مرض الأكثرية والأقليات الشامل

مرض الأكثرية والأقليات الشامل

مرض الأكثرية والأقليات الشامل

 العرب اليوم -

مرض الأكثرية والأقليات الشامل

حازم صاغية

ربما كانت تعليقات القراء على ما يُكتب ويقال من أشد مرايا واقعنا شفافية، ذاك أن هذه التعليقات التي تصدر عن مواقع اجتماعية شتى، يجيء الكثير منها من أدنى الهرم، ناطقاً بلسان الجماعة الأهلية التي ينتسب إليها المعلق. ويستطيع مَن لا يزال يمنعه حرجٌ ما من التعبير الصريح، أن يلتف على اسمه الفعلي، أو أن يغيره، فيتحرر من ذاك الحرج ومن تزويقه وتمويهه.

هكذا، ورداً على كتابات تدين الاستبداد وأنظمته، يعلق معلق شيعي أو مسيحي أو علوي يصف نفسه بأنه كاره للاستبداد، مستنكراً إدراج بشار الأسد في عداد المستبدين، لكن معلقاً سنياً يصف نفسه هو الآخر بأنه كاره للاستبداد، ينبري مستنكراً إدراج صدام حسين في خانة المستبدين. وحين لا يفعل المعلقون هذا تراهم يتفننون في إيجاد العذر لمستبدهم، ابن طائفتهم. وبالطبع فإن «المؤامرة الأميركية– الإسرائيلية»، أو «المؤامرة الإيرانية» المطعّمة أحياناً بأميركا إياها، تهب دوماً لخدمة ما يحاولون برهنته.

وإذا كُتب، مثلاً، أن نظام الأسدين نظام طائفي وأقلوي فرض نفسه على شعبه بالقوة المحضة، ظهر من يتهم الكاتب بالعداء للأقليات التي يوصف النظام المذكور بأنه ساهر على حمايتها. لكنْ في المقابل، إذا كُتب أن أوضاع الأقليات في العالم العربي سيئة جداً، وأن حساسية الأكثرية حيال الأقليات تنافس في السوء حساسية الأقليات حيال الأكثرية، ظهر من يتهم كلاماً كهذا بالاندراج في «تحالف الأقليات» المعادي للسنة، بل المعادي للإسلام جملةً وتفصيلاً.

وإذا قيل إن معاملة اللاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان بشعة ومشوبة بالعنصرية، ظهر من يشكك في لبنانية القائل. لكنْ إذا قيل إن النزوح الكثيف الذي يصب في لبنان، ذي الملايين الأربعة، لا بد أن يتسبب بمشكلات ضخمة وصعبة العلاج، اتُهم القائل بالشوفينية اللبنانية، وربما بالعنصرية كذلك.

وهذه وسواها من أمثلة كثيرة إنما تضعنا وجهاً لوجه أمام سلة المشكلات التي بات واقعنا مجرد حصيلة لجمعها. والأمر هنا ليس مسألة مفاضلة بين حقيقتين إلا لمن كان منحازاً أصلاً لجماعة أهلية وطائفية بعينها، ومن ثم لـ «حقيقتها»، ذاك أن بشار الأسد وصدام حسين مستبدان، استبداد واحدهما لا ينفي استبداد الثاني، والأكثرية السنية مريضة بقدر ما الأقليات الشيعية والعلوية والمسيحية مريضة،

فعن مرض المسيحيين الأوروبيين الذي كانه كُرهَ اليهود، وصار اسمه منذ أواسط القرن التاسع عشر لاسامية، تأدى مرضُ اليهود الأوروبيين، الذين راحوا بالتدريج ينحازون إلى الخيار الصهيوني بوصفه طريق خلاصهم من اضطهادهم. هكذا كان للفعل الأكثري أن أصاب بمرضه رد الفعل الأقلوي.

وبمعنى مشابه، يصعب النظر إلى أحوال الأقليات في معزل عن علل مزمنة تفتك بالأكثرية منذ ما قبل السلطنة العثمانية، إلا أن هذه الأقليات حين تتوهم أن خلاصها يأتيها على أيدي نظام كالنظام السوري، يكون قد استولى عليها من العلل ما لا يقل خطورة عما يفتك بالأكثرية. وهذا ما ينــــــــبغي أن يدان، وذاك ما ينبغي أن يدان أيضاً.

والحال أن الشعوب والأمم حين تمرض فإنما تمرض كلها، أكثرياتٍ وأقلياتٍ، وأنظمةً وثوراتٍ. أليس هذا الطور الذي نعيش تعبيراً بليغاً ولامعاً عن مرض شامل كهذا، مرضٍ يرى بعض القراء المعلقين ومَن «يمثلونهم» أن نصفه الأسدي صحةٌ، فيما يرى بعضهم الآخر أن نصفه «الداعشي» هو الصحة بعينها؟

 

 

arabstoday

GMT 18:34 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

ليلة رعب فى سانتياجو

GMT 18:33 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

مشوار الإحساس

GMT 18:31 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

أوكرانيا ليه؟

GMT 14:37 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

المليار الذهبي وتناقص سكان العالم

GMT 07:58 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

هل على “الحزب” الحلم بـ 17 أيّار؟

GMT 06:41 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

الكلاب مرة أخرى!

GMT 06:39 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

هيبة أمريكا على المحك

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مرض الأكثرية والأقليات الشامل مرض الأكثرية والأقليات الشامل



أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:23 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

السودان... تعثّر مخطط الحكومة «الموازية»

GMT 02:34 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

شهيد في قصف للاحتلال شرق رفح

GMT 16:22 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

حصيلة ضحايا الحرب على غزة تتجاوز 160 ألف شهيد ومصاب

GMT 10:14 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

الكشف عن البرومو الأول لبرنامج رامز جلال
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab