أين لا يقف أردوغان

أين لا يقف أردوغان؟

أين لا يقف أردوغان؟

 العرب اليوم -

أين لا يقف أردوغان

بقلم : حازم صاغية

هناك في «الإخوانيّة» التي نشأ عليها رجب طيّب أردوغان، كما في شخصه العُظاميّ، ما يمكن أن نسمّيه براغماتيّة رخيصة. وقد جاءت هزيمة الثورات العربية، انطلاقاً من مصر، حيث أسقط العسكر حليفه «الإخوانيّ» محمّد مرسي، لتكون ضوءه الأخضر إلى تفعيل براغماتيّته التي تشتغل بالمفرّق وبالقطعة. هكذا، وفي سلوكه الطريق البديل، لم تفصل إلاّ ساعات قليلة بين اعتذاره لفلاديمير بوتين والإعلان الرسميّ عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وما لبثت أن حصلت عمليّة «داعش» الإرهابيّة في مطار إسطنبول، وبدا أنّها تندرج في سياق دمويّ يمتدّ على مدى العالم الإسلاميّ، وربّما العالم، مؤدّاه الانتقام من الهزائم الأخيرة في العراق وسوريّة. ولمّا كان هذا الانتقام أعمى، يعامل الجميع بلا تمييز، بات من «المنطقيّ» أن يبحث أردوغان عن موقع له وسط هذا «الجميع»، مستبدلاً فتوره في «الحرب على الإرهاب» بحماسة كانت تُوظّف على جبهات أخرى.

ولم يفت المراقبين أنّ أردوغان المتّهم برعاية الإرهاب «الداعشيّ»، أو أقلّه بفتح الحدود لعناصرهم ونفطهم، يغدو، بين ليلة وضحاها، من أبطال مكافحته. وهذا ما يشبه الرئيس التركيّ وطبائعه، بدليل التحوّلين الروسيّ والإسرائيليّ بعد صخبين عظيمين. وكان سبق لأردوغان أن انتقل من مُحاور للأكراد، بهدف الوصول إلى تسوية سلميّة للحرب المديدة معهم، إلى مستأنف لتلك الحرب، بمجرّد خسارته الأكثريّة البرلمانيّة تبعاً لنجاحات حزب «الشعوب» الكرديّ والبرلمانيّ.

هكذا لا يعود مفاجئاً أن ينتقل «السلطان» من طريقة سيّئة في دعم الثورة السوريّة إلى طريقة أسوأ في معاداتها. ويُخشى، في مناخ كهذا، أن يكون التلويح الأخير بتوطين سوريّين في تركيّا، هديّة لفظيّة واستعراضيّة يعرف أردوغان صعوبة تنفيذها، تغطّي سياسات فعليّة في اتّجاه آخر. فهو عوّدنا على سحره الذي يرفع الشياطين آلهة برمشة عين، وبرمشة أخرى يخفض الآلهة شياطين. وهذه البراغماتيّة الوضيعة تجد في المظلوميّة وظلم الغرب ذرائعها، من دون أن يتساءل صاحبها عن السبب العميق وراء التقاطه بأطراف الأصابع. فمن سلوكه حيال البرلمان إلى مواقفه من المرأة، ومن شبقه السلطويّ إلى عدائه للصحافة، لم يفعل أردوغان إلاّ تنفير العالم منه وتكريهه به.

لكنّ ثمّة عنصراً آخر يفعل فعله، معطوفاً على «إخوانيّة» أردوغان وشخصيّته. إنّه القوميّة التركيّة التي تجمع بين معظم الأطراف الإيديولوجيّة والسياسيّة على اختلافها. فالقوميّة تلك، بوصفها جرحاً إمبراطوريّاً لا يندمل، كما بوصفها وسواساً حيال الأقلّيّات الإثنيّة والدينيّة، كثيراً ما توجّه السلوك وجهةً عصبيّة ومنفعلة يحرّكها فائض تاريخيّ غير منظور. ولافتٌ في هذه القوميّة، شأن سائر القوميّات المتأخّرة زمناً والمحتقنة إنجازاً، مدى انطوائها على تشاوف مثير: ذاك أنّ القوميّ العلمانيّ يتشاوف على الأوروبيّين الذين أخذ العلمانيّة عنهم، مثلما يتشاوف القوميّ الإسلاميّ على العرب الذين أخذ الإسلام عنهم. ودائماً يسود هذا الميل إلى إنكار دَيْن الدائنين والتنصّل من سداده، بل دائماً ما يذهب الإنكار أبعد، فيتنصّل أصحابه من دماء الأرمن غير آبهين، في سعيهم وراء خصوصيّة زائفة، بالتاريخ وبالعالم. وعن تشاوفين لا ينشأ إلاّ إصرار مرضيّ على تمايز لا يلقى من المبرّرات إلاّ... التشاوف. هكذا مثلاً أمكن لإسلاميّ كعدنان مندريس أن يتترّس، في الخمسينات، بإسلام يحفظ له نفوره داخل منظومة الأطلسيّ التي تحمّس لها. كما أمكن لجنرال ككنعان أفرين، في الثمانينات، أن يدافع عن العلمانيّة بنظام قهريّ متشدّد لم تكفّ أوروبا عن انتقاده.

وقوميّة كهذه تردّ بأعصابها وحساسيّاتها، قد تربح مرّة وقد تخسر مرّة، لكنّ المؤكّد أنّها تخسر نفسها في النهاية. وهذه اليوم حال أردوغان الذي يُرجّح أن تُكسبه نقلته الأخيرة انفراجات واسعة، في المنطقة والعالم. مع هذا لن يُرى أردوغان، بعد اليوم، إلاّ في صف الخاسرين.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أين لا يقف أردوغان أين لا يقف أردوغان



هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 12:56 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
 العرب اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 13:10 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
 العرب اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 13:17 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
 العرب اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 07:45 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

آثار التدخين تظل في عظام الشخص حتى بعد موته بـ 100 سنة

GMT 04:43 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الشاهنشاهية بعد 45 عامًا!

GMT 06:30 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تطوير مادة موجودة في لعاب السحالي للكشف عن أورام البنكرياس

GMT 05:07 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ليبيا أضحت اثنتين

GMT 05:13 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مرّة أخرى... الحنين للملكية في ليبيا وغيرها

GMT 17:11 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز صيحات العبايات المصممة على طراز المعطف لشتاء 2024

GMT 21:15 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب تونس يعلن إنهاء تعاقده مع فوزي البنزرتي بالتراضي

GMT 21:20 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

كروس يرفض إقامة مباراة وداع خاصة له بعد اعتزال كرة القدم

GMT 19:21 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عملة "بيتكوين" تترجع بنسبة 2.13% مع ترقب نتائج أعمال الشركات

GMT 16:47 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الوجهات السياحية التي تعدّ الأكثر أمانًا في العالم

GMT 21:05 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

نيوكاسل الإنكليزي يعلن تجديد عقد أنتوني جوردون

GMT 16:21 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار في الديكور والتدبير المنزلي لجعل المنزل أكثر راحة

GMT 21:10 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الترجي التونسي يطيح بمدربه البرتغالي كاردوزو
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab