ما الذي حدث في بيروت قبل يومين

ما الذي حدث في بيروت قبل يومين؟

ما الذي حدث في بيروت قبل يومين؟

 العرب اليوم -

ما الذي حدث في بيروت قبل يومين

بقلم : حازم صاغية

ليس في وسع «بيروت مدينتي»، كما لم يكن في وسع «الحراك» قبلها، إسقاط النظام الطائفيّ، ولا حتّى إضعافه في أساسيّات اشتغاله. هذه بديهة لا تحتاج إلى أدلّة وبراهين. فالنظام الطائفيّ متن الحياة اللبنانيّة، وسواه هوامش. لكنّ هذا لا يلغي، أقلّه على صعيد الرمز، قدرة الهوامش على استفزاز المتن، بل على ما هو أكثر من الاستفزاز، على التلويح بمستقبل شرط أن يكون هناك مستقبل.

والاصطفاف الذي حملته معركة الانتخابات البلديّة في بيروت قبل يومين كان دالاًّ بما فيه الكفاية: أحزاب الطوائف كلّها في كفّة، والأفراد الخارجون عن طوائفهم، ولو تفاوتت طرق الخروج وأساليبه، في كفّة أخرى.

في الكفّة الأولى تطغى عناوين الأصل والهويّة الضيّقة والولاء للزعيم والدفاع عن الأهل ضدّ الأغراب، ويحصل اختلاط عجيب يجمع بين تحالف القوى الرسميّة (بما يضرب المسمار الأخير في نعش الثنائيّة الآذاريّة) وعودة كلّ منها إلى أكثر «الجذور» توهّماً.

أمّا البند المتقدّم الوحيد، أي المناصفة الطائفيّة، فيقع تعريفاً داخل النظام القديم - الراهن ومسائله، من دون أن يخطر لأصحابه بتاتاً إمكان تجاوزه الذي يُدرَج في خانة المستحيل.

أمّا في الكفّة الثانية، مع «بيروت مدينتي»، فتطغى عناوين الخيار والكفاءة والانفتاح والمساواة الجنسيّة والفعاليّة والنزاهة، أو على الأقلّ، محاولة الارتقاء إلى هذه السويّة. إنّ «الآفاق» هنا تطمح إلى مقارعة «الجذور» هناك.

ولم يكن بلا معنى أنّ ما حدث في لندن قبل يومين على الانتخابات البيروتيّة تسلّل إلى أطراف «السجال» اللبنانيّ: ففيما كانت لائحة «البيارتة» توشك على إحداث فرز دمويّ بين «الأصيل» و»الوافد»، صوّت 57 في المئة من مقترعي العاصمة البريطانيّة لمصلحة مرشّح مسلم هو ابن لسائق حافلة عامّة. حدث هذا إبّان تصاعد الإسلاموفوبيا وتصاعد الإرهاب على نحو غير مسبوق في أوروبا، فكان شهادة على حسّ مدنيّ ومدينيّ رفيع.

وإذ نبّهت «بيروت مدينتي» إلى هموم جامعة يُفترض بها أن توحّد اللبنانيّين، قفزاً فوق انتماءاتهم وأصولهم الطائفيّة، نبّهت لائحة «البيارتة» إلى ما يفرّق على نحو مراتبيّ صارم: إن لم يكن في الطوائف ففي المناطق، وإن لم يكن في المناطق ففي الطبقات، وإن لم يكن في الطبقات ففي الجندر. بهذا حملت الأولى تحدّي الوصل، الذي لا يزال يتطلّب بطبيعة الحال الكثير من البلورة، فيما حملت الثانية خيار الفصل الذي يبثّ التعارض والمراتب في الزوايا النائية الأقلّ استشعاراً بها.

لكنّ «بيروت مدينتي»، فوق هذا، نمّت، ولو نظريّاً، عن احتمال رأب التناقضات الزائفة التي تعاقبت على تعنيف البيروتيّين وصرفهم عن شؤون حياتهم، لأنّها رُسمت تناقضات رئيسة عادمة لغيرها. يصحّ هذا في ثنائيّة 8 و14 آذار، كما في ثنائيّة الوطنيّ والعميل التي اتّخذت أشكالاً شتّى محورها المقاومات وإسرائيل وسوى ذلك.

وبعد «الحراك»، وبدرجة أعلى من التركيز، قالت «بيروت مدينتي» إنّ اللبنانيّين لا ينقسمون إلى زعماء ورعيّة تابعة، وإنّ هناك بينهم، وهم أفضلهم، من لا يسير وراء زعماء تقلّ كفاءاتهم كثيراً عن كفاءات المواطنين العاديّين، بل هناك من لا يشرّفهم التعرّف إلى الزعيم والجلوس في حضرته والاستماع إلى نكاته البائخة وأخذ الصورة التذكاريّة معه.

وهذه مسائل يتلاحق التعبير عنها بوتائر متسارعة مع انكسار قبضة الثنائيّ الآذاريّ على الحياة العامّة. بيد أنّ الانسداد الكبير لا يزال يلاحق هذا التعبير وأصحابه. فمن جهة، جاء ائتلاف القوى الطائفيّة المتنازعة في «البيارتة» ليقول إنّها تتّفق على اعتبار الشؤون البلديّة، أي تسيير أمر المواطن ومدينته، أدنى من السياسة التي تتربّع تلك القوى واثقةً على عرشها. ومن جهة أخرى، جاء الإقبال المتدنّي على الاقتراع يسجّل التصديق الشعبيّ العريض لتلك الصورة كما رسمتها القوى الطائفية، ومن ثمّ انتشار اليأس من التغيير مصحوباً بقرف من هذه السياسة.

وفي الغضون هذه، ومن «الحراك» إلى «بيروت مدينتي»، تبقى المحاولات النبيلة لأفراد شجعان ليسوا مولعين بالخسارة، إلاّ أنّهم أيضاً غير مولعين بأيّ انتصار.

arabstoday

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان؟

GMT 06:18 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

... عن «الاسم» والكفاءة في مواجهة إسرائيل

GMT 09:00 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

أفغانستان: أكثر من حرب على صوت المرأة

GMT 04:38 2024 الأحد ,18 آب / أغسطس

الحرب على غزّة بين دوري الداخل والخارج

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما الذي حدث في بيروت قبل يومين ما الذي حدث في بيروت قبل يومين



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab