النازيّة بمناسبة الخمينيّة

النازيّة... بمناسبة الخمينيّة!

النازيّة... بمناسبة الخمينيّة!

 العرب اليوم -

النازيّة بمناسبة الخمينيّة

بقلم - حازم صاغية

حين نرصد التعاطف الذي يبديه المتعاطفون العرب مع النظام الإيرانيّ، نقع على أسباب كثيرة. بالدرجة الأولى، وهو ما يغطّي الرقعة الأوسع من التعاطف، يقف الاعتبار الطائفيّ. هناك أيضاً هامش ضيّق من مؤيّدي إيران يحرّكه العداء لأميركا، وأغلب هؤلاء من ورثة الإحباط الناجم عن تجارب سابقة بحروبها وهزائمها. لهذا؛ نجد في هذا الخليط ناصريّين وشيوعيّين، وكذلك ناصريّون وشيوعيّون سابقون لم يفقدوا الأمل بأنّ إيران الخمينيّة ستقوم بما فشل فيه عبد الناصر والمقاومة الفلسطينيّة ومن ورائهما الاتّحاد السوفياتيّ. وغير بعيد من هذه الفئة تقف جماعة أخرى تشعر بالامتنان لطهران، كما بالامتنان لموسكو، على دعمهما بشّار الأسد وإسناده. وبالطبع، وكما في كلّ ولاء سياسيّ، هناك فئة المنتفعين والمستفيدين...
لكنْ أيضاً ثمّة عاملاً نادراً ما يشار إليه، وهو قد لا يكون سبباً، إلاّ أنّه قادر على تعزيز أسباب التعاطف الأخرى أو تعبيد طريقها: إنّه محدوديّة المعرفة بالنازيّة وضعف الحساسيّة تجاهها.
بالطبع هذا لا يعني أنّ النظام الإيرانيّ نازيّ، لكنْ تكفي مشاهدة فيلم سينمائيّ واحد عن النازيّة كي نفرك أعيننا ونتساءل: أين نجد في زمننا الحاليّ المشهديّة الأقرب إلى تلك المشهديّة: حشود تصطفّ بكثير من النظام والتناسق، وتهتف بصوت واحد، وتحيّي زعيماً أوحد، وتعلن الاستعداد للموت، وفيها يتجنّد الأطفال كما كبار السنّ مُستَولين على الفضاء العامّ؟
هذه المشهديّة التي يستعيدها النظام الإيرانيّ سبق أن طمح إلى مثلها عقائديّون عرب لم يحالفهم الحظّ في الثلاثينات والأربعينات:
لنقرأ هذه الفقرة من محاضرة ألقاها زعيم الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ أنطون سعادة:
«سيأتي يوم، وهو قريب، يشهد فيه العالم منظراً جديداً وحادثاً خطيراً ـ رجالاً متمنطقين بمناطق سوداء، على لباس رصاصيّ، تلمع فوق رؤوسهم حِراب مسنونة، يمشون وراء رايات الزوبعة الحمراء، يحملها جبابرة من الجيش فتزحف غابات الأسنّة صفوفاً بديعة النظام. فتكون إرادة للأمة السوريّة لا تُردّ، لأنّ هذا هو القضاء والقدر».
هذا في لبنان. في العراق أيضاً، دعا سامي شوكت، مدير المعارف العامّ، إلى «صناعة الموت» يمتهنها شبّان آمنوا «بالحديد والنار» اللذين رفعتهما حركة القوميّين العرب إلى مبدأ سامٍ ومسجّع: «دم حديد نارْ/ وحدة تحرّر ثارْ».
بطبيعة الحال، ما لم ينجح فيه أنطون سعادة وسامي شوكت وحركة القوميّين العرب وآخرون أنجزه آية الله الخمينيّ وبعض تلامذته. لقد جاء التحبيب بالموت ورسم مشهديّته الباهرة، ممّا احترفته تلك الحركات، انقلاباً على تقاليد فكريّة عديدة: إنّه انقلابٌ، مثلاً، على تقليد التشاؤم الفلسفيّ بسبب الموت، الذي ارتبط خصوصاً بشوبنهاور، وانقلاب على تقليد عبث الحياة، أيضاً بسبب الموت، ممّا رمز إليه ألبير كامو، وإنْ لم يستسلم لهذا العبث داعياً إلى ملء الحياة، ما دام لا بدّ منها، بالمعنى الصالح. وهو طبعاً انقلاب على مبدأ «الوَلاديّة» (natalism) الذي اجترحته هنه أرنت، حيث الحياة بدايات يجسّدها المواليد واستمراريّتهم، وليست نهايات. هنا، مع النازيّة والخمينيّة، هناك تفاؤل بالموت يدفع إلى الحضّ على طلبه والتباهي به.
لكنّ الشبه أبعد من مسألة الموت ومشهديّتها الملحميّة المتورّمة عاطفيّاً.
فنحن أيضاً، وفي الحقل السياسيّ، أمام ازدواجيّة السلطة (الحزب – الدولة) التي اعتمدتها النازيّة والشيوعيّة، ومن بعدهما الخمينيّة قبل أن تصدّرها إلى لبنان (حزب الله) والعراق (الحشد الشعبيّ) واليمن (أنصار الله).
وهناك أيضاً النزعة التوسّعيّة التي لا تعترف عمليّاً بالدول – الأمم وحدودها وسياداتها، وبالتأكيد لا تعترف بإرادات شعوبها.
لكنّ أهمّ عناصر الشبه بين النازيّة والخمينيّة يبقى ذاك الجمع بين آيديولوجيا شديدة القِدَم والبدائيّة وتنظيم شديد الحداثة (الحزب، الجيش، الأجهزة، وطبعاً واحديّة الزعامة المتعالية).
وهذا، في مجموعه، يجعل النظام الإيرانيّ أخطر من أيّ نظام سياسيّ أو فكرة سياسيّة قد يواجههما واحدنا بالتحفّظات، بل العداء. بيد أنّ ما يدفع إلى غضّ النظر عن هذه الخطورة لا يقتصر على نقص الحساسيّة حيال النازيّة، أو نقص المعرفة بها. هناك أيضاً التسامح في النظر إلى التاريخ الإيرانيّ الحديث: فحتّى بعض خصوم النظام الإيرانيّ لا يزالون يجدون من الصعب أن يقرّوا بأنّ ثورة 1979 كانت لعنة كبرى ونقلة جبّارة إلى الوراء، وأنّ نظام الشاه، وهو بالتأكيد استبداديّ وبالغ السوء، أفضل مئات المرّات، وأقلّ خطراً آلاف المرّات، من النظام الذي حلّ محلّه. يصحّ هذا في الحرّيّات كما في الاقتصاد ووضع المرأة كما في درجة العدوانيّة حيال الخارج.
إنّ أسباب عدم الإقرار بذلك كثيرة، إلاّ أنّها، في عمومها، تنمّ عن مدى تردّدنا في القطع مع تلك المبادئ الرثّة التي يقيم أحد مصادرها النازيّة، أي في أكثر الأفكار المتوحّشة التي عرفها تاريخ الإنسانيّة.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النازيّة بمناسبة الخمينيّة النازيّة بمناسبة الخمينيّة



هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 12:56 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
 العرب اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 13:10 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
 العرب اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 13:17 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
 العرب اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 07:45 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

آثار التدخين تظل في عظام الشخص حتى بعد موته بـ 100 سنة

GMT 04:43 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الشاهنشاهية بعد 45 عامًا!

GMT 06:30 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تطوير مادة موجودة في لعاب السحالي للكشف عن أورام البنكرياس

GMT 05:07 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ليبيا أضحت اثنتين

GMT 05:13 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مرّة أخرى... الحنين للملكية في ليبيا وغيرها

GMT 17:11 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز صيحات العبايات المصممة على طراز المعطف لشتاء 2024

GMT 21:15 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب تونس يعلن إنهاء تعاقده مع فوزي البنزرتي بالتراضي

GMT 21:20 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

كروس يرفض إقامة مباراة وداع خاصة له بعد اعتزال كرة القدم

GMT 19:21 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عملة "بيتكوين" تترجع بنسبة 2.13% مع ترقب نتائج أعمال الشركات

GMT 16:47 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الوجهات السياحية التي تعدّ الأكثر أمانًا في العالم

GMT 21:05 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

نيوكاسل الإنكليزي يعلن تجديد عقد أنتوني جوردون

GMT 16:21 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار في الديكور والتدبير المنزلي لجعل المنزل أكثر راحة

GMT 21:10 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الترجي التونسي يطيح بمدربه البرتغالي كاردوزو

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

ألمانيا تسجل أول إصابة بسلالة متحورة جديدة لجدري القرود

GMT 18:57 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله يعلن استهداف قاعدة إسرائيلية و7 دبابات عند الحدود
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab