أبعد من مطران ومن نقل مال ودواء

أبعد من مطران ومن نقل مال ودواء...

أبعد من مطران ومن نقل مال ودواء...

 العرب اليوم -

أبعد من مطران ومن نقل مال ودواء

بقلم - حازم صاغية

اختراع ما بات يُعرف بقضيّة المطران المارونيّ موسى الحاج، على معبر الناقورة في جنوب لبنان، تلخيص لقضيّة لبنان كلّها: كيف يُراد له أن يفكّر؟ كيف يُراد له أن يُحكم؟ كيف لا يُراد له أن يكون؟
أشياء كثيرة كان يمكن أن تحصل، على هامش هذه الحادثة، إلاّ الشيء الذي حصل. كان يمكن تفاديها أساساً. كان يمكن أن تشكّل تذكيراً بأحوالنا: متعاملون فارّون إلى «كيان الاحتلال» يرسلون المال والدواء إلى أهلهم في «بلد المقاومة». كان يمكن الانتباه إلى رمزيّة لافتة وسط هذا الاستقطاب الطائفيّ الصارخ: أن ينقل رجل دين أموالاً وأدوية إلى لبنانيّين ليسوا من طائفته، فضلاً على نقله المال والدواء إلى الذين من طائفته...
ما حصل هو، مرّة أخرى، تحويل الحادثة إلى مناسبة للتوتير والتهييج والتشهير: عملاء وخونة وجواسيس يملأون الفضاء. التطبيع الغاشم يطرق بابنا!
بالمناسبة، إذا كانت إحدى حجج رفض التطبيع عدم إفادة إسرائيل واقتصادها، ففي هذه المرّة خرجت الأموال والأدوية من إسرائيل في اتّجاهنا! نعم، نحن لا نريد أن نفيدها ولا نريد أن نستفيد منها.
بلغة أخرى، يبدو تحويل الحادثة إلى قضيّة مغلقة، رموزها متآمرون، من قبيل العود على بدء. فهذه المقاربة، وكما نعلم جيّداً، هي دأب كلّ الأطراف التي لا ترى الاجتماع الوطنيّ، أو الإنسانيّ، إلاّ مجالاً للتعبئة والعداوة ووضع الكلّ على شفير الحرب.
والعنوان هذه المرّة، وهو ما لاحظه عدد من المراقبين اللبنانيّين، هو «توجيه رسالة إلى البطريرك المارونيّ» الذي باتت سياسته تخالف على نحو صريح سياسة القيّمين على شؤون البلد. وهذا علماً بأنّ ظروفاً سابقة سمحت بمعاملة عامر فاخوري، أحد سجّاني معتقل الخيام، معاملة مختلفة. لقد نُقل فاخوري بكلّ احترام من زنزانته إلى طائرة أميركيّة أقلّته إلى قبرص.
اليوم، فُتحت الملفّات حول العمالة والتعاون اللذين يطالان حصراً جماعة بعينها هي التي يحتلّ قيادتَها الروحيّة البطريرك إيّاه.
هذه القدرة على العودة مرّة بعد مرّة إلى السلوك نفسه تنمّ عن واحد من اثنين:
- إمّا اقتناع الطرف الذي يوتّر ويشهّر بما يقوله من أنّ الذين يخالفون رغبته ليسوا سوى حفنة من العملاء والجواسيس...
- وإمّا إدراكه أنّ مخالفي رغبته هم جماعات أهليّة أساسيّة وعريضة لا ترى رأيه، وأنّ هذه الجماعات لا بدّ أن تُحكم بالحذاء.
أغلب الظنّ أنّ الفرضيّة الثانية هي المرجّحة، لأنّ ما من أحد اليوم، أكان مع مقاومة «حزب الله» أم ضدّها، يساوره الوهم بوجود إجماع حولها وحول رؤيتها.
إذاً، نحن أمام جماعة تريد أن تفرض رأيها وسطوتها ونظرتها إلى الأمور على جماعة أخرى. هذا هو أصل المسألة وفصلها.
لقد ظلّ اختلاف الكتل اللبنانيّة دائماً أكبر من التعبير الصريح عنه لأنّ خليطاً من الخجل والمراعاة والانضواء تحت إجماعات مزعومة منع الجهر بالاختلاف كما هو.
والاختلاف هذا ليس آيديولوجيّاً، كأن يكون بين يمين ويسار مثلاً. إنّه بين كتل سكّانيّة صلبة غير قابلة للتغيّر أو الانحلال في مدى طويل منظور. وللكتل هذه قراءاتها للتاريخ ومعها تجاربها وثقافاتها الفرعيّة التي تحدّد لكلّ منها فهمها للوطن والوطنيّة والعدوّ والعداوة ومدى الاستعداد للذهاب في هذا الصراع أو ذاك. والحال أنّ لبنانيّين كثيرين جدّاً هم، في وقت واحد، لا يحبّون إسرائيل ولا يريدون أن تربطهم بها حالة حربيّة. إنّ أولويّتهم ترتبط بمصلحة بلدانهم القائمة كما يرونها هم. أمّا خيار هؤلاء فينبثق من قراءة خاصّة بهم لتاريخهم، وهو ما نجد معادلاً له في بلدان كثيرة يشبه تشكّلها تشكّل الوطن اللبنانيّ: في سوريّا مثلاً، تحيل كلمة «العدوّ» عند السوريّ الكرديّ إلى تركيّا أكثر ممّا إلى إسرائيل. وفي العراق، تحيل الكلمة نفسها عند العراقيّ السنّيّ إلى إيران أكثر ممّا إلى أيّ بلد آخر.
هذه خلافات لا يحلّها النقاش لأنّ عدد الحقائق يعادل عدد الجماعات التي تحملها، وإذا كان من حلّ لها فهو ما تأتي به التجربة الحياتيّة. لكنْ في هذه الغضون، وإذا ما أريد لتجارب الوحدة الوطنيّة أن تنجح، وللمواطنين أن يعيشوا معاً في بلد واحد، كان المطلوب التوصّل إلى تسوية تجمع بين سائر القراءات التاريخيّة والشعوريّة لأبناء البلد المعنيّ، والتوصّل تالياً إلى مدّ هذه التسوية بين الجماعات إلى القوانين والأعراف.
إنّ لبنان ما قبل 1975 شهد المحاولة الوحيدة لصياغة هذه التسوية التي جمعت بين مقاطعة إسرائيل والهدنة العسكريّة معها، وهي كانت الأرقى قياساً بالصيغ الأخرى التي عملت على كسر التسوية وفرض الرؤية الواحدة على الآخرين.
اليوم، على أيّ حال، بات هذا كلّه فائتاً وقديماً، انتظاره يشبه انتظار الثلج في أواسط الصيف. ما يوجد هو حصراً رأي جماعة بعينها، رأيٌ يراد له أن يكون الرأي الأوحد إمّا بابتزاز القوّة أو بقوّة الابتزاز.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبعد من مطران ومن نقل مال ودواء أبعد من مطران ومن نقل مال ودواء



هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 12:56 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
 العرب اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 13:10 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
 العرب اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 13:17 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
 العرب اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 07:45 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

آثار التدخين تظل في عظام الشخص حتى بعد موته بـ 100 سنة

GMT 04:43 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الشاهنشاهية بعد 45 عامًا!

GMT 06:30 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تطوير مادة موجودة في لعاب السحالي للكشف عن أورام البنكرياس

GMT 05:07 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ليبيا أضحت اثنتين

GMT 05:13 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مرّة أخرى... الحنين للملكية في ليبيا وغيرها

GMT 17:11 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز صيحات العبايات المصممة على طراز المعطف لشتاء 2024

GMT 21:15 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب تونس يعلن إنهاء تعاقده مع فوزي البنزرتي بالتراضي

GMT 21:20 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

كروس يرفض إقامة مباراة وداع خاصة له بعد اعتزال كرة القدم

GMT 19:21 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عملة "بيتكوين" تترجع بنسبة 2.13% مع ترقب نتائج أعمال الشركات

GMT 16:47 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الوجهات السياحية التي تعدّ الأكثر أمانًا في العالم

GMT 21:05 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

نيوكاسل الإنكليزي يعلن تجديد عقد أنتوني جوردون

GMT 16:21 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار في الديكور والتدبير المنزلي لجعل المنزل أكثر راحة

GMT 21:10 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الترجي التونسي يطيح بمدربه البرتغالي كاردوزو

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

ألمانيا تسجل أول إصابة بسلالة متحورة جديدة لجدري القرود

GMT 18:57 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله يعلن استهداف قاعدة إسرائيلية و7 دبابات عند الحدود
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab