ما بعد النفط

ما بعد النفط؟

ما بعد النفط؟

 العرب اليوم -

ما بعد النفط

حازم صاغية

 ليس مؤكداً أن السوق النفطية لن تتعافى. والذين يقولون بالاحتمال هذا يشيرون إلى إمكانات النهوض الاقتصادي في أوروبا وما يستتبعه من طلب على النفط، وربما إلى دخول بلدان «نامية» جديدة سوق التصنيع. لكن العكس مرشح بدوره للحصول، بحيث يتحول التوسع الأميركي في إنتاج النفط الصخري مدخلاً إلى عصر آخر يطوي عصر النفط مثلما طوي قبله عصر الفحم. وفعلاً تطل معالم هذا التغير مع ما باتت تتيحه تقنيات جديدة، لا سيما التنقيب الأفقي، في الوصول إلى مواد هيدرو-كربونية تحت سطح الأرض، ما جعل الولايات المتحدة اليوم تنتج ما يقارب ضعف إنتاجها قبل عقد واحد.

كذلك تتضافر عوامل أخرى، أقل بنيوية، للدفع في وجهة كهذه، منها نقص الطلب الراهن على النفط في أوروبا واليابان، واحتفاظ بلدان «أوبك» بمستوياتها من الإنتاج، وتحسن شروط التوفير في استخدام السيارات للوقود.

وبدورها تتعدد الأشكال التي بموجبها تستقبل المنطقة العربية تطوراً كهذا، فإذ تتاجر «داعش» بالنفط وتستخدمه في تسمين عائداتها، تندلع الحرائق في ليبيا في خمسة خزانات نفط كبرى تحت وطأة المعارك بين «الجيش الوطني الليبي» وميليشيات «فجر ليبيا». هذا في التبديد، أما حيث لا تزال الحكومات المستقرة تسيطر على إنتاجها النفطي وعلى توزيعه، فتُسمع أصوات واقتراحات يؤرقها ما قد يحدث. هكذا مثلاً ينبه الزميل والكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد إلى أن «معظم الدول الغنية الناجحة ليست بترولية، مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا وفنلندا، ومعظم مجتمعات النفط العربية عاجزة لأنها مدمنة على مواردها المجانية السهلة»، وكأنه يدعو إلى خيارات اقتصادية حجبها الاتكال الريعي المطلق على النفط، فليس بسيطاً أن تتوقف أو تتراجع القدرة الحكومية على الإعالة الباذخة والمكلفة لسكان البلدان النفطية، وليس من غير المتوقع، لا سيما مع الخضات الكبرى التي تشهدها المنطقة العربية، أن يتقاطع التذمر الاجتماعي وبعض التناقضات الأهلية الصامتة أو القليلة التعبير. وطبعاً فإن بلداناً كإيران (وروسيا وفنزويلا) ستضطر عاجلاً أو آجلاً إلى إعادة النظر في خيارات أساسية تتعدى الاقتصادي إلى السياسي والاستراتيجي.

أما في المشرق، فهناك قصة أخرى قد تكون أشد مرارة، فلعقود مديدة، وفي ظل لقاح الأفكار الشعبوية القومية واليسارية، ساد هجاء النفط بوصفه اللعنة، لكن ذلك لم يحل دون سلوك غير مطابق تعددت أشكاله، يندرج فيه طلب المعونات من دول النفط أو التوجه بحثاً عن العمل في بلدانها، أو محاولة السطو عليها، على غرار ما حاوله صدام حسين بغزوه الكويت، وقبله جمال عبد الناصر في اقترابه من اليمن، لأن «بترول العرب -قفزاً داعشياً مبكراً فوق الأوطان وحدودها- للعرب». ولم تبرأ «الثقافة العليا» من تلك الميول، فعبر عنها مثلاً الروائي عبد الرحمن منيف في روايته «مدن الملح»، من خلال بطلها متعب الهذال، حنيناً إلى «أصالة» البداوة، السابقة على الرأسمالية والسوق، وانحيازاً إليها.

لقد نهضت تلك المواقف على عمليات انطوى فيها خلط الحقائق وحذف بعضها: هكذا ساد لعن النفط، وهو فرصة مبدئية لأي شعب يمتلكه، بدل النقد لاستخدام العوائد في برامج التنمية أو في الخيارات السياسية والثقافية. وكان ملحوظاً هنا أن ما يستحق الإدانة ليس الدخول في السوق العالمية، بل التحفظ العميق عن الدخول في ثقافتها وفي الوعي الذي يترتب على تلك العالمية. وفي الوقت عينه، وهذا الأهم، غُض النظر عن الدور التدميري الذي اضطلعت به منذ 60 عاماً الأنظمة العسكرية في المشرق، ما بين مصر والعراق، بحيث دُمرت المجتمعات الأبكر في الاحتكاك بالغرب والتعرض للرأسمالية وللتعليم الحديث، فلم يبق في الميدان إلا النفط وحده في هذه الرقعة العربية الشاسعة.

والآن، إذا ما صح أننا ننتقل إلى ما بعد النفط، فإن «الفوائض» الوحيدة التي يدخل بها المشرق الطورَ الجديد، هي انهيار مجتمعاته واقتلاع بشره والافتقار الكارثي إلى كل شيء.

arabstoday

GMT 10:30 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 10:27 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 10:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 10:16 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 10:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 10:12 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد النفط ما بعد النفط



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
 العرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab