روسيا فائض النقص هاجماً علينا

روسيا: فائض النقص هاجماً علينا

روسيا: فائض النقص هاجماً علينا

 العرب اليوم -

روسيا فائض النقص هاجماً علينا

حازم صاغية

يتحدّث البعض، من موقع الرفض للسياسات الروسيّة، عن «استعمار روسيّ». ويحضر من البراهين، فضلاً عن المغامرة السوريّة، ما يحصل في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، وما قد يحصل في طاجيكستان من نشر لقوّات روسيّة. وثمّة من يعود بالذاكرة إلى أفغانستان، أو إلى الشيشان، أو إلى ما قبل ذلك في الزمن اللينينيّ-الستالينيّ أو حتّى في الزمن القيصريّ.

لكنّ المشكلة أنّ روسيا ليست استعماراً لأنّها لا تملك شروط الاستعمار بصفته نتيجة فائض في الداخل. وهي إذا امتلكت من شروطه القسوة والفظاعة والنهب، افتقرت إلى القدرات الأخرى، كمدّ سكك الحديد وبناء المدارس وتخريج طواقم حديثة التعليم ونشر لغات حيّة للإنتاج والتقنيّة.

وأن تعجز أمّة عن أن تكون استعماريّة فهذا ليس دائماً فضيلة. ذاك أنّ الافتقار إلى الشرط الاستعماريّ في حالة ألمانيا كان من العوامل المفضية إلى النازيّة. وروسيا ليست نازية بالطبع، إلاّ أنّ احتلالها بلداً تعبير عن فائض نقصٍ متراكم، لا عن فائض إنتاج وقوّة، كما حال الاستعمار. فليس عديم الدلالة مثلاً أنّ جمهوريّات سوفياتيّة سابقة، كأوزبكستان وتركمانستان وأذربيجان، ما إن استقلّت حتّى استبدلت الأبجديّة الكيريليّة بالأبجديّة اللاتينيّة. ولئن لاقى هذا الإجراء اعتراض إسلاميّين دافعوا عن تبنّي الأبجديّة العربيّة–الفارسيّة، فأحدٌ لم يدافع عن التمسّك بالكيريليّة. صحيح أنّ أوكرانيا استثناء لأنّ خُمس الأوكرانيّين روس، لكنّ عدد الروس في أوكرانيا وفي سواها حجّةٌ للتمدّد السكّانيّ أكثر منه حجّة لتقدّم النموذج السوفياتيّ فالروسيّ.

وقد عرفت بلدان عربيّة علاقات وثيقة مع موسكو، كانت مادّتها الأساسيّة السلاح، بسبب ضعف روسيا، وقبلها الاتّحاد السوفياتيّ، في أيّ شيء آخر. أمّا عشرات آلاف العرب ممّن درسوا هناك فلم يُحدثوا أيّ تغيير يتعدّى نيلهم الشهادات وممارستهم المهن، وسط منافسة غير متكافئة بتاتاً مع خرّيجي الجامعات الغربيّة.

لقد تراكم فائض النقص في روسيا الاتّحاديّة، فكان، أوّلاً، سياسيّاً جسّده العجز عن إنشاء نظام ديموقراطيّ يتجاوز الآليّة الانتخابيّة. وهذا لئن افتتحه يلتسن بقصفه البرلمان، فقد توّجه بوتين بصيغته الغريبة التي يتناوب فيها، هو وميدفيديف، على رئاسة الدولة. وكان، ثانياً، نقصاً اقتصاديّاً يجلوه العجز عن اقتحام ثورة المعلومات والبقاء في أسار الموادّ الأوّليّة، والخضوع تالياً لتقلّب أسعارها. كذلك كان نقصها، ثالثاً، روحيّاً، ليس فقط لأنّ كنيستها الأرثوذكسيّة لم تتعرّض عميقاً للإصلاح، بل لأنّ «الرسالة» التي مثّلتها ماركسيّة متخشّبة أخلت مكانها لتلك الكنيسة، لا تنافسها إلاّ ثقافة المافيا وقيمها. وفاقمَ النقصَ الروسيّ، رابعاً، تزايدُ الابتعاد عن أوروبا، خصوصاً بسبب انفصال دول البلطيق الثلاث، إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، واجهتها على الشمال والغرب، ما قوّى الطابع الآسيويّ للبلاد ومكّنه. وبدورها عملت مسألة الهويّة، خامساً، على إحداث إنقاص ثقافيّ متعدّد الأوجه كان للنزاع حول أوكرانيا أن سلّط أضواء باهرة عليه. فانفصال الأخيرة عن الاتّحاد السوفياتيّ أصاب الذاكرة الروسيّة بتصدّع مزدوج لم يبرأ منه الروس: فعبرها تطلّ موسكو على البحر الأسود، فيما كييف عاصمة روسيّا التاريخيّة قبل أن تصيرها موسكو.

وأبعد من ذلك، أنّ الحياة الثقافيّة لا تزال مضبوطة على إيقاع ذاك الصراع القديم بين السلافيّة والتغرّب. والسلافيّة، المؤثّرة في دوائر السلطة، أصوليّة من حيث بحثها عن نقطة في الماضي هي نقطة النور التي يهتدي بها المستقبل. ووفقاً لأحد روّاد هذه النزعة، الروائيّ سولجنتسين، ليس العصر الذهبيّ سوى الحقبة النوفغوروديّة، حين وقفت مدينة نوفغورود، بقيادة ألكسندر نيفسكي، في وجه مغول القرن الثالث عشر. أمّا الانحطاط فابتدأ مع آل رومانوف، مطالع القرن السابع عشر، وكان أسوأهم بطرس الأكبر لتأثّره بالغرب ونموذجه.

فالحياة الثقافيّة عندهم ليست أفضل إلاّ قليلاً منها عندنا. وما ينطبق عليها ينطبق على أوجه الوجود الاجتماعيّ الأخرى المشوبة كلّها بنقص فادح، إلاّ أنّه نقص مسلّح يصرّ على الهجوم علينا، وبطريقة الأرض المحروقة شيشانيّاً، كما يصرّ طبعاً على كونه مقدّساً.

 

arabstoday

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

إيران بدأت تشعر لاول مرة بأن ورقة لبنان بدأت تفلت من يدها

GMT 05:20 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الكتابة في كابوس

GMT 05:18 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان ليس «حزب الله»... وفلسطين ليست «حماس»!

GMT 05:17 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

جرائم حوادث السير في شوارعنا

GMT 05:15 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

نعم... وقت القرارات المؤلمة

GMT 05:14 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

حماية لبنان ليست في «القوّة»... أيّة «قوّة»

GMT 05:13 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مرّة أخرى... الحنين للملكية في ليبيا وغيرها

GMT 05:10 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل السنوار... هل يوقف الدمار؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا فائض النقص هاجماً علينا روسيا فائض النقص هاجماً علينا



هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 12:56 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
 العرب اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 13:10 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
 العرب اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 13:17 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
 العرب اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 07:45 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

آثار التدخين تظل في عظام الشخص حتى بعد موته بـ 100 سنة

GMT 04:43 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الشاهنشاهية بعد 45 عامًا!

GMT 06:30 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تطوير مادة موجودة في لعاب السحالي للكشف عن أورام البنكرياس

GMT 05:07 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ليبيا أضحت اثنتين

GMT 05:13 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مرّة أخرى... الحنين للملكية في ليبيا وغيرها

GMT 17:11 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز صيحات العبايات المصممة على طراز المعطف لشتاء 2024

GMT 21:15 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب تونس يعلن إنهاء تعاقده مع فوزي البنزرتي بالتراضي

GMT 21:20 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

كروس يرفض إقامة مباراة وداع خاصة له بعد اعتزال كرة القدم

GMT 19:21 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عملة "بيتكوين" تترجع بنسبة 2.13% مع ترقب نتائج أعمال الشركات

GMT 16:47 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الوجهات السياحية التي تعدّ الأكثر أمانًا في العالم

GMT 21:05 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

نيوكاسل الإنكليزي يعلن تجديد عقد أنتوني جوردون

GMT 16:21 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار في الديكور والتدبير المنزلي لجعل المنزل أكثر راحة

GMT 21:10 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الترجي التونسي يطيح بمدربه البرتغالي كاردوزو
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab