في حبّ السلطنة العثمانيّة

في حبّ السلطنة العثمانيّة!

في حبّ السلطنة العثمانيّة!

 العرب اليوم -

في حبّ السلطنة العثمانيّة

حازم صاغية

في مقالات الصحف وندوات التلفزيون وتعليقات الـ «فايسبوك»، هناك حبّ للسلطنة يستعصي على الطبابة، وقد جاءت الذكرى المئويّة للإبادة الأرمنيّة تظهّر الوَلَه هذا.

والأمر ليس جديداً. فقد سبق لتنظيمات إسلاميّة، في عقود خلت، أن عبّرت عن هوى عثمانيّ، وفضّلت ماضي السلطنة على الحاضر، مُبديةً شوقها لأن يُبعث ذاك الماضي مستقبلاً.

الجديد أنّ الأصوات اليوم أعلى وأكثر، وأسباب ذلك كثيرة ومتفاوتة: فوجود مرجع شيعيّ إقليميّ هو إيران يحضّ على ترميم تركيّا بوصفها مرجعاً سنّيّاً إقليميّاً. ودعم أنقرة للثورة السوريّة، بغضّ النظر عن طريقتها في الدعم، واستقبالها النازحين السوريّين من ضحايا الأسد، يدفعان في الاتّجاه ذاته.

لكنّ ثمّة طبقة أعمق في نفوس الإسلاميّين المسلطنين: فالمظلوميّة السنّيّة في معظم بلدان المشرق إذ تبحث عن القوّة لا تجد أمامها إلاّ تركيّا، ووراء تركيّا تتراءى لها الإمبراطوريّة العثمانيّة المترامية الأطراف التي حكمت أعداداً هائلة من أبناء الأقليّات المتّهمة اليوم بإخضاع السنّة. وفضلاً عن هذا الميل الثأريّ المداور، هناك ما يراه البعض استمراريّةً لا تقطّع فيها تسم تاريخ الإسلام، وتقدّم المسلم واحداً متجانساً، وهي استمراريّة مثّلت السلطنة ومعها الخلافة تتويجها.

إذاً الماضي كان ذهبيّاً، ولا يليق بالمستقبل إلاّ أن يكون استعادة لذاك الذهب. وفي التحليل الأخير، ألم يرفع العثمانيّون علم الإسلام على بوّابات فيينا؟

فوق هذا، ينطوي الولاء للسلطنة على انتقام من التبسيط الخبيث الذي ساد طويلاً في الكلام عنها. فهي رُسمت، على مدى عشرات السنين «الحديثة» و «القوميّة» والعسكريّة، بوصفها مجرّد بيت للعتم والقسوة لا يستأهل إلاّ الحرق والتطهير من الأرواح الشريرة. وليس من غير دلالة أنّ ممانعي اليوم، وهم ورثة هذا الخطاب التقليديّ، إنّما زادوه عنصريّةً على تعالٍ، بعدما لخّصوا مئات السنوات العثمانيّة في عقود لا تعدو كونها مَحضراً موسّعاً بالرذائل.

وهذه الرواية المتثبّتة على فترة مأزومة من تاريخ السلطنة تكفي حقائقُ قليلة لدحضها، منها أنّ اليونان المسيحيّين، مثلاً، استقبلوا الفاتحين العثمانيّين استقبال المحرّرين من أساطيل جمهوريّة البندقيّة الطامحة عهدذاك إلى التوسّع في شرق المتوسّط. ولحقبة طويلة لم ير أهل «الملّة» الروميّة في القوّة العثمانيّة إلاّ سبباً للاعتزاز، إذ هي من يثأر لهم من غربٍ نهب صليبيّوه القسطنطينيّة الأرثوذكسيّة إبّان حملتهم الرابعة في 1204. وبعد كلّ حساب، لم تعرف السلطنة في علاقتها بأقليّاتها المجازر والبوغرومات التي نفّذها مسيحيّو أوروبا لمئات السنين بحقّ اليهود.

لكنّ هذا التأويل الفقير والمُغرض، ولاحقاً الممانع، خير ما يعزّز التأويل التآمريّ المضادّ له والذي يصوّر انهيار الإمبراطوريّة العثمانيّة مؤامرةً من أتاتورك ويهود الدونمه، متجاهلاً أزمة تلك الإمبراطوريّة وتفسّخها. وهي أزمة شرعت تتبدّى منذ حركة «التنظيمات» التي أطلقها محمود الثاني في النصف الأوّل من القرن التاسع عشر، والتي جاءت مهجوسةً بالتخلّص من الإنكشاريّين وبمواكبة الوجهة الأوروبيّة الصاعدة. وفي مطلق الحالات، وبعد مماطلة في إعلان موت «الرجل المريض»، افتتحت الحرب العالميّة الأولى زمن انهيار الإمبراطوريّات، لا العثمانيّة وحدها، بل أيضاً النمسويّة – المجريّة لآل هابسبورغ والقيصريّة الروسيّة لآل رومانوف. هكذا بات بعث السلطنة جزءاً من نفخ الروح في عالم مندثر.

والحال أنّ أسوأ ما في هذا الحبّ للعثمانيّة، في يومنا هذا، أنّه يردّ على «التحديثيّين» بالتراجع عن الحداثة، بما فيها نشأة الدول التي نجمت عن تفكّك السلطنة، وفي عدادها دولة تركيّا نفسها. ولأنّ «من الحبّ ما قتل»، فالمحبّون ينفقون آخر قرش أبيض لديهم على يوم أسود، أي على طور ثقُل موتُه على كثيرين شملوا أعداداً هائلة من العرب السنّة قبل أن يشملوا الأكراد والشيعة والمسيحيّين، لا سيّما منهم الأرمن.

وما لم تتلوّن البقعة السوداء التي تغطّي هذا الوعي السلطانيّ، فإنّ خطره على المدى البعيد سيفوق الخطر الذي تمثّله خلافة أبي بكر البغدادي. فالأخيرة، من جهتها، يؤرّقها أيضاً، بشيء من الكاريكاتوريّة، ذاك الماضي إيّاه.

arabstoday

GMT 07:06 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 06:52 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أوروبا تواجه قرارات طاقة صعبة في نهاية عام 2024

GMT 06:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

هل هي حرب بلا نهاية؟

GMT 06:48 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب إسرائيل الجديدة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في حبّ السلطنة العثمانيّة في حبّ السلطنة العثمانيّة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab