«داعش» الصمت والإنكار والعاديّة

«داعش»: الصمت والإنكار والعاديّة

«داعش»: الصمت والإنكار والعاديّة

 العرب اليوم -

«داعش» الصمت والإنكار والعاديّة

حازم صاغية

العنف بالغٌ أقصاه اليوم في عموم المنطقة العربيّة. وهو، بذاته، ليس جديداً علينا. فلو اقتصرنا على الأنظمة التي سادت في الخمسين عاماً المنصرمة لوجدناه أعظم سلعة نستورد من تجارب التوتاليتاريّات الغربيّة، وأعظم سلعة نصدّر إلى بلدان مجاورة تحاول الاقتصاد في بذل العنف. لقد كنّا دائماً في عرضه واستعراضه كرماً على درب. لكنّ المشهديّة الصارخة للعنف كما تمارسه حركات كـ «داعش» وأخواتها تعطيه مزيداً من الأبعاد والمعاني: فهنا نحن أمام زواج كامل بين أقصى الهمجيّة النازحة بنا إلى أزمنة خلت، وبين حداثيّة أداتيّة تتجسّد في السلاح والتراتُب والتنظيم والاستخدام الموسّع لوسائل التواصل الاجتماعيّ، فضلاً عن العقيدة. إنّها البربريّة وقد استعانت بأضراس صناعيّة.

ونبذ الآخر وصل أيضاً إلى أقصاه في المنطقة العربيّة. وهذا، بدوره، ليس جديداً: فأكراد العراق سبق أن ضُربوا بالسلاح الكيماويّ، وأقباط مصر سبق أن اعتُبر عددهم سرّاً من أسرار الأمن القوميّ لمصر، ومسيحيّو لبنان سبق أن وُصموا بانعزاليّة ودُُفّعوا غالياً مقابل التهمة هذه. لكنّ ما يحصل اليوم يرقى إلى انتقال من طغيان الإبادة السياسيّة والثقافيّة للجماعات المختلفة إلى طغيان الإبادة الجسديّة لها. فهذا ما تقوله أحوال المسيحيّين والإيزيديّين والشبك وسواهم في العراق، وهذا ما تخافه أقلّيّات أخرى تتوزّع ما بين مصر والعراق. لقد باتت تطالعنا محاولات صريحة لـ»إبادة النسل»، لا من خلال القتل والذبح فحسب، بل أيضاً عبر التزويج القسريّ والبيع عبيداً وعبداتٍ في الأسواق.

لكنْ أمام بلوغ العنف ونبذ الآخر هاتين الذروتين الشاهقتين والصارختين، يمارس النافذون والمتنفّذون عندنا صمتاً مريباً، صمتاً يحمل على اتّهامهم بالمشاركة في هذين العنف والاستئصال للآخر.

فالسياسيّون العرب والمسلمون لم يقولوا ما يُنتظَر منهم أن يقولوه كـ «أهل حلّ وربط». إنّهم يتحدّثون في الموضوع «استراتيجيّاً»، مركّزين على الخرائط والحدود والأمن الإقليميّ وأوضاع سلطاتهم ومواقف دول العالم ومجلس الأمن. أمّا الالتزام السياسيّ والأخلاقيّ والإنسانيّ ببشر هم قادتُهم وممثّلوهم المفترضون فيندر العثور على تعبير عنه. والى جانب السياسيّين رجال دين مسلمون صمتت فتاواهم حيال العنف والاجتثاث وما يستجرّان من قتل وذبح وتهجير، بعدما كانت تلك الفتاوى المستهجنة، التلفزيونيّ منها وغير التلفزيونيّ، خبراً صباحيّاً يصبغ نهاراتنا بخليط من سخرية تُضحك وبله يُبكي. والأسوأ دائماً جماعات «من أبناء شعبنا» تراوحت مواقفها بين السكوت والتفرّج والتواطؤ!

وتُستَنبط اليوم طريقة أخرى للإنكار، أو لاستدراج الجديد «الداعشيّ» إلى إلفة العاديّة والتعوّد. هكذا يُقرن ما تفعله «داعش» وأخواتها بشيء آخر، هو عند البعض العنف الإسرائيليّ حيال الفلسطينيّين، وعند البعض الآخر عنف الأنظمة المستبدّة حيال شعوبها، وعند بعض ثالث عنف منسوب إلى تاريخ لا يستكين عند الحجّاج بن يوسف. وما من شكّ في أنّ عنف «داعش» ليس عديم الصلة بتلك الأشكال الكثيرة من القسوة التي تحكّمت وتتحكّم بعالمنا، إلاّ أنّ توأمته مع سواه وتذويبه فيه وعدم الانتباه إلى خصوصيّته تشي كلّها ببعض أسوأ ما فينا، قادةً سياسيّين ودينيّين ونُخباً وشعوباً.

والفصحى لا تملك، في أغلب الظنّ، الكلمة التي تملكها العاميّة في وصف وضع كهذا. «تفوه» تقول الفصحى. «تفوه» نقول نحن.

arabstoday

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

إيران بدأت تشعر لاول مرة بأن ورقة لبنان بدأت تفلت من يدها

GMT 05:20 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الكتابة في كابوس

GMT 05:18 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان ليس «حزب الله»... وفلسطين ليست «حماس»!

GMT 05:17 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

جرائم حوادث السير في شوارعنا

GMT 05:15 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

نعم... وقت القرارات المؤلمة

GMT 05:14 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

حماية لبنان ليست في «القوّة»... أيّة «قوّة»

GMT 05:13 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مرّة أخرى... الحنين للملكية في ليبيا وغيرها

GMT 05:10 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل السنوار... هل يوقف الدمار؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«داعش» الصمت والإنكار والعاديّة «داعش» الصمت والإنكار والعاديّة



هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 12:56 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
 العرب اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 13:10 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
 العرب اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 13:17 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
 العرب اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 07:45 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

آثار التدخين تظل في عظام الشخص حتى بعد موته بـ 100 سنة

GMT 07:21 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

وقف إطلاق النار... سباق مع الوقت

GMT 23:03 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

حريق كبير في قسم الغاز بمصفاة حمص في سوريا

GMT 01:28 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

مستشفى في شمال غزة تطالب بفتح ممر إنساني عاجل لإدخال الطعام

GMT 09:39 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

"طيران الإمارات" تطلب شراء 5 طائرات شحن من "بوينغ"

GMT 19:37 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

برشلونة يعرض 42 مليون يورو لضم ألكسندر أرنولد

GMT 19:45 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

محمد رجب يعود للسينما بعد غياب 6 سنوات

GMT 05:55 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إيقاف لاعب إيراني 6 أشهر بسبب وشم "شيطاني"

GMT 06:48 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة رجل الدين المقيم في أميركا فتح الله غولن
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab