الحرب الأهليّة في تأويل «حزب الله» لها

الحرب الأهليّة في تأويل «حزب الله» لها

الحرب الأهليّة في تأويل «حزب الله» لها

 العرب اليوم -

الحرب الأهليّة في تأويل «حزب الله» لها

بقلم - حازم صاغية

إذ يتداول اللبنانيّون مذعورين في احتمال الحرب الأهليّة، زوّدنا الشيخ نعيم قاسم بتعريفه لتلك الحرب أو ما يعادلها: إنّ القاضي طارق بيطار «جاءنا بالمشاكل والمصائب، ويجب أن يرحل كي يستقرّ الوضع». هذه العبارة التي ردّدها نائب الأمين العامّ لـ «حزب الله» بدت للكثيرين ثمرة غباء مُعتّق. لكنّ هذا ليس صحيحاً. إنّها، بالدرجة الأولى، ثمرة خبث وظيفيّ هدفه تسخيف معنى الحرب الأهليّة و«المشاكل» و«المصائب» تالياً، وتقديم معانٍ لها ولمغادرتها مرتجلة وخفيفة تموّه المعنى الفعليّ.
وكانت قد مرّت عبارة سريعة في الخطاب المتلفز الأخير للأمين العامّ حسن نصر الله تقول: نحن لا علاقة لنا بالحرب الأهليّة. وغالباً ما ردّد قادة الحزب والناطقون بلسانه هذه العبارة أو ما يشبهها.
والحال أنّ هدف هذا التوكيد، الذي يقال كأنّه بديهيّ، سهلٌ فهمه: نحن فوق الحرب الأهليّة وبعدها، فوقها بمعنى التسامي الأخلاقيّ، وبعدها بمعنى أنّ المقاومة انتقال من زمن إلى زمن، على طريقة الفجر الذي يلي العتم ويطويه.
وراء هذا الهدف هدف آخر: نحن لسنا موضوعاً ينقسم حوله اللبنانيّون على ما يحصل في الحروب الأهليّة. نحن موضوع يتّفقون عليه. لقد كنّا وكنتم قبل «حزب الله» نغوص في بشاعة الاحتراب الذي يقسّم ويفتّت، وصرنا معه نحلّق في سماء المقاومة الجامعة الشاملة.
هذا كلّه ليس صحيحاً. الصحيح فيه، إذا ما اعتبرنا أنّ الحرب الأهليّة تقف عند حرب السنتين (1975-6)، أنّ الحزب كحزب لم يكن موجوداً حينذاك. لكنْ حتّى هنا تبقى تلك الصحّة نسبيّة جدّاً لأنّ أبرز مَن صاروا قياديّين في الحزب كانوا أفراداً ضالعين في الحرب الأهليّة من خلال الانتساب إلى تنظيماتها: حسن نصر الله نفسه كان في «حركة أمل»، وكانت له مساهماته النشطة في الأعمال التي شهدتها قريته البازوريّة، في قضاء صور الجنوبيّ. عماد مغنيّة كان في «حركة فتح»، وهناك روايات عن أنّ القياديّ الفلسطينيّ أبا حسن سلامة أهداه إلى ياسر عرفات كحارس لازمَه حتّى أيّامه الأخيرة في بيروت عام 1982.
في المقابل، لا يمكن القول إنّ محازبي الحزب أحدثوا بانشقاقهم عن أحزابهم، وبانتسابهم إلى حزبهم الجديد، قطيعة مع عقل الحرب الأهليّة. تجربة حسين الموسوي تقول العكس تماماً. المذكور انشقّ عن «حركة أمل»، وكان نائباً لرئيسها، وأسّس «أمل الإسلاميّة»، وذلك بالضبط حين قرّر رئيسها نبيه برّي أن يعتدل قليلاً وأن يتوصّل مع باقي الأفرقاء اللبنانيّين إلى تسوية وطنيّة. الموسوي ما لبث أن أخذ أمله الإسلاميّة ودمجها في «حزب الله» الناشئ للتوّ.
هذا يعني أنّ «حزب الله» لم يقطع مع الحرب الأهليّة بل استنجد عليها بالقوى الإقليميّة. إنّه بالتالي اعتمد موقفاً أكثر جذريّة في انتسابه إلى النزاع الأهليّ وفي إحكام ربطه بالبعد الإقليميّ. هو إذاً أضاف إلى أسبابها أسباباً أخرى أشدّ قابليّة للاشتعال وأقلّ قابليّة للإطفاء.
أمّا إذا اعتبرنا أنّ الحرب الأهليّة تعني حقبة 1975 - 1990، فعند ذاك يصير خطأ تلك الرواية خطأ مطلقاً. لقد كان الحزب ضالعاً في بعض أشرس معارك تلك الحرب، أكان مع الشيوعيّين أو مع «أمل». العنف الذي شهده إقليم التفّاح بين «الإخوة» في الحزب و«الإخوة» في الحركة توّج الحرب واستدعى الوساطتين السوريّة والإيرانيّة لوقفها. حصل ذلك بعد مواجهات شرسة في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبيّة.
بيد أنّنا إذا أضفنا الضحايا العرب والأجانب إلى اللبنانيّين، بتنا على بيّنة من مدى الاستثمار في غياب الدولة، أي مدى الاستفادة من ظروف الحرب الأهليّة لأداء دور إقليميّ.
أبعد من هذا كلّه أنّ شروط الحرب الأهليّة هي نفسها شروط استمرار الحزب وسلاحه، وبكفاءة أرفع كثيراً من كفاءة منظّمة التحرير الفلسطينيّة. وحين يقول الشيخ قاسم عبارته لا يكون يفعل غير حفر متاهة أخرى من متاهات الحزب في تعريفه الحرب الأهليّة: إنّ القاضي بيطار سبب «المشاكل والمصائب»، فيما «رحيله» يلغيها.
إنّ الحرب ليست نقيض السلام إلاّ في الظاهر. إنّها، في العمق، نقيض العدالة، سيّما وأنّ السلام قد يكون مفروضاً بالقوّة. اللبنانيّون عاشوا سنوات في ظلّ سلام شكليّ، وفي ظلّ سلام بارد، فيما كانت أسباب الحرب الأهليّة تتراكم في الخفاء.
«حزب الله»، في هذا المعنى، هو نظام حرب أهليّة لأنّه تعريفاً يمتلك القوّة التي يُحرم منها سواه، ولأنّه هو، لا الدولة، يغدو الطرف الذي يضمن ويطمئن، أو يسحب الضمانة والطمأنة حين يجد في ذلك ما يخدم مصلحته. حجب هذا الواقع الكبير هو ما يدفع إلى تصوير القاضي بيطار، أو أيّ شخص آخر، أو أيّ حادثة أخرى، سبباً للحرب الأهليّة.
هكذا يبقى السؤال الشائع «هل تقع الحرب؟» سؤالاً ناقصاً ما لم يُربط بحقيقة أنّ الحرب واقعة دوماً في ظلّ السلاح.

arabstoday

GMT 03:41 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

ثلثا ميركل... ثلث ثاتشر

GMT 03:35 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

مجلس التعاون ودوره الاصلي

GMT 03:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

عندما لمسنا الشمس

GMT 03:18 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

رسالة إلى دولة الرئيس بري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحرب الأهليّة في تأويل «حزب الله» لها الحرب الأهليّة في تأويل «حزب الله» لها



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab