عن بعض عادات الحروب والنزاعات

... عن بعض عادات الحروب والنزاعات

... عن بعض عادات الحروب والنزاعات

 العرب اليوم -

 عن بعض عادات الحروب والنزاعات

بقلم - حازم صاغية

تستحضر أهوال الحرب والموت عادات هي بالأحرى، وتبعاً لتاريخها المديد، تقاليد. فهناك عادةٌ يوصف أصحابها بالطوباويّة والتبشير، إذ يرافق إلحاحَهم النبيل على وقف الموت إهمالُهم الشروط السياسيّة لتحقّق المطلب هذا. وغالباً ما تحول اندفاعة هؤلاء، وهي إنسانيّة ورفيعة، دون التأمّل في الشروط المتوافرة والشروط المضادّة وفي توازنات القوى القائمة. وهناك عادة أخرى يحاول أصحابها الجمع بين مطلب وقف الموت بأسرع ما يمكن والالتفات إلى المتاح السياسيّ وسواه من الاعتبارات بما يسبغ على المطلب إمكانيّة عمليّة. لكنّ هناك عادة ثالثة رديئة هي صاحبة الصوت الأعلى في أزمنة الحروب، مفادها استخدام الحرب للحضّ على مزيد منها، ورفع الألم، الذي يُراد وضع حدّ له، إلى مصافّ أستاذ أعلى يقترح علينا المستقبل.

ومن مزايا تلك العادة المبالَغة في استلهام الماضي، وهو صراعيّ تعريفاً، والحفر الذي لا يتوقّف في الذاكرات بالفعليّ منها والمُتَوهَّم أو المؤسطَر. والحال أنّ الحاضر والمستقبل لا يؤتى إليهما من بوّابة الماضي الدمويّ التي ليست سوى ممرّ إلى قتل أكثر وثارات أكبر، ومن ثمّ إلى تعصّبات هي في حالتنا يهوديّة ومسلمة، إسرائيليّة وعربيّة، تبدأ بالنحر الفرديّ وتنتهي بالانتحار الجماعيّ أو ما يشبهه.

والراهن أنّ دمج التذكّر، وهو دائماً انتقائيّ وقابل للتلاعب، بقدر من النسيان ليس بالأمر السيّئ متى كان المطلوب مغادرة العنف والعداء إلى السلام. لكنْ على العكس تماماً، تروح العادة الرديئة إيّاها تتفنّنُ في وصف العداء والكشف عن أبعاد خبيئة «غير مُنتَبَه إليها» ينطوي عليها النزاع. ونعرف أنّ حمولة الكراهية الكامنة في الصراع الفلسطينيّ – الإسرائيليّ تنطوي على ما يكفي من سلبيّة وقطيعة، بحيث لا يفيد أحداً تعزيزها بنعوت تزيدها سلبيّةً وقطيعةً، وتؤدّي إلى جعل الصراع غير قابل للحلّ، لا في الغد ولا في ما بعد الغد. فلا الله وعد اليهود بفلسطين، ولا فلسطين مسرح صراع كونيّ ضدّ الإمبرياليّة، وليس مهمّاً ما الذي حصل بين العبرانيّين والآراميّين، وكيف سُبي اليهود إلى بابل وكيف حرّرهم قورش الفارسيّ أو كيف، في المقابل، حرّر صلاح الدين بيت المقدس. وهذه «الإضافات»، أكانت تستنجد بالتاريخ القديم فتحدّثها أو بنظريّات الزمن الحديث، مثل الأفاعي متعدّدة الرؤوس: فهي إن لم تعثر على مرادها في الدين بحثت عنه في الآثار، وإن لم تجده في الأدب وجدته في الاقتصاد، وحين لا يكفيها ما ينفثه السياسيّون الأحياء من كراهية نبشت عداء السياسيّين الراحلين ونفضت عنه الغبار.

ومباشرةً أو مداورة تؤكّد تلك العادة على خرافة سياسيّة مؤدّاها أنّ الحقوق تُعطى كلّها لأصحابها فوراً ومرّة واحدة. فـ»هكذا هكذا وإلاّ فلا لا»، وغالباً لا لا. وأمر تحصيل الحقوق، حتّى لو أقرّت به الأطراف المتنازعة، لا يكون حدثاً بقدر ما يكون عمليّة (process) يصحبها ويتخلّلها الكثير من بناء الثقة المتبادلة، وهي طبعاً مفقودة على نحو متبادل، ومن توليد المصالح وتطوير التعارف والاشتغال المتواصل على بلورة ثقافة من القيم الكونيّة، ثقافةٍ تنمو على نحو تدريجيّ، وبالتدرّج نفسه تتولّى تنظيف الفضاء العامّ من ثقافات الكراهية.

وتحضّ تلك العادة الرديئة على الوقوف مع الطرف الذي يقاتل لمجرّد أنّه يقاتل فضلاً عن كونه «منّا وفينا»، وإلاّ كان العار بالمرصاد لمن لا يمتثل ولمن يحاول أن يضيف فكرة أو سؤالاً إلى ما فكّره الأقدمون وقالوه عن الحق واللاحق وعن الضحيّة والجلاّد. فهذه الكلمات التي لا تتعدّى العشرين هي التي ينبغي لحياتنا وعقولنا أن تدور في رقعتها الضيّقة، أكان عند الفلسطينيّين والعرب أم عند الإسرائيليّين.

وفي ما يخصّ الحرب على غزّة، وما سبقها من حروب في الشرق الأوسط، تتميّز الخرافة إيّاها بأنّها ذات وجهين إسرائيليّ وعربيّ: أمّا الإسرائيليّ منهما فافتراض أنّ الدولة العبريّة مستثناة من ثنائيّة الواجبات والحقوق، ومن الخضوع للقوانين التي يُفترض أن تخضع لها دول العالم. وهذا علماً بأنّه لا المحرقة النازيّة ولا الطابع الأقلّيّ للدولة العبريّة في المنطقة يمنحانها هذا التفويض المطلق الذي يُترجَم حقولَ قتل للمدنيّين والأطفال الفلسطينيّين. وأمّا العربيّ منهما فعدم الانتباه إلى أنّ إلزام إسرائيل بالقوانين لا يثمر ما دامت الأطراف التي تقف في مواجهتها ميليشيات تشاركها عدم التقيّد بالقوانين.

وتذهب الطريقة الرديئة إلى أنّ الحروب لا تُخاض ولا تُكسب إلاّ بالأكثر جنوناً والأكثر تشدّقاً بخرافة ما، سمّها التفوّق الحضاريّ الغربيّ المحمول إسرائيليّاً أو المقاومة الإسلاميّة أو غير ذلك. لكنْ في ظلّ نتنياهو وبن غفير و»حماس» و»الجهاد الإسلاميّ»، نذهب إلى حرب دائمة ونبقى فيها، فإذا شئنا الانتقال إلى سلام دائم وعادل وقابل للتوسّع فهذا ما يستدعي قيادات معتدلة تُخضع تصوّراتها الإيديولوجيّة لمصالح البشر ولشروط حياتهم وإدامتها وتحسينها، وتكون مَرِنة ومنفتحة على العالم الخارجيّ وتأثيراته، تأخذ وتعطي وتساوم وتؤمن بالتسويات. وهذا يتطلّب العقل قبل أيّ شيء آخر.

أمّا التاريخ المنصف الذي يُكتب بعد أحداث دمويّة ضخمة كالتي نعيش فلم يقل إلاّ هذا: لقد كانت لديهم عادات رديئة جدّاً.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 عن بعض عادات الحروب والنزاعات  عن بعض عادات الحروب والنزاعات



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab