صفحة العرب إذ تُطوى

صفحة العرب إذ تُطوى

صفحة العرب إذ تُطوى

 العرب اليوم -

صفحة العرب إذ تُطوى

حازم صاغية

لا يندرج وصف أحوالنا اليوم في التشاؤم أو في التيئيس. فالواقع حين يكون رؤيويّاً، ينضح هو نفسه بالبدايات والنهايات، حدوداً تنهار وقيماً تتداعى وبراميل تسقط وأفواجاً من البشر تفرّ برّاً كما تفرّ بحراً، لا يعود يحتاج إلى الكتب، حتّى لو كانت سماويّة، كي يقترض منها صور الرؤيا.

والحال أنّ الثورات العربيّة افتتحت أزمة يطيب للبعض أن يسمّيها «حضاريّة»، على غموض معنى الكلمة واتّساعها. لكنّها بالتأكيد أزمة الأعمدة، المادّيّة كما الفكريّة، التي قامت عليها الحياة العربيّة منذ الخمسينات. ولأنّها كذلك، يُستبعَد أن ينجو أحد من تأثيراتها، السلبيّة بالضرورة، شعباً كان أم جماعاتٍ أم أفراداً.

فالثورات وجّهت صفعتها لنوع من الأنظمة هي تلك الجمهوريّة التي انبثقت من انقلاب عسكريّ، أو ورثت شرعيّته المفروضة من أعلى، وكانت ذات ادّعاء قوميّ ومزاعم تحريريّة. وبعد المياه الكثيرة التي جرت في أنهار العرب، تحاول الأنظمة عبثاً استعادة الأمس، إمّا بقوّة الحرب الأهليّة، على ما يجري بوحشيّة في سوريّة، أو تعويلاً منها على وجوه توصف بالخلاصيّة والإنقاذ، على ما هو حاصل في مصر والعراق، وجزئيّاً تونس. وفي السياق هذا، لا يتوفّر إلاّ الماضي المعتم نسغاً مغذّياً للمستقبل، حيث يعمّ التذكير الفقير بجمال عبدالناصر وعبدالكريم قاسم من رموز الطور الذهبيّ للنظام العسكريّ– الأمنيّ المتداعي.

وقد سبق انهيارَ الحكم العسكريّ انهياران، كما صحبته انهيارات ثلاثة. أمّا العمودان اللذان تداعيا من قبل، وشكّل تداعيهما استباقاً وتمهيداً فكريّين لسقوط الحكم العسكريّ، فكانا فكرتي الوحدة العربيّة وتحرير فلسطين العزيزتين على ألسنة العسكر: فالأولى باشرت ترنّحها المديد مع انفصال سوريّة في 1961 عن «الجمهوريّة العربيّة المتّحدة»، والثانية بدورها باشرت التهاوي مع هزيمة 1967 ومن ثمّ فتح أبواب المشرق العربيّ تباعاً أمام الحروب الأهليّة.

واليوم يترافق مع سقوط الأنظمة سقوط أعمدة ثلاثة أخرى: الدولة الوطنيّة والنفط والإسلام السياسيّ. فانهيار الحدود وبناء الجدران والمداولات بالخرائط أو المطالبات بها تعلن ما يعلنه انهيار السعر النفطيّ الذي يتكاثر من يردّونه إلى عوامل راسخة، منها اكتشاف نفوط غير تقليديّة كالنفط الصخريّ، وظهور مستجدّات علميّة وتقنيّة تُحلّ في السلع المصنّعة الكهرباء أو الشمس محلّ النفط. وليس مبالغةً القول إنّ المنطقة برمّتها إنّما بنيت على الريع النفطيّ دخلاً أو إعانةً أو عمالةً أو استثماراً أو غير ذلك. وبالتالي، فبقدر ما يشكّل حدث كهذا تطوّراً ماليّاً واقتصاديّاً، فإنّه سيكون تطوّراً سياسيّاً وثقافيّاً وإعلاميّاً أيضاً، لا ينافسه أهميّةً إلاّ استحواذ «داعش» وإخوانه على الإسلام، معطوفاً على صراع سنّيّ – شيعيّ متفجّر. ولأنّ الأوهام الظافرة أكثر السلع رواجاً في سوق الإحباط، سوف يمضي العقل في انكفائه أو هجرته، تاركاً المنطقة لمركّب من الفقر والجهل والتعصّب.

وهذا مجتمِعاً ما لا تُقارن به هزيمة كـ «نكسة 67» إلاّ بالمعنى الذي يُقارن فيه المزاح بالجدّ. فربّما كان الأقرب إلى الطور الذي نباشر دخوله ما حصل عند نهاية القرن الخامس عشر. ذاك أنّ اكتشاف طريق إلى الهند لا تمرّ بالعالم الإسلاميّ، بعدما هبط البرتغاليّ بارتولوميو دياز في رأس الرجاء الصالح، أبعدنا لقرون عن مركز الأرض الفاعل، بقدر ما أقصانا عن مركز الاقتصاد الصاعد. فإذ أطلق التنافس الإسبانيّ – البرتغاليّ على المحيطات وطرقها نشأة المقاولين البحريّين وتجّار المرافئ وبناة السفن، ممّن سيغدون جَدّاً أعلى للبورجوازيّة الأوروبيّة الحديثة، بدأت تتعفّن طرقنا وتقاليدنا، ولا يزهو معها إلاّ الاعتداد بكوننا نتاج تاريخ مجيد. لكنّ من ضاق به البحر صغرت سماؤه، فما عادت تتّسع لحياته السعيدة ومجده العظيم في وقت واحد. فإمّا الأولى التي تستلزم محاكمة المجد، أو الثاني الذي يفضي إلى إعدام الحياة.

arabstoday

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

إيران بدأت تشعر لاول مرة بأن ورقة لبنان بدأت تفلت من يدها

GMT 05:20 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الكتابة في كابوس

GMT 05:18 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان ليس «حزب الله»... وفلسطين ليست «حماس»!

GMT 05:17 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

جرائم حوادث السير في شوارعنا

GMT 05:15 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

نعم... وقت القرارات المؤلمة

GMT 05:14 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

حماية لبنان ليست في «القوّة»... أيّة «قوّة»

GMT 05:13 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مرّة أخرى... الحنين للملكية في ليبيا وغيرها

GMT 05:10 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل السنوار... هل يوقف الدمار؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صفحة العرب إذ تُطوى صفحة العرب إذ تُطوى



هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 12:56 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
 العرب اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 13:10 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
 العرب اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 13:17 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
 العرب اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 07:45 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

آثار التدخين تظل في عظام الشخص حتى بعد موته بـ 100 سنة

GMT 04:43 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الشاهنشاهية بعد 45 عامًا!

GMT 06:30 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تطوير مادة موجودة في لعاب السحالي للكشف عن أورام البنكرياس

GMT 05:07 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ليبيا أضحت اثنتين

GMT 05:13 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مرّة أخرى... الحنين للملكية في ليبيا وغيرها

GMT 17:11 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز صيحات العبايات المصممة على طراز المعطف لشتاء 2024

GMT 21:15 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب تونس يعلن إنهاء تعاقده مع فوزي البنزرتي بالتراضي

GMT 21:20 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

كروس يرفض إقامة مباراة وداع خاصة له بعد اعتزال كرة القدم

GMT 19:21 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عملة "بيتكوين" تترجع بنسبة 2.13% مع ترقب نتائج أعمال الشركات

GMT 16:47 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الوجهات السياحية التي تعدّ الأكثر أمانًا في العالم

GMT 21:05 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

نيوكاسل الإنكليزي يعلن تجديد عقد أنتوني جوردون

GMT 16:21 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار في الديكور والتدبير المنزلي لجعل المنزل أكثر راحة

GMT 21:10 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الترجي التونسي يطيح بمدربه البرتغالي كاردوزو
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab