وخذوا جبران باسيل

... وخذوا جبران باسيل

... وخذوا جبران باسيل

 العرب اليوم -

 وخذوا جبران باسيل

بقلم : حازم صاغية

في البلدان ذات النظم البرلمانيّة يطمح النائب إلى أن يصير وزيراً. عندنا، في لبنان، هناك وزير يطمح إلى أن يصير نائباً. طموحه بالطبع لا يتوقّف عند النيابة، إذ بالتأكيد يريد لنفسه الوزارة والزعامة وكلّ ما يمكن السعي إليه وبلوغه. إلاّ أنّ هذه المناصب من دون النيابة توحي بضعف الشرعيّة الشعبيّة، وبأنّ المعنيّ بالأمر لا يزال «صهراً». فهو قد يُمنح رئاسة تيّار حزبيّ لكنّ صفة «الصهر» تبقى الصفة الغالبة عليه.

وهذا أحد الأسباب التي تحمل الوزير جبران باسيل، مصحوباً بـ «الرابطة المارونيّة» أو من دونها، على ركوب المزايدات بحيث يعجز الجميع عن اللحاق به. والمزايدات، تعريفاً، قد تسوق صاحبها إلى الإعجاز، أي إلى الخارق والعجائبيّ، حيث لا العقل يعقل ولا العين ترى.

وباسيل يتصرّف، في هذا المعنى، كأنّه يقود حزباً يهجس بما كانته أحزاب «الزعماء» في الثلاثينات الأوروبيّة، أو كأنّه يمثّل جماعة تعدّ أكثر من نصف الشعب اللبنانيّ فيرسم للميثاقيّة والتعايش معانيهما وحدودهما، أو كأنّه يستطيع أن «يعيد النازحين السوريّين إلى بلادهم»، وهو الهمّ الذي ستتضافر على مدى سنوات جهود إقليميّة وعالميّة جبّارة لتوفير صيغة مقبولة في التعاطي معه. وأغلب الظنّ أن يترافق ذلك مع بلورة خرائط جديدة في المنطقة، وعلاقات بديلة تسود الجماعات المقيمة داخل هذه الخرائط.

لكنّ عدم الحصول على مقعد نيابيّ في البترون لا يكفي وحده لتفسير هذا الجنوح إلى «العملقة». فالخطّ الذي يرشّح باسيل نفسه لأن يكون نجمه الأبرز هو الصيغة اللبنانيّة عن الترامبيّة والبريكزيتيّة. إنّه الشعبويّة التي يقودها الإحباط والاحتقان والشعور بالتجاوز إلى الذهاب بعيداً في كراهية الغريب واستنهاض الغرائز وبناء الجدران والعوازل.

وإذا كانت ظروف وأوضاع بالغة السلبيّة هي التي تمنح هذه الشعبويّة بعض فرص النجاح راهناً، فهذا نجاح لا يكتم ارتكازه على الخداع والتوهّم. وقد سبق أن نُقل عن ليونيد بريجنيف قول بليغ في هذا المجال: «إذا قال أحدهم إنّه يرى نهراً حيث لا يوجد نهر، فلا تقل له إنّه يتخيّل، بل قل إنّك ستبني له جسراً فوق ذاك النهر».

وجبران باسيل وصحبه يبنون اليوم جسوراً مُتخيّلة فوق أنهار مُتخيّلة. وهم يستعيضون، بتماديهم في الإيهام، عن افتقار البيئة التي صدروا عنها إلى كلّ تماسّ مع الظاهرات الإيجابيّة التي تفد من الغرب الليبراليّ. فمن تلك البيئة باتت تهبّ بعض أشرس التعابير عن العنصريّة والجنسويّة والطبقيّة والتزمّت الأخلاقيّ ومناهضة النشاط الإبداعيّ.

لكنْ، وتوخّياً للإنصاف، ما من شكّ في أنّ المنطقة تشارك في المسؤوليّة عن تراجع المسيحيّين اللبنانيّين الذين يستقرّ بهم الحال عند المحطّة الباسيليّة. فمنذ عقود، وللمنطقة في أدبيّات أبنائها، لا سيّما الأكثر جذريّة بينهم، صورة المكان الموبوء المطلوب تنظيفه بالانقلاب أو بالثورة. ومنذ العقود نفسها وأبناء المنطقة، لا سيّما الأكثر جذريّة بينهم، يأخذون على المسيحيّين اللبنانيّين «انعزاليّتهم»، أي رفضهم الاندماج بـ «منطقة» لا يصفونها هم أنفسهم إلاّ بأقبح الأوصاف. والشيء نفسه ساد اللغة السياسيّة العربيّة حيال الأكراد: لماذا لا يبقون معنا ولماذا ينوون المغادرة، أو حيال إسرائيل: لماذا لا تندمج في منطقة يصعب الاندماج فيها؟

وهذا ما بدا أشبه بالقول: إنّ بيتي ليس صالحاً للسكن بتاتاً، وقد ينهار على رأسي في أيّة لحظة، لكنّ من لا يشاركني العيش فيه لعين ملعون. وها هو جبران باسيل يعلن انتماءه الكامل والكليّ إلى المنطقة، ولا يتردّد في دعم مقاومة «حزب الله» لإسرائيل. وهل هناك أبلغ من المقاومة تعبيراً عن «هويّة» المنطقة؟

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 وخذوا جبران باسيل  وخذوا جبران باسيل



هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 12:56 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
 العرب اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 13:10 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
 العرب اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 02:51 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو يعلن أن "حزب الله" كان يحضّر لـ"غزو" إسرائيل
 العرب اليوم - نتنياهو يعلن أن "حزب الله" كان يحضّر لـ"غزو" إسرائيل

GMT 13:17 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
 العرب اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 07:45 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

آثار التدخين تظل في عظام الشخص حتى بعد موته بـ 100 سنة

GMT 04:43 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الشاهنشاهية بعد 45 عامًا!

GMT 06:30 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تطوير مادة موجودة في لعاب السحالي للكشف عن أورام البنكرياس

GMT 05:07 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ليبيا أضحت اثنتين

GMT 05:13 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مرّة أخرى... الحنين للملكية في ليبيا وغيرها

GMT 17:11 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز صيحات العبايات المصممة على طراز المعطف لشتاء 2024

GMT 21:15 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب تونس يعلن إنهاء تعاقده مع فوزي البنزرتي بالتراضي

GMT 21:20 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

كروس يرفض إقامة مباراة وداع خاصة له بعد اعتزال كرة القدم

GMT 19:21 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عملة "بيتكوين" تترجع بنسبة 2.13% مع ترقب نتائج أعمال الشركات

GMT 16:47 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الوجهات السياحية التي تعدّ الأكثر أمانًا في العالم

GMT 21:05 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

نيوكاسل الإنكليزي يعلن تجديد عقد أنتوني جوردون

GMT 16:21 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار في الديكور والتدبير المنزلي لجعل المنزل أكثر راحة

GMT 21:10 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الترجي التونسي يطيح بمدربه البرتغالي كاردوزو
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab