الأزمة التي تواجهها فكرة المقاطعة الاقتصاديّة اليوم

الأزمة التي تواجهها فكرة المقاطعة الاقتصاديّة اليوم

الأزمة التي تواجهها فكرة المقاطعة الاقتصاديّة اليوم

 العرب اليوم -

الأزمة التي تواجهها فكرة المقاطعة الاقتصاديّة اليوم

بقلم - حازم صاغية

بسبب «كورونا»، استقطب التداخل بين اقتصادات العالم اهتماماً غير مسبوق. الملاحظة التي تتكرّر اليوم كأنّها بديهة تتناول تراجع معدّلات النموّ في الصين وآثاره على أسعار النفط انخفاضاً، وأسعار الذهب ارتفاعاً. هذا بدوره سينعكس على بلدان وقطاعات اقتصاديّة عدّة، وعلى ملايين كثيرة تضاف إلى مئات ملايين الصينيين. فالديون المتراكمة ضربت شركاتهم التي يزداد عجزها عن دفع أجور عمّالها وثمن ما تستورده من موادّ. ملايين المعامل الصغرى والمتوسّطة باتت مهدّدة بالإفلاس...

«كريستيان ساينس مونيتور» عدّدت بعض أوجه التداخل بين اقتصاد الصين واقتصادات أخرى: في كمبوديا، تعتمد معامل النسيج على الصين فيما يزيد على نصف موادّها الأوَّليَّة. لهذا قد يُجبر بعض تلك المعامل على الإغلاق. في أستراليا، جزء كبير من الصادرات، من الغاز الطبيعي إلى اللحم والموادّ السمكيَّة، يذهب إلى الصين، ما يعني أنَّ أي تباطؤ يصيب الاقتصاد الصيني سينعكس بقوّة على الطلب من أستراليا. صانعو السيّارات في العالم يتخوّفون من الارتدادات السلبيّة: «نيسان» في اليابان و«هيونداي» في كوريا الجنوبيّة اضطرّتا إلى خفض الإنتاج بسبب نقص القِطَع التي تورّدها إليهما الصين. في أوروبا، أغلقت «فيات كرايزلر»، ولو مؤقّتاً كما قالت، أحد معاملها في صربيا للسبب نفسه. «جاغوار لاندروفر» حذّرت من أنّها قد تواجه مشكلة في الإمدادات إذا استمرّت الأزمة الصينيّة في الأسابيع المقبلة. وممن تأثّروا أيضاً شركات الكومبيوتر والإلكترونيّات للتقنيّة الرفيعة، بما فيها «آبل» التي يعتمد إنتاجها لـ«الآيفون» على معامل وموادّ صينيّة. ما زاد الأمر سوءاً أنّ مخازنها للبيع بالمفرّق أُغلقت، والمعروف أنّ الصين هي اليوم أكبر سوق في العالم لتليفونات «آبل» الذكيّة. أمّا في بريطانيا، فمعمل «بيربيري» للألبسة الفاخرة يدفع ثمن انهيار فروعه الصينيّة في الأسابيع القليلة الماضية، ويُقدّر حصول مزيد من الانهيار في حال انكماش الزوّار الصينيين في الخارج.

الصورة الأكبر، كما تستخلص «كريستيان ساينس مونيتور»، أنّ النموّ الاقتصادي العالمي سيتأثّر بالتأكيد، بعدما بدأ يتنفّس الصعداء إثر انخفاض حدّة الحرب التجاريّة بين أميركا والصين.

تداخل العالم اقتصادياً، مقابل مزيد من تنافره الثقافي والسياسيّ، وجد انطلاقته الكبرى مع العولمة أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات. انهيار المعسكر السوفياتي في نهايات ذاك العقد أعطى دفعة كبرى للوجهة هذه: بدل دعوات القطيعة مع النظام الرأسمالي العالمي صار المطلوب الاندماج فيه. نظريّات تقليص العلاقة بالخارج والاتّكال على الذات والاستغناء عن الاستيراد بالتصنيع المحلّي انهارت. في «العالم الثالث» كانت أفكار العزلة والتخلّص من «التبعيّة»، تنهار أيضاً. أزمة المديونيّة في أميركا اللاتينيّة، حيث ازدهرت خصوصاً تلك الأفكار، لعبت دوراً في ذلك، وفشلُ التجارب المشابهة التي يُفترض أن يقوم التعاون والتبادل معها لعب دوراً مكمّلاً.

بلدان آسيا الشرقيّة، في المقابل، كانت تطوّر الوجهة الأخرى التي كُتب لها الفوز: إنّها «التصنيع عبر التصدير». وتيمّناً بالسابقة اليابانيّة، ارتفع شعار: المطلوب ليس القطيعة بل الاندماج. «السوق القوميّة» غدت أسطورة، والمهمّ فتح الحدود و«غزو» البلدان المتقدّمة بسلع تشابه سلعَها إنّما أرخص منها بكثير. الآسيويّون الشرقيّون تجاوزوا اليابانيين في أنّهم لم يفرضوا أي حماية من أي نوع. الاعتماد على رخص اليد العاملة في بلدانهم كان مصدر الحماية الذي عوّلوا عليه.

هكذا تداخلت الأسواق وتداخلت السلع وتركيبها، وبات من ينوي أن يعاقب طرفاً يعاقب أطرافاً أخرى، وقد ينتهي به المطاف إلى معاقبة نفسه.

أفكار المقاطعة الاقتصاديّة تفقد، والحال هذه، معظم جدواها. مَثَل جنوب أفريقيا الذي يُضرب برهاناً على نجاح المقاطعة يختلف: الدعوة الشعبيّة إلى مقاطعة النظام العنصري السابق كانت قد بدأت، في بريطانيا، قبل أكثر من نصف قرن. لكنّها لم تتحوّل إلى واقع فعلي إلا أواسط الثمانينات. السبب تولّي ميخائيل غورباتشوف، مطالع 1985. الأمانة العامّة للحزب الشيوعي السوفياتيّ. بعد أشهر باشر بسحب قوّاته من أفغانستان. الاسترخاء سريعاً ما ظهر على جبهات الحرب الباردة. الحكومات الغربيّة التي كانت حريصة على قوّة جنوب أفريقيا، كحليف في مواجهة موسكو المتمدّدة أفريقيّاً، صارت أكثر اهتماماً بعنصريّة جنوب أفريقيا ومحو تلك اللطخة. الاستجابة السريعة للمُستجدّ الكبير أبدتها دول المجموعة الأوروبيّة ودول الكومنولث التي فرضت عام 1985 بعض العقوبات. الكونغرس الأميركي أصدر في 1986 المرسوم المناهض للتمييز العنصريّ، فارضاً عقوبات أوسع لا تُرفع إلا إذا استجابت جنوب أفريقيا لخمسة شروط كفيلة بتفكيك نظامها. رونالد ريغان حاول أن يتصدّى للكونغرس وفشل. في العام نفسه، جاءت الضربة القاضية من مجلس الأمن الذي منع الاستثمار في جنوب أفريقيا. القرار عُدّ ضغطاً على النظام العنصري كي يتفاوض على تفكيك نفسه.

بمعنى آخر، كان اتفاق العالم كلّه بلا استثناء، وخصوصاً البلدان الغربيّة، شرطاً لفاعلية المقاطعة. ثمّ إنّ هذا ما حصل قبل 35 سنة حين كان التداخل الاقتصادي أضعف كثيراً مما هو اليوم. الآن، يمكن للمقاطعة أن توجع قليلاً، لكنّ نجاحها مرهون بوجود نظام ككوريا الشماليّة لا يعبأ أصلاً بالعالم.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأزمة التي تواجهها فكرة المقاطعة الاقتصاديّة اليوم الأزمة التي تواجهها فكرة المقاطعة الاقتصاديّة اليوم



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 العرب اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة

GMT 08:39 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل السراويل الرائجة هذا الموسم مع الحجاب

GMT 16:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab