لبنان الأردن سوريا إصلاح أم إفناء

لبنان... الأردن... سوريا: إصلاح أم إفناء؟

لبنان... الأردن... سوريا: إصلاح أم إفناء؟

 العرب اليوم -

لبنان الأردن سوريا إصلاح أم إفناء

بقلم :حازم صاغية

 

تقدّم منطقة المشرق العربيّ اليوم ثلاثة نماذج في التعامل مع الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزّة.

فهناك النموذج اللبنانيّ، وقوامه الاندراج المباشر في الحرب منذ يومها الثاني ورفض كلّ حلّ سياسيّ لوقفها. لكنّ هذا الاندراج لم يترك أيّ أثر ملموس على السلوك الحربيّ الإسرائيليّ، خصوصاً وقد صعّد عدوانيّته ووسّعَ نطاقها من غزّة إلى الضفّة الغربيّة. وهو، كما نعلم، يهدّد لبنان بمخاطر وجوديّة تلازم انتقال التركيز الحربيّ إليه، وفق تصريحات رسميّي الدولة العبريّة وعسكريّيها. وهذا إنّما يحصل وسط انقسام أهليّ عريض بين اللبنانيّين، انقسامٍ خصب باحتمالات تدمير شامل يكمّل الكارثة الحربيّة الممكنة، كما في ظلّ أزمة اقتصاديّة استثنائيّة تطحن السكّان. وفي هذه الغضون، يضرب الجفاف عروق ذاكرة ذوي الشغف الحربيّ التي تأبى أن تتذكّر أنّ الحرب التي بدأت في 1975، واستمرّت 15 سنة، كان سببها هذا الموضوع بالذات.

وهناك النموذج الأردنيّ الذي يحاول، في موازاة دفاع سياسيّ ودبلوماسيّ متواصل عن غزّة والحقّ الفلسطينيّ، تجنّب الاندراج في الحرب، مع ما يستدعيه ذلك من إلغاء لمعاهدة وادي عربة السلميّة. لكنْ ما إن يطرأ في الأردن حدث ما، صغيراً كان أم كبيراً، حتّى يبادرنا الشغوفون بالحرب إيّاهم باكتشافهم «شهيّة الجماهير الأردنيّة للقتال». وقد رأينا هذا في عمليّة ماهر الجازي التي يمكن تفهّمها وتفهّم الغضب الذي أفضى إليها، كما رأيناه في تأويل النتائج الانتخابيّة المتقدّمة التي أحرزتها «جبهة العمل الإسلاميّ» الإخوانيّة. وهنا أيضاً لا تبدو الذاكرة الحربيّة الأردنيّة أنشط من زميلتها اللبنانيّة، إذ يلفّ الصمتُ تجربة حرب 1967 وخسارة الضفّة ثمّ الحرب الأهليّة التي أعقبتها بعد ثلاث سنوات، وكان سببها هو أيضاً نفس سبب النزاع اللبنانيّ. وهذا ناهيك عن ضآلة الاكتراث بوضع الأردن الاقتصاديّ والسياسيّ والديموغرافيّ وقدرته على تحمّل الحرب التي يُدعى إليها.

أمّا النموذج الثالث فهو السوريّ، حيث يتصرّف النظام وكأنّ ما من حرب تحدث في غزّة أصلاً، وهذا علماً بأنّ الضربات الإسرائيليّة داخل سوريّا نفسها، وهي باتت ممارسة مزمنة، شرعت مع الحرب الراهنة تتصاعد نوعيّاً. وقبل أيّام قليلة جاءت ضربة مصياف لتكسر رقماً قياسيّاً في عدّاد الحسبة الحربيّة. وهنا أيضاً تعاني الذاكرة فقداناً مماثلاً، إلاّ أنّه يعمل بشكل معاكس: ذاك أنّ الحربيّين يصمتون صمت الخزائن المقفلة عن «دور سوريّا المركزيّ» في الصراع مع إسرائيل، وعن ملاحم «الصمود والتصدّي» التي تُنسب إلى النظام وما تسبّبت به تلك الملاحم من كوارث على السوريّين والفلسطينيّين واللبنانيّين. فما دام الأخير «يقف في صفّنا»، جاز له ما لا يجوز لغيره وحظي بالإعفاء الذي أسبغه عليه، قبل أسابيع، زعيم «حزب الله».

لكنّ اللافت أنّ إحدى النظريّات التي تقترن بالشغف الحربيّ تدور حول التغيير والإصلاح. فالنظامان اللبنانيّ والأردنيّ، بحسب الحربيّين جميعاً، ووفق تقليد عريق أسّسه اليساريّون واستأنفه الإسلاميّون، ليسا عادلين وليسا وطنيّين، وهما تقليديّاً حليفان للغرب، الإمبرياليّ مرّة والصليبيّ مرّة أخرى. وهذا ما يجعل زجّهما في الصراع المفتوح مع إسرائيل بنداً في برنامج تحرّريّ أشمل وأعرض. أمّا في سوريّا فالنظام، وفقاً للقاموس الضمنيّ نفسه، وطنيّ ومعادٍ للإمبرياليّة، وهو وريث تقليد عسكريّ وأمنيّ صلب ومتواصل في مكافحة النفوذ الغربيّ وفي إحداث تغييرات اجتماعيّة «لصالح الجماهير العريضة». وما دام النظام المذكور قد أنجز تحرّره الوطنيّ فالأفضل عدم تبديد مكاسبه بالصراع المفتوح. وفي هذا ما يكفي من المسخرة، وإن ظلّت المسخرة الأكبر تتمثّل في إفضاء التغيير والإصلاح، مرّة بعد مرّة، إلى الإفناء الذي تتعدّد طرقه.

فهناك بالتأكيد مآخذ جدّيّة كثيرة على النظامين اللبنانيّ والأردنيّ، لكنّ أصحاب المآخذ الحربيّين لا يملكون في التعامل معها سوى التخلّص من البلدين نفسيهما عبر زجّهما في الحرب القاتلة. أمّا في سوريّا، حيث تولّى النظام مهمّة التخلّص من سوريّا، بعد تجويفها المديد من داخلها، فقد أُنجزت المهمّة، ولم تعد ثمّة حاجة إلى زجّها في حرب.

وتقودنا تجربة كهذه إلى حذر مبرَّر من دعاة التغيير هؤلاء، وممّا قد يبدو، لوهلة، نقداً صائباً يصدر عنهم. لكنّها تقودنا كذلك إلى تفهّم ما قد يعنيه الموقف المحافظ حيال شؤوننا العامّة، إذ المحافظة عندنا، وقبل أن تكون رجعيّة أو غير رجعيّة، محكومة بالحفاظ على الحياة قبل أيّ اعتبار آخر. فنحن، مع الشغوفين بالحرب، حيال جماعة لا يهمّها الناس ولا البلد ولا الحياة ذاتها، وقد وجدت في فلسطين وقضيّتها ذريعتها لتطبيق برنامجها الإفنائيّ وحضّها على إبادة ذاتيّة بعد إبادة.

ولربّما استند السلوك هذا إلى لون معيَّن في تحلّله من العالم وعدم اكتراثه بأيٍّ من شروطه الإنسانيّة والاجتماعيّة، وفي إقباله تالياً، وبفرح وحماسة، على النحر والانتحار. فنحن، في هذه العدميّة القصوى، لا نولد إلاّ حين نموت، وحين نولد نولد طاهرين بعد موتنا طاهرين.

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان الأردن سوريا إصلاح أم إفناء لبنان الأردن سوريا إصلاح أم إفناء



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 العرب اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab