هنا بسيطة وموجزة وواحدة يكاد لا يقاربها التحليل، ناهيك عن التخييل: هنا، نحن أمام هزيمة كاسحة ماسحة أصابت ثلاثة بلدان عربيّة خلال ستّة أيّام.

صحيح أنّ محاولات جرت لمداواة الجرح النرجسيّ الذي أصابنا، فقيل أنّ الأنظمة لم تسقط، وأنّ هذا بذاته انتصار. وباختراعه تعبير «النكسة» حاول محمّد حسنين هيكل جعل الهزيمة قابلة للهضم والابتلاع، أقلّه قياساً بـ»النكبة» التي سبقتها بـ19 سنة.

لكنّ الخدع اللفظيّة لم تمرّ لأنّ الواقع بدا أكبر من أن يمرّرها. ففضلاً عن الأرض «خسرنا الكرامة» وحلّ علينا «العار»، بحسب اللغة التي شاعت يومذاك ولا تزال في التداول. ولكثيرين بدا أنّنا انتقلنا في أقلّ من أسبوع من جنّة عبد الناصر الموعودة إلى قاع الجحيم. ومن ينتقل هكذا، من التغنّي بمعبد سليمان إلى أَسْر بابل لا يبقى له غير التفجّع على غرار ما فعله الأنبياء العبرانيّون.

وبهذه المعاني جميعاً، فإنّ هزيمة حزيران تشبه أوضاعنا الراهنة: إنّها صريحة وواضحة وشفّافة مثلها. فنحن في المشرق العربيّ نكتشف الانهيار الكبير والكامل، حيث الدول ليست دولاً، والشعوب ليست شعوباً، وهذا بعدما كان حافظ الأسد هو «اللاعب الأكبر» في المنطقة، وكان صدّام حسين «يتحدّى العالم»، بينما مثّل ياسر عرفات «الرقم الصعب في المعادلات». وكلّ هذا البناء الكرتونيّ تداعى كرةً تتقاذفها أرجل الصغار. فإذا شئنا، بعد هذا كلّه، أن ننسى هزيمة 67 الكبرى، ذكّرنا بها حديثُ الانتصارات الإيرانيّة والحزب «الإلهي»، لأنّه حديث يوميّ لا يسترخي، ولأنّ الشيء بالشيء يُذكر.

لهذا يقول البعض، بين الفينة والأخرى، إنّنا لا نزال نعيش في حزيران، ونحن بالفعل لا نزال نعانق هذا الحدث المؤسِّس الذي أنجب أبناء يختلفون عنه في هذا الملمح أو ذاك، إلاّ أنّ شهادة الولادة التي يحملونها لا يرقى إليها الشكّ.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا يونيو 67 أقرب من أكتوبر 73 لماذا يونيو 67 أقرب من أكتوبر 73



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

أنغام تثير الجدل بتصريحاتها عن "صوت مصر" والزواج والاكتئاب
 العرب اليوم - أنغام تثير الجدل بتصريحاتها عن "صوت مصر" والزواج والاكتئاب

GMT 11:30 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 15:40 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

SpaceX تطلق 21 قمرًا صناعيًا من Starlink إلى المدار

GMT 05:56 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

حريق جديد في لوس أنجلوس وسط رياح سانتا آنا

GMT 15:41 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يعرض 65 مليون يورو لضم كامبياسو موهبة يوفنتوس

GMT 03:25 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

استمرار غياب تيك توك عن متجري أبل وغوغل في أميركا

GMT 03:02 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

زلزال بالقرب من سواحل تركيا بقوة 5 درجات

GMT 03:10 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

استشهاد مسؤول حزب الله في البقاع الغربي محمد حمادة

GMT 16:11 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أحمد الفيشاوي يعلق على خسارته جائزة "أحسن ممثل"

GMT 03:08 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

ارتفاع ضحايا حريق منتجع للتزلج في تركيا لـ76 قتيلًا

GMT 05:52 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

الصين تختبر صاروخاً فضائياً قابل لإعادة الاستخدام

GMT 16:06 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

ميس حمدان تكشف ردود فعل الرجال على أغنيتها الجديدة

GMT 02:59 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

تحذيرات من رياح خطرة وحرائق جديدة في جنوب كاليفورنيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab