في ما خصّ تعدّد الأقطاب والقطب الواحد

في ما خصّ تعدّد الأقطاب والقطب الواحد

في ما خصّ تعدّد الأقطاب والقطب الواحد

 العرب اليوم -

في ما خصّ تعدّد الأقطاب والقطب الواحد

بقلم - حازم صاغية

منذ انتهاء الحرب الباردة والشتائمُ العربيّة خصوصاً، وغير العربيّة أيضاً، تنهال على الزعامة الأحاديّة القطب للعالم، أي تحديداً على زعامته الأميركيّة. صعود الصين الاقتصاديّ وصعود روسيا العسكريّ، وصولاً إلى استعراض هذا الصعود في جورجيا وسوريّا وفي حربين على أوكرانيا، وفّرا فرصاً لكارهي تلك الزعامة وأعطياهم بعض الأمل بتجاوزها.
والحال أنّ رفض الزعامة الأحاديّة سليم وعادل من حيث المبدأ. فتعدّد الأقطاب يستطيع، في الحدّ الأدنى، أن يحدّ من جموح أيّ واحد من تلك الأقطاب ومن أنانيّته وتعسّفه. الولايات المتّحدة نفسها فعلت شيئاً من هذا حين تقدّمت لمنافسة القوى الأوروبيّة التقليديّة، البريطانيّة والفرنسيّة، داعمةً نزع الاستعمار القديم وكاسرةً تلك الواحديّة. ففرنسا كانت قد هُزمت في الخمسينات في فيتنام، وتشاركت مع بريطانيا في الهزيمة التي حلّت بهما في مصر، فجاءت الهزيمتان، الآسيويّة والمصريّة، تعلنان تحوّلاً ضخماً في الموازين الدوليّة. التحوّل هذا سبق أن مهّد له استقلال الهند عن بريطانيا في 1947 ثمّ توّجَه استقلال الجزائر عن فرنسا في 1962. حينذاك كان الاتّحاد السوفياتيّ ما بعد ستالين يتمدّد بما يتجاوز الكتلة الشرقيّة التي أنجبتها نتائج الحرب العالميّة الثانية. هكذا بات العالم أمام الثنائيّة القطبيّة التي استمرّت حتّى انتهاء الحرب الباردة.
هذه الأسطر ليست لمناقشة فضائل الحرب الباردة ورذائلها أو المفاضلة بينها. يكفي هنا أمران: أنّ الوراثة الأميركيّة السوفياتيّة لأوروبا لم تكن مؤامرة، بقدر ما كانت نتاج تدهور الموقع الأوروبيّ في العالم مصحوباً بصعود القوّتين الوارثتين، تماماً كما سبق أن تأدّى عن انهيار الامبراطوريّة العثمانيّة قيام الانتدابات في المشرق العربيّ. أمّا الأمر الثاني فأنّ الرغبة في كسر أيّة هندسة دوليّة قائمة يصعب ردّها إلى هويّة سياسيّة أو آيديولوجيّة أو جغرافيّة بعينها. إنّه طموح يكاد يكون من طبيعة الأشياء حتّى لو افتقر إلى أدنى شروطه. ذاك أنّ عالم القطبين أثار هو الآخر بعض الحماسات لكسره أو لتوسيعه عبر خلق كتلة ثالثة. هكذا مثلاً رأينا في الخمسينات دول «الحياد الإيجابيّ وعدم الانحياز» (الهند، مصر، يوغوسلافيا، إندونيسيا...) تحاول أن توفّر لبلدان «العالم الثالث» صوتاً موصوفاً بالاستقلاليّة، علماً بأنّها كانت في عمومها أقرب إلى موسكو ممّا إلى واشنطن. أمّا في الستينات، ومع النزاع السوفياتيّ – الصينيّ، فنشأت بدايات المحاولة الصينيّة لتشكيل كتلة حول بكين، وإن ظلّت الأخيرة، في المسائل الأساسيّة، أقرب إلى واشنطن ممّا إلى موسكو. ومثلما شقّت الصين الوحدة الشيوعيّة، شقّت فرنسا الوحدة الأطلسيّة، فلم يُخفِ شارل ديغول ومدرسته في «سياسات العظمة» تصوّره للأوروبيّة بوصفها كتلة ثالثة، تقف فرنسا على رأسها، بين الولايات المتّحدة والاتّحاد السوفياتيّ، رافضاً أن تكون حماية الأمن القوميّ الفرنسيّ في عهدة الناتو. ومع الثورة الإيرانيّة في 1979، حُمّل شعار «لا شرقيّة ولا غربيّة» طموحات استقلاليّة عن الكتل «الشيطانيّة».

 

وقبل عقود على الدور الصينيّ الراهن، لم يخلُ الأمر من مراهنات على الاقتصاد طريقاً إلى توليد كتلة ثالثة. هكذا رعت جزائر هواري بومدين في السبعينات مشروع «دول الجنوب» في مقابل «دول الشمال» الصناعيّة، وفي مطالع هذا القرن كان مشروع الاقتصادات الناشئة الذي عُرف بـ «دول البريكس»، والذي ضمّ روسيا والصين والهند والبرازيل، قبل أن تنضمّ إليه كوريا الجنوبيّة.
بمراجعة هذا التاريخ وصولاً إلى يومنا الراهن نلاحظ التالي: إنّ النيّة في إنشاء كتلة جديدة تكسر الأحاديّة أو الثنائيّة لا تكفي. ما يكفي اندماج عناصر ثلاثة معاً في دولة بعينها: القوّة الاقتصاديّة والقوّة السياسيّة – العسكريّة والنموذج الجذّاب الذي تقول التجارب وخيارات الشعوب إنّه النموذج الديمقراطيّ.
الصين تتّجه نحو أن تغدو قطباً عالميّاً، لكنّها لم تصِر كذلك بعد، تبعاً لضعف نموذجها، وجزئيّاً بسبب ضعفها السياسيّ والعسكريّ. روسيّا فقدت قيادتها كقطب مع زوال الاتّحاد السوفياتيّ وربّما كانت تتوهّم الآن استعادة هذه المحاولة. لكنْ إذا كان الاقتصاد وحده ما تنهض عليه المحاولة الصينيّة فإنّ الضعف الاقتصاديّ، ومعه ضعف جاذبيّة النموذج، يحولان دون النجاح الروسي. لجوء روسيا إلى عضلاتها العسكريّة من ثمار ذاك الفشل. فرنسا ما بعد الديغوليّة عادت لتنضوي في الوحدة الغربيّة، ولو بصوت احتجاجيّ لا يفارقها ومساعٍ في التمايز هي في صلب السياسات الخارجيّة لفرنسا. محاولة عدم الانحياز لم تسفر عن شيء: ضعف في كلّ شيء تقريباً، وخصوصاً في النموذج (الهند وحدها من بين الدول التي قادت حركة عدم الانحياز كانت ديمقراطيّة). المحاولات الاقتصاديّة المتداخلة سياسيّاً (واقتصاديّاً) مع البلدان الغربيّة، والضعيفة والمتنافرة في ما بينها، لم تؤسّس حالة تُذكر.
حين نضع الأماني والنيّات جانباً، لا يبقى إلاّ الولايات المتّحدة طرفاً مالكاً لشروط القيادة في العالم. شرعيٌّ جدّاً أن يفضّل واحدنا تعدّديّة قطبيّة أميركيّة، أوروبيّة، يابانيّة، أستراليّة، أو أميركيّة، روسيّة، صينيّة في حال تحوّل روسيا والصين إلى بلدين ديمقراطيّين. هذا ليس مطروحاً.
المشكلة الصغرى، انطلاقاً ممّا نعيشه اليوم، أن العالم يعيش زمن القطب الواحد. المشكلة الكبرى، أنّ هذا القطب الواحد، أي أميركا، متخلٍّ عن الكثير من مسؤوليّاته كقطب واحد مفترض.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في ما خصّ تعدّد الأقطاب والقطب الواحد في ما خصّ تعدّد الأقطاب والقطب الواحد



هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 12:56 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
 العرب اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 13:10 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
 العرب اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 13:17 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
 العرب اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 16:54 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الجيش السوداني يسيطر على مدينة الدندر بعد معارك عنيفة

GMT 06:30 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تطوير مادة موجودة في لعاب السحالي للكشف عن أورام البنكرياس

GMT 05:34 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

متى نستسلم؟

GMT 17:33 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة الفنان التركي تكين تيمال عن عمر ناهز الـ56 عاماً

GMT 16:51 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 3 وإصابة 5 في هجوم إرهابي في تركيا

GMT 18:35 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 4 جنود وإصابة 15 آخرين في انفجار لغم أرضي جنوبي لبنان

GMT 17:03 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

استهداف سفينة قرب باب المندب في السواحل الغربية لليمن

GMT 02:59 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة أقوى رجل في العالم فاز باللقب مرتين

GMT 16:58 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

وصول طائرة مساعدات مصرية إلى مطار رفيق الحريري في بيروت

GMT 05:36 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الدولار الأميركي يواجه تحديات عقب توسع مجموعة "بريكس"

GMT 06:59 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 12:56 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 13:23 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الخطوط الجوية التركية تلغى جميع رحلاتها من وإلى إيران
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab