الشكوى هواية عربية

الشكوى هواية عربية

الشكوى هواية عربية

 العرب اليوم -

الشكوى هواية عربية

خيرالله خيرالله

يمثل 'فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين' الوجه الحضاري لفلسطين في واشنطن. يشكو العرب يوميا من اللوبي الإسرائيلي من منطلق أنه يؤثر في مراكز القرار والإعلام الأميركي.

يبدو أنّ الشكوى هواية عربية. تغني الشكوى عن تحمّل المسؤولية والتصرف بطريقة معقولة، تنمّ عن رغبة في التصرّف بحد أدنى من الجدّية إزاء ما يوصف بالقضايا الكبرى.

يكشف القرار الذي اتخذه “فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين”، الذي يعمل من واشنطن دي سي، والقاضي بتقليص نشاطه، فكرة عن مدى تمسّك العرب عموما بالشكوى من نفوذ اللوبي الإسرائيلي في الوقت الذي وجد فيه من يتصدّى بفاعلية لهذا اللوبي.

كذلك، تكشف الصعوبات التي تواجه “فريق العمل” هذا حجم تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية في ما يسمّى، إلى إشعار آخر، عاصمة القرار الدولي.

فوق ذلك كلّه، يعكس القرار الصعوبات التي باتت تواجه العملية السلمية برمتها والتي جعلت من الانسداد السياسي سيّد الموقف.

لم يعد من مجال سوى للعنف والتصعيد اللذين في أساسهما الرغبة الإسرائيلية في تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية والقدس الشرقية. تستهدف الإجراءات التي تتخذّها حكومة بنيامين نتانياهو قطع الطريق على خيار الدولتين، الــذي في أساسه قيام دولة فلسطينية مستقلّة “قابلة للحياة”.

يرأس “فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين”، الذي عمل منذ سنوات من أجل خيار الدولتين الدكتور زياد عسلي. وهو مقدسي. عمل عسلي، وهو في الأصل طبيب مختص بالأمراض الداخلية، في ايلينوي. انتقل بعد ذلك إلى دي سي مع زوجته نايلة التي تشاركه الجهد الذي يبذله فريق العمل من أجل إعطاء صورة مختلفة عن فلسطين ونضال الفلسطينيين من أجل تحقيق أهدافهم الوطنية سلميا.

اتخذت المنظمة سلسلة من الإجراءات بهدف الحدّ من الإنفاق. ستكون مكاتبها أقلّ مساحة وسيكون هناك استغناء عن بعض العاملين فيها. الأهمّ من ذلك، أنها ألغت العشاء السنوي الذي تقيمه في العاصمة والذي كان مدخوله يغطي نصف نفقاتها تقريبا.

كان العشاء السنوي الحدث الفلسطيني الأهمّ في دي سي. كان مناسبة لقياس مدى الاهتمام الأميركي بفلسطين، ومدى جدّية الجهود الأميركية الهادفة إلى تحقيق تسوية سلمية معقولة ومقبولة. تأخذ هذه التسوية في الاعتبار رغبة الشعب الفلسطيني في تحقيق طموحاته بصفة كونه شعبا يمتلك كلّ المقومات التي تسمح له بإقامة دولته.

في السنة 2010، على سبيل المثال وليس الحصر، كانت هيلاري كلينتون ضيف الشرف في العشاء السنوي. كانت لا تزال وزيرة للخارجية، وأكدت في كلمتها مدى التزام الإدارة بالعملية السلمية. نجد الآن كلامها وكأنّه عفا عنه الزمن بعد مسلسل النكسات الذي تعرّضت له جهود وزير الخارجية جون كيري، وزيادة وتيرة العنف التي تترافق مع الزحف الاستيطاني في كلّ الاتجاهات من أجل فرض واقع جديد على الأرض.

تكمن أهميّة “فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين” في أنّه لعب دور اللوبي الفلسطيني الجدّي القادر على التعاطي مع الأميركيين باللغة التي يفهمونها. لذلك، كانت هناك شخصيات أميركية نافذة على علاقة بالفريق، بما في ذلك شخصيات يهودية أميركية لديها ثقلها. لم يكن اللوبي الفلسطيني في واشنطن يتكلّم لغة خشبية ترضي المتاجرين بالقضية الفلسطينية، الذين يتكلمون أمام مرآة والهدف من كلامهم إرضاء نفسهم ليس إلا.

لاشكّ أن عوامل كثيرة ساهمت في وصول الوضع إلى ما وصل إليه. هناك التعنّت الإسرائيلي الذي يعبّر عنه الاستيطان. وهناك إدارة أوباما التي تتفنّن في كيفية تفادي أيّ مواجهة مع اليمين الإسرائيلي ومع نتانياهو بالذات. وهناك التصعيد الذي تمارسه “حماس” انطلاقا من غزّة والذي يستفيد منه المتطرفون الإسرائيليون إلى أبعد حدود. وهناك سلطة وطنية فلسطينية عاجزة عن تحقيق أي اختراق سياسي حقيقي على الصعيد الفلسطيني.

صحيح أنّ السلطة الوطنية تسجّل نقاطا في أوروبا بعدما اعترفت السويد بالدولة الفلسطينية، لكنّ الصحيح، أيضا، أنّ مثل هذه النقاط الإيجابية لم تجد ترجمة لها في الضفّة الغربية، خصوصا مع الإصرار على التخلص من الدكتور سلام فياض وحكومته. كانت حكومة سلام فيّاض، الذي أقام علاقة وثيقة مع “فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين” أفضل ما حدث لفلسطين في السنوات القليلة الماضية، خصوصا أنّه ركّز على قيام مؤسسات فلسطينية تصلح لدولة تحترم نفسها. كذلك، جعل الضفة الغربية أرضا مرحّبة بالفلسطيني، أي أرضا غير طاردة لأهلها كما تأمل إسرائيل. فالهدف الإسرائيلي يتلخّص بالتخلص من أي فلسطيني في فلسطين، داخل “الخط الأخضر” وخارجه، مع تركيز خاص على القدس وأحيائها العربية والأماكن المقدّسة الإسلامية والمسيحية فيها.

يمثّل “فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين” الوجه الحضاري لفلسطين في واشنطن. يشكو العرب يوميا من اللوبي الإسرائيلي من منطلق أنّه يؤثّر في مراكز القرار والإعلام الأميركي.

جاء أخيرا من يستطيع مقاومة اللوبي الإسرائيلي، حتى داخل المنظمات اليهودية الأميركية. حقّق “فريق العمل” اختراقات في كلّ الاتجاهات داخل المجتمع الأميركي وذلك رغم الإمكانات الضئيلة التي امتلكها. وهذه الاختراقات عائدة قبل كلّ شيء إلى اللغة التي استخدمها. إنّها باختصار لغة بعيدة عن الشعارات المضحكة- المبكية التي تجعل الأميركي يعتقد أن كلّ عربي ينتمي إلى “داعش”.

المؤسف أنّه لم يوجد من يريد الاستفادة من الفرصة المتاحة للعرب والفلسطينيين في الولايات المتحدة عموما، وواشنطن تحديدا. يبدو واضحا أنّ معظم العرب يفضّلون الشكوى من اللوبي الإسرائيلي بدل الدخول في مواجهة جدّية معه عبر من أتقن لعبة واشنطن دي سي، فأقام علاقات مع قسم كبير من الجهات النافذة ومراكز الأبحاث الجدّية ومع وسائل الإعلام الأميركية التي تمتلك القدرة على التأثير في الرأي العام حتّى داخل الإدارة والدوائر الرسمية.

كان هناك للمرّة الأولى لوبي فلسطين فعّال في واشنطن، لكنّه لم يوجد من يريد الاستفادة من فعاليته. هل هذا عائد إلى أن الشكوى من نفوذ اللوبي الإسرائيلي تغني عن أي محاولة لتحمّل المسؤولية؟ يبدو أن هذا السؤال أقرب إلى الحقيقة من أيّ شيء آخر نظرا إلى أنّه يطرح المشكلة كما هي بعيدا عن أيّ لفّ ودوران.

ملخّص المشكلة أن العرب لا يريدون دعم الفلسطينيين بغير الكلام، فيما لا يوجد بين الفلسطينيين أنفسهم، حتّى بين الأغنياء منهم، من يريد أن يكبّد نفسه مشقّة طرح سؤال بديهي من نوع لماذا إسرائيل قويّة في واشنطن، ولماذا لا يتجرّأ المقيم في البيت الأبيض على توجيه أي لوم من أي نوع كان لسياساتها التي لا تصبّ سوى في تكريس الاحتلال للأرض الفلسطينية وحرمان شعب من حقوقه؟

arabstoday

GMT 02:32 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

ما قال... لا ما يقال

GMT 02:31 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 02:27 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 02:24 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

GMT 02:22 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والصراع على الإسلام

GMT 02:19 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

عن الحيادِ والموضوعيةِ والأوطان

GMT 02:15 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

أين يُباع الأمل؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشكوى هواية عربية الشكوى هواية عربية



فساتين سهرة رائعة تألقت بها ريا أبي راشد في عام 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:44 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كنوز السياحة في الاردن تروي تاريخ حضارات قديمة
 العرب اليوم - كنوز السياحة في الاردن تروي تاريخ حضارات قديمة

GMT 02:31 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

زلزال قوي يضرب جزر الكوريل الروسية ولا أنباء عن خسائر

GMT 08:54 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 05:53 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أكبر معمرة في إيطاليا عمرها 114 عاما

GMT 08:49 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

جنوب لبنان... اتفاق غير آمن

GMT 05:50 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

محكمة روسية تصادر ممتلكات شركة لتجارة الحبوب

GMT 07:55 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي يودي بحياة 9 فلسطينيين بينهم 3 أطفال في غزة

GMT 05:29 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار جسر في البرازيل لـ10 قتلى

GMT 12:22 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

مدير منظمة الصحة العالمية ينجو من استهداف مطار صنعاء

GMT 02:29 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

زلزال بقوة 5.7 درجة يضرب الفلبين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab