تثقيف السياسة بعد تسييس الثقافة

تثقيف السياسة بعد تسييس الثقافة

تثقيف السياسة بعد تسييس الثقافة

 العرب اليوم -

تثقيف السياسة بعد تسييس الثقافة

حازم صاغية

كان أحد أوجه الاستبداد في العالم العربيّ تسييس الثقافة تحت عناوين «الالتزام» و «المثقّف الثوريّ» وسوى ذلك. ولم يشذّ اليسار الذي كان يخالف أنظمة الاستبداد في التفاصيل، عن هذه التعريفات، إن لم نقل إنّه كان مصدرها الأصليّ وجدّها الأعلى. وبدورهم، كان للإسلاميّين، يوم كانوا البيئة الأعرض في مناهضة الاستبداد، سهمهم الكبير في تحديد الوظائف هذا. هكذا، وبقواميس مختلفة، التقى طرفا الساحة السياسيّة والفكريّة على إحكام الربط بين الثقافة وقضيّة ما، قضيّةٍ قد يكون الناطق باسمها ضابطاً أو شيخاً. ونقد تسييس الثقافة لم يعد جديداً بوصفه تعبيراً عن تعطيل المجتمع واختزاله، كما بوصفه شكلاً من أشكال الاستبداد، فضلاً عن كونه قيداً على العقل عموماً. لكنْ في مجتمعاتنا، حيث مسألة الدول – الأمم غير مبتوتة، ولو في الحدّ الأدنى، كان لذاك التسييس ولقضاياه المصاحبة أن حلّت محلّ التفكير في تشكيل الدول – الأمم وفي تمتين نسيجها الوطنيّ، أو ربّما إعادة التفاوض في شأنه. هكذا قضي على المهمّة الثقافيّة الأولى والأشدّ إلحاحاً، وصارت شتيمة «انفصاليّ» المساهمة الأبرز في «فهم» اجتماعنا، فيما لم يُكتب عن مشكلة كالمشكلة الكرديّة، مثلاً لا حصراً، إلاّ جزء تافه قياساً بالحبر الذي سال حول «الحداثة والأصالة» و «المعاصرة والتراث». ولم يكن بلا دلالة أنّ أنظمة الاستبداد لم تكن تبخل على رعاية هذه النشاطات والمؤتمرات «التغييريّة». ولربّما جاز الافتراض أنّ المرحلة المقبلة، ما بعد فشل الأنظمة ثمّ فشل الثورات، تضعنا أمام مهمّة تثقيف السياسة. ذاك أنّه حين تفشل الأنظمة ثمّ تفشل الثورات عليها، تكون الحقيقة التي لا بدّ من مواجهتها أنّ البلدان نفسها تعاني مشكلات من سويّة بنيويّة، وأنّها ربّما كانت هي نفسها الفاشلة. وفي حالتنا وظرفنا الراهنين، يتحدّد الثقافيّ بأنّه، أوّلاً، موقف راديكاليّ من الاستبداد. فهو ضدّ ذاك السياسيّ وحامل الهيمنة المضادّة لهيمنته، أي أنّه إعادة تأسيس تقابل ما سبق أن أسّسه ذاك السياسيّ. بيد أنّ الأمر أبعد من الاستبداد لأنّ ما أُسّس قبلاً لم يؤسّسه الاستبداد فحسب، بل يمكن القول إنّ ذاك الاستبداد، بقدر ما كان تأسيسيّاً، كان نتاجاً من نتائج التأسيس السابق عليه. وهنا، وثانياً، لن يكون ممكناً التقدّم إلى أمام في ظلّ التردّد والرخاوة حيال القيم الغربيّة التي هي القيم الكونيّة. ذاك أنّ الموقف منها كان على الدوام الطريق الأقصر لإحكام قبضة السياسيّ على الثقافيّ، مداورَةً عند القوميّين واليساريّين، ومباشرةً عند الإسلاميّين. وهذا، بطبيعة الحال، ما لا يستبعد الخلاف السياسيّ مع بلدان الغرب، لكنّه يستبعد فيضانه إلى الثقافيّ وتعطيله، أي ببساطة تعطيل التفكير بأحوالنا وباجتماعنا. هذه الأولوية للثقافيّ محكومة بهواجس أوّلها ألاّ يطغى سؤال أكثريّة - أقلّيّة على الاجتماع الوطنيّ المفترض، بحيث يطمس سؤال الحقّ في ظلّ دولة واحدة ومجتمع متجانس. فطغيان ذاك السؤال يمكن أن يكون مقبرة الثورات، بعد تشغيله طويلاً أداة من أدوات الطغيان السياسيّ. وكي لا يسود سؤال أكثريّة - أقلّيّة يُفترض بالجهد الثقافيّ أن يملك الشجاعة الكافية لطرح الدول القائمة نفسها على المحكّ بوصفها حاضناً لأولويّة ذاك السؤال ومحرّضاً عليها. فـ «عبء التاريخ المشترك»، بحسب تعبير الكاتب السوريّ عمر قدّور، لا ينبغي أن يبقى عبئاً على المستقبل. والحال أنّه بعد اليوم، لم يعد من الممكن التفكير في السلطة من دون التفكير في الخريطة. هنا تكمن وظيفة الثقافة الأولى: الوظيفة التي تجاهلتها طويلاً، وعن عمد، تلك السياسة المقبورة.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تثقيف السياسة بعد تسييس الثقافة تثقيف السياسة بعد تسييس الثقافة



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab