هذه الحماسة للدفاع عن شيء لا نحبّه

هذه الحماسة للدفاع عن شيء لا نحبّه...!

هذه الحماسة للدفاع عن شيء لا نحبّه...!

 العرب اليوم -

هذه الحماسة للدفاع عن شيء لا نحبّه

بقلم - حازم صاغية

هناك تناقض تأسيسيّ فادح، نادراً ما يشار إليه، في الرواية الذاتيّة لـ «حزب الله» ومناصريه. إنّهم يقولون، في وقت واحد، وأحياناً في عبارة واحدة، إنّهم يدافعون عن لبنان. يتطوّعون لذلك ويدفعون الدم العزيز من أجله. يفعلون ذوداً عن الوطن ما لا يجرؤ على فعله، أو ما لا يرغب في فعله، الجيش والدولة اللبنانيّان.
بلغة أخرى، إنّهم يطرحون في الساحة، نظريّاً وعمليّاً، وطنيّةً راديكاليّة تتجاوز أشكال الوطنيّة السابقة، المتقاعسة والجبانة، إن لم يكن المتآمرة أيضاً.
لكنّهم، من جهة أخرى، لا يعنيهم لبنان أصلاً وفصلاً. إنّه لا يحتلّ الكثير في تفكيرهم وحسابهم، ما عدا كونه موقعاً للقتال أو جسراً إلى القتال. إنّهم، مثلاً، غير معنيّين بتطوير خطّة اقتصاديّة للبلد. نوّابُهم لا يُضرب بهم المثل في التشريع. أمينهم العامّ أعلن انضواءه جنديّاً في جيش الوليّ الفقيه الإيرانيّ. مثقّفوهم، والمثقّفون القوميّون واليساريّون الملتحقون بهم، لا يفوّتون فرصة لاحتقار لبنان والاستهزاء به واعتباره لزوم ما لا يلزم. آراء أكثريّة اللبنانيّين بمقاومتهم لا تعنيهم. البيئة الثقافيّة في البلد غريبة عنهم وهم غريبون عنها. الرموز التاريخيّون الذين يعتزّون بهم (أدهم خنجر وصادق حمزة...) هم من رافضي وجود لبنان منذ 1920 والمتحمّسون لوحدةٍ سوريّةٍ في ظلّ فيصل الأوّل.
شيء واحد من لبنان كان، ولا يزال، يعني «حزب الله» ومؤيّديه، هو بقاء النظام على حاله بما يسهّل لهم مهمّتهم القتاليّة. أن يبقى خلفيّة آمنة للعمل المقاوم.
إذاً، هناك أقصى الإصرار على الدفاع عن لبنان وبذل الدم في سبيله، وهناك في الوقت عينه أدنى الاعتراف الفعليّ بلبنان ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، اقتصاداً وسياسة وثقافة...
كيف تستقيم هذه «الممارسة» وتلك «النظريّة»؟
هناك واحد من احتمالين، أو الاحتمالان معاً، لكنّ المؤكّد غياب أيّ احتمال ثالث:
الأوّل هو أنّ المقصود بالدفاع هو الدفاع عن سكّان من لبنان، ومنطقة من لبنان، بعد عزل هؤلاء السكّان والمنطقة عن الانتماء إلى بلد بعينه، ومن دون أيّ ربط بين الدفاع عنهم ووصلهم باقتصاد معيّن وسلطة مركزيّة ما. مثل هذا الفهم لـ «الدفاع»، واستطراداً لـ «التحرير»، بدائيّ جدّاً وسابق على الوطنيّة. إنّه يردّ المسألة إلى صراع أقوام وجماعات ومناطق ممّا يزخر به التاريخ. في ترجمته اللبنانيّة، يُعدّ هذا دفاعاً طائفيّاً أو تحريراً طائفياً، وهما قابلان للاستخدام ضدّ غريب كإسرائيل قابليّتهما، في ظروف مختلفة، للاستخدام ضدّ قريب أو جماعة لبنانيّة أخرى.
الاحتمال الثاني أنّ العداء لإسرائيل، وليس الدفاع عن لبنان وتحريره، هو ما يتحكّم بذاك التوجّه. فإذا كان العداء المذكور مفهوماً ومبرّراً، كان من غير المفهوم والمبرّر تحكيمه بمصائر اللبنانيّين ومطالبتهم برسم حياتهم على ضوئه. يزيد في توكيد هذا المعنى أنّ «حزب الله» ومحيطه لا يدافعان عن لبنان في وجه احتلال غير إسرائيليّ، بل يتحالفان معه في وجه باقي اللبنانيّين. لقد أهدى حسن نصر الله رشّاش المقاومة لرستم غزالي، مثلاً لا حصراً.
هكذا يصبح جائزاً، كما في العلاقة بكلّ وعي ضدّيّ، طرح السؤال: لنفترض نظريّاً أنّ إسرائيل لم توجد أصلاً، أو أنّها زالت من الوجود، فهل يعني هذا انتفاء كلّ مبرّر لقيام لبنان ما دام مبرّره الوحيد قتال إسرائيل؟
هذه الحماسة للدفاع عن كائن لا يحبّه المدافعون عنه هي التناقض التأسيسيّ في «حزب الله» – التناقض الذي يلد منظومة من التلفيقات التي تمثّل نمطاً من فهم العالم وشؤونه، ومن تسويقه تالياً. نكتفي هنا باثنتين من تلك التلفيقات باتتا معروفتين جيّداً لكونهما الأكبر حجماً بينها.
- فالولايات المتّحدة هي التي صنعت «داعش» (مرّةً تولّت المهمّة هيلاري كلينتون ومرّةً مايك بومبيو...)، وهي لسبب ما مَن قتل زعيميها أبو بكر البغدادي وأبو ابراهيم الهاشمي القرشي تباعاً. قبل «داعش»، كانت الولايات المتّحدة إيّاها قد صنعت «القاعدة» في مختبر التعاون الأفغانيّ ضدّ السوفيات. لكنّ «القاعدة» لسبب ما نفّذت ضرباتها الكبرى في الولايات المتّحدة فتولّت الأخيرة الهجوم على أفغانستان ثمّ تصفية مؤسّس «القاعدة» أسامة بن لادن.
- كذلك هناك صفّ من «عملاء إسرائيل» في لبنان، يبدأون برفيق الحريري ولا ينتهون بلقمان سليم. لكنْ فجأةً يُغتال هؤلاء بأبشع الطرق. من الذي اغتالهم؟ إسرائيل طبعاً.
ما من شكّ في أنّ سرديّات «حزب الله» ومُشايعيه تنطوي على عالم سحريّ وفانتازيّ كفيل بإغناء الأساطير التي تُبدعها قلّة موهوبة ويصدّقها كثيرون هم للأسف غير موهوبين في تمييز الأسطورة عن الواقع.
وفي النهاية، قد نزوّج فيلاً إلى نملة، وقد نحتفل أيضاً بعرسهما. أمّا أن ننتظر مواليد هذا الزواج السعيد، وأن نطالب الآخرين بأن ينتظروهم معنا، وإلاّ كانوا خونة وجواسيس، فهذا كثيرٌ قليلاً.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هذه الحماسة للدفاع عن شيء لا نحبّه هذه الحماسة للدفاع عن شيء لا نحبّه



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab