عن المسيحيّين ولبنان و«داعش»

عن المسيحيّين ولبنان و«داعش»

عن المسيحيّين ولبنان و«داعش»

 العرب اليوم -

عن المسيحيّين ولبنان و«داعش»

حازم صاغية

ما لا شكّ فيه أنّ النظام السوريّ استخدم مسألة الأقلّيّة المسيحيّة ويستخدمها، وتاجر بها ويتاجر في مخاطبته الغرب. وهو النظام نفسه الذي رعى، على امتداد عمره البالغ 51 عاماً، تراجعاً كبيراً في أعداد المسيحيّين السوريّين وفي قوّتهم ووزنهم.
لكنّ النظام المذكور، الذي وجّه قمعه الأشرس بلا قياس إلى الأكثريّة السنّيّة، حال بهذا دون رؤية المشكلة المسيحيّة على حقيقتها.
وتجيء تجربة «داعش» في العراق، وتحديداً في الموصل، حيث تخيير المسيحيّين بين الأسلمة ودفع الجزية والموت لتقول إنّ المأساة المسيحيّة في المشرق العربيّ تفيض عن سياسة ونظام بعينهما، وتسبقهما، لتطرح إشكالاً وثيق الصلة بالاجتماع والثقافة.
فـ»داعش»، في واحد من وجوهها البارزة، هي رفع الإجماعات التي مضغتها المنطقة طويلاً إلى حدّها المنطقيّ الأبعد. وبين هذه الإجماعات لفظ الآخر المختلف، ونضاليّة الاجتماع السياسيّ وتعبويّته، وإرفاق الدعوة السياسيّة بجرعة تزيد أو تقلّ من ماضٍ متخيّل. وعن اجتماع لفظ الآخر والنضاليّة والماضويّة «الكيتشيّة»، ممّا مارسه بأسماء وعناوين شتّى، البعثيّون والناصريّون والشيوعيّون و»الإخوان المسلمون» وبيئة الثورة الفلسطينيّة وجماعة حزب «الدعوة» العراقيّ و»حزب الله» اللبنانيّ...، تشكّلت منظومة احتقار لكلّ الذين يعطون الأولويّة في حياتهم لما لا يندرج تحت خانة «القضيّة». وكان في رأس هؤلاء المسيحيّون العرب الذين احتلّت لديهم المهنة والتعليم وتحسين طرق الحياة مكانة أرفع من تلك التي احتلّتها السياسات بمعناها النضاليّ والشعاراتيّ.
فقد ظُنّ، في السياسة الدارجة، أنّ ترتيب الأولويّات المسيحيّة هذا ينمّ عن تصالح مع أمر واقع صنعه الاستعمار ورأته الأكثريّة ظالماً. لكنْ لم يُنتبه، في الثقافة وفي سياسات الضمير، إلى أنّ هذا الترتيب وثيق الصلة بتأميم السياسة وإبقاء المسيحيّين خارجها يصبّون جهودهم على المدرسة والصحيفة والشركة والمصرف.
وكان الموقف الراديكاليّ من لبنان، الذي ارتبط المسيحيّون به تقليديّاً مثلما ارتبط بهم، المكان الكاشف لموقف التحفّظ المستور من المسيحيّين العرب. فلبنان، وفق المعجم الذي ألّفه قوميّون عرب وإسلاميّون ويساريّون على أنواعهم، بلد تافه، صغير، اخترعه الاستعمار، يقف في وجه الوحدة، أو يعترض طريق المقاومة، أو يرعى فيه الكفر والإلحاد والتفكّك الخلقيّ، أو أنّه واجهة زائفة لسلع الرأسماليّة الغربيّة، أو هو حيث اللسان ملوّث بالعجمة، أو كلّ هذه النعوت في آن معاً.
والكلام على لبنان بوصفه نتاج خطأ وخطيئة كان يعلن، بكثير من التحوير، ما يضمره الموقف من «إخواننا المسيحيّين» العرب. ذاك أنّ اتّهام لبنان ليس سهلاً فحسب، بل هو مطلوب ومصدر انسجام مع الذات الإيديولوجيّة: فهو يؤكّد للاشتراكيّ مدى اشتراكيّته وللإسلاميّ صدقَ إسلامه وللعروبيّ عداءه للتجزئة أو حماسته للوحدة والمقاومة. في المقابل، فالكلام عن «إخواننا المسيحيّين» صعب، إذ يخلّ بالأخوّة المعلنة كما يخلّ بمزاعم الحداثة والوطنيّة والعلمنة ومعاداتنا «جميعاً» للاستعمار وإسرائيل. وحتّى إسلاميّ ما قبل «داعش» يجد في صراحة تعبيريّة كهذه ما يتعدّى الحدود التي تُلزمه بها كتابيّةُ المسيحيّ وذمّيّته.
واليوم بات الوعظ بتعاليم «عصر النهضة» و»حبّ الوطن» لزوم ما لا يلزم، فيما الأرض تميد تحت أقدام الجميع ومن تحتها تطلع وحوش ترعرعت في الخفاء على مدى قرن. وهكذا يغدو من حقّ الجماعات، بل من واجبها، أن تفكّر بنفسها وبمصائرها، وأن تحلّ مشاكلها حيث يمكن لها ذلك. ذاك أنّ التعاقد على الأوطان ما عاد يُلزم أحداً، لا الأنظمة التي صدّعت ذاك التعاقد وأفرغته من كلّ معنى، ولا معارضاتها التي انتهى بها المطاف أطرافاً دينيّة صريحة. وقد جاءت الثورات تكشف أنّ الاستبداد بلغ شأواً من التخريب لم يعد الإصلاح ممكناً بعده، فيما الصراع فقد كلّيّاً مسرحه وأفقه الوطنيّين.
وإذ يقدّم أكراد العراق، بعد جنوبيّي السودان، مساهمتهم، يفقد أصحاب تهم الانفصال والتجزئة كلّ قدرة على الابتزاز بترّهات لا يصمد الدفاع عنها أكثر من ثوانٍ.

arabstoday

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

إيران بدأت تشعر لاول مرة بأن ورقة لبنان بدأت تفلت من يدها

GMT 05:20 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الكتابة في كابوس

GMT 05:18 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان ليس «حزب الله»... وفلسطين ليست «حماس»!

GMT 05:17 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

جرائم حوادث السير في شوارعنا

GMT 05:15 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

نعم... وقت القرارات المؤلمة

GMT 05:14 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

حماية لبنان ليست في «القوّة»... أيّة «قوّة»

GMT 05:13 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مرّة أخرى... الحنين للملكية في ليبيا وغيرها

GMT 05:10 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل السنوار... هل يوقف الدمار؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن المسيحيّين ولبنان و«داعش» عن المسيحيّين ولبنان و«داعش»



هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 12:56 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
 العرب اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 13:10 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
 العرب اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 13:17 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
 العرب اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 07:45 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

آثار التدخين تظل في عظام الشخص حتى بعد موته بـ 100 سنة

GMT 07:21 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

وقف إطلاق النار... سباق مع الوقت

GMT 23:03 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

حريق كبير في قسم الغاز بمصفاة حمص في سوريا

GMT 01:28 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

مستشفى في شمال غزة تطالب بفتح ممر إنساني عاجل لإدخال الطعام

GMT 09:39 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

"طيران الإمارات" تطلب شراء 5 طائرات شحن من "بوينغ"

GMT 19:37 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

برشلونة يعرض 42 مليون يورو لضم ألكسندر أرنولد

GMT 19:45 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

محمد رجب يعود للسينما بعد غياب 6 سنوات

GMT 05:55 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إيقاف لاعب إيراني 6 أشهر بسبب وشم "شيطاني"

GMT 06:48 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة رجل الدين المقيم في أميركا فتح الله غولن
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab