كيف تُحوّل انتخاباتٍ إلى لاـــ انتخابات

كيف تُحوّل انتخاباتٍ إلى لاـــ انتخابات؟

كيف تُحوّل انتخاباتٍ إلى لاـــ انتخابات؟

 العرب اليوم -

كيف تُحوّل انتخاباتٍ إلى لاـــ انتخابات

بقلم - حازم صاغية

ربّما كان الفيلسوف الإسكتلنديّ ديفيد هيوم (1711-1776) أوّل من دافع عن فكرة المعارضة الشرعيّة، ولو بشيء من التحفّظ. فهو رأى أن يكون للمعارضين دور إشرافٍ سلبيّ ومحدود على عمل الحكومة، لكنّه حذّر من الذهاب بعيداً في الشقاق والتنافر بما قد يقود إلى حرب أهليّة.

بعد هيوم، وفي الحقبة الزمنيّة ذاتها، أحدث إدموند بيرك (1729-1797)، السياسيّ والكاتب الإنكليزيّ – الإيرلنديّ، نقلة أخرى. فقد دافع، هو الموصوف بأنّه مؤسّس المحافَظَة السياسيّة، عن دور أحزاب سياسيّة يستحيل من دونها اشتغال المجلس التشريعيّ. هكذا حاول تطوير نظريّة تعكس الممارسة البرلمانيّة التي مارسها هو نفسه كنائب قرابة ثلاثين عاماً. وكان ما يضاعف إلحاحه على ضرورة المعارضة أنّ إنكلترا القرن الثامن عشر لا تعيش حرباً أهليّة، ولا خوف عليها من حرب أهليّة بعد الحرب التي عرفتها في القرن السابع عشر، وهذا ناهيك عن أنّ أيّاً من الحزبين، «التوريز» (أجداد المحافظين) و«الويغز» (أجداد الليبراليّين) لا يحرّض عليها.

لكنْ لماذا تأخّر ظهور مواقف كهذه حتّى القرن الثامن عشر؟ سبب ذلك أنّ السلطة السياسيّة، قبل التنوير، كانت موصولة بالمقدّس، وكان الحاكم يتمتّع بـ «حقّ إلهيّ» يصوّر حُكمه بوصفه امتداداً لرغبة الله. هكذا وُصمت معارضة الحاكم معارضةً للإله ذاته، ما يجعلها كفراً ومروقاً، ويجعل المعارضين أقرب إلى نسل شيطانيّ.

ففكرة المعارضة إذاً لم تغدُ شرعيّةً إلاّ مع علمنة السياسة، وفصل حيّزها عن حيّز الدين والقداسة. فهنا تراجعت صورة المعارض بوصفه كافراً آثماً وحلّت محلّها صورته كصاحب رأي مغاير أو مصلحة مغايرة.

لكنْ مع الأزمنة الحديثة، لم يعد الدين المصدر الوحيد للتشكيك بالمعارضة وبشرعيّتها، إذ أضيفت إليه الإيديولوجيّات التي استعاضت عن الدين بالإلحاد أو اللاأدريّة، إلاّ أنّها كانت تعلمن الدين عبر زعمها التعبير عن حقائق مطلقة كحقائق الدين تماماً. وهي، بالتالي، مارست التحريم على من يعارض حقائقها تلك أو رمته بالخيانة. وإنّما بالمعنى هذا، كانت أنظمة شيوعيّة وقوميّة تُجري انتخابات لا معارضة فيها، تتنافس خلالها أحزاب وأشخاص يتّفقون كلّهم على دعم النظام القائم وتنزيهه، إلاّ أنّهم يحتفظون بخلافات طفيفة حول طريقة توفير الدعم هذا. كذلك بات من المألوف، في البيئة هذه، نفي الانتخابات وإبطال المعارضة من خلال نسبة تصويت فلكيّة للحاكم ومرشحّيه. والحال أنّ دلالة الحصول على ما يتجاوز الـ99 بالمئة من الأصوات تتعدّى التضخيم الخرافيّ لمحبّة الحاكم إلى اعتبار معارضيه الذين يقلّون عن 1 بالمئة مجرّد زمرة معزولة لا تضمّ إلاّ خونة وضالّين ومجانين.

مع إيران لا حاجة إلى هذه الطرق الالتفافيّة في علمنة الدين أو منح موقعه لفكرة غير دينيّة. فهنا ثمّة عَود على البدء الأوّل حيث يُقدّم النظام بوصفه موصولاً بالله من دون وسيط أو تأويل. لهذا فإنّ النظام الذي أجرى مؤخّراً انتخابات عامّة، وهو كثيراً ما يُجري انتخابات، يستحقّ أن يمثّل الحالة الأصيلة المثلى في جعل الانتخابات لا-انتخابات. فالإطلاقيّة الدينيّة الصافية التي تجد تعبيرها الأوضح في «ولاية الفقيه»، تجعل ذاك النظام الضدّ المطلق لفكرة المعارضة التي لم تكتسب شرعيّتها إلاّ بعد علمنة السياسة. وضدّيّته هذه إنّما تتجاوز الموقف المبدئيّ إلى الخطى العمليّة والإجرائيّة جميعاً التي تعلن عن التناقض الصريح بين الانتخابات، كما تُجرى بإصرار ومواظبة، واللا-انتخابات.

هنا لا تُعتمد صيغة الـ99 في المئة، بل يُعمل بصيغ أخرى أشدّ ثقة بالنفس تبعاً للمصدر الغيبيّ المزعوم، من غير أن يكون الأمر أقلّ افتضاحاً وإثارة للسخرية. فهناك، كما نعرف جميعاً، ذاك التزوير الشهير الذي يسبق التزوير، وهو ما تمثّله عمليّة تصفية المرشّحين «غير المؤهّلين». وفي الانتخابات الأخيرة، اقتصر عدد الذين أتيح لهم الترشّح على 15200 مرشّح يتنافسون على 290 مقعداً، فيما بلغ عدد الذين تقدّموا بترشيحاتهم 15 ألفاً. وإذا كان الهمّان الأساسيّان للشعب وضعه الاقتصاديّ وانكشاف شرعيّة النظام بعد قتل مهسا أميني والانتفاضة التي أعقبته، فإنّ النظام، وفق الناطقين بلسانه، أراد من الانتخابات «مخاطبة الخارج»، لا الداخل. ولئن نيط بالانتخابات إحداث تغيير ما، وهو ما يناط بكلّ انتخابات، ففي إيران لا تغيّر الانتخابات شيئاً يُذكر، فتبقى «إرادة الشعب» مدعوسة بإرادة أعلى لا يُدرَك كُنهها.

كذلك يغدو المطلوب «تجنّبَ المقاطعة الشاملة»، بحيث لا يكتشف الخارج عزلة النظام في الداخل ولا ينقضّ على ضعفه. فالانتخابات التي يُراد منها تفادي الحروب، هي في إيران حرب، بدليل القول البليغ لخامنئي في مخاطبة شعبه: «إذا شعر العدوّ بأنّنا لسنا قادرين (...) وأنّ الأمّة الإيرانيّة بلا قوّة، فإنّهم سيهدّدون أمنكم بكلّ الطرق الممكنة». وهكذا يتحوّل الإقبال على الاقتراع إلى «واجب دينيّ»، بما يخالف فكرة الاقتراع من أساسها.

وهذا النموذج مطروح اليوم بقوّة على منطقتنا بوصفها البديل لـ «الديمقراطيّة على الطريقة الغربيّة». أمّا الميليشيات المسلّحة المنتشرة في المشرق فعلى أتمّ الاستعداد لفرضها، «تصويباً» لنا وللديمقراطيّة في وقت واحد.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف تُحوّل انتخاباتٍ إلى لاـــ انتخابات كيف تُحوّل انتخاباتٍ إلى لاـــ انتخابات



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك سلمان بن عبد العزيز يفتتح مشروع قطار الرياض
 العرب اليوم - الملك سلمان بن عبد العزيز يفتتح مشروع قطار الرياض

GMT 18:57 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه
 العرب اليوم - العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة

GMT 01:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف مناطق إسرائيلية قبل بدء سريان وقف إطلاق النار

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab