في اليمن عملية سياسية على إيقاع عملية عسكرية

في اليمن عملية سياسية على إيقاع عملية عسكرية

في اليمن عملية سياسية على إيقاع عملية عسكرية

 العرب اليوم -

في اليمن عملية سياسية على إيقاع عملية عسكرية

خيرالله خيرالله

أين ستتوقف شهية الحوثيين وما أفق اندفاعتهم العسكرية؟ ولماذا لم توجد دولة يمنية تتصدى لهم في عمران، علما أن كل من يعرف اليمن، يعرف أن سقوط مدينة عمران يفتح أبواب صنعاء على مصراعيها.

كان مُتوقعا أن يهدأ الحوثيون، أي “أنصار الله” في اليمن قليلا بغية استيعاب التحدي الذي تمثّل في تشكيل الرئيس الانتقالي عبدربه منصور حكومة دون رضاهم. الملفت أنّهم لم يسعوا إلى مواجهة مباشرة مع الحكومة التي يرأسها خالد البحاح. على العكس من ذلك، نراهم يعملون من أجل الالتفاف عليها، عبر توسيع دائرة اتصالاتهم مع القوى السياسية الأخرى من جهة، والحصول على مكاسب معيّنة، خصوصا في مجال اختراق المؤسسة العسكرية الأمنية ومؤسسات الدولة كافة بكلّ الوسائل المتاحة من جهة أخرى.

بين أبرز ما يطمحون إلى تحقيقه عبر الوسائل المتاحة، فرض ضمّ نحو تسعين ألف عنصر من “أنصار الله” إلى القوات المسلّحة والأجهزة الأمنية، لكنّ الرئيس الانتقالي قد يسترضيهم بعشرين ألفا فقط.

يستندون في مسعاهم إلى “اتفاق السلم والشراكة” الذي وقعته الرئاسة اليمنية وأحزاب عدة مع الحوثيين بإشراف ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر. لا يستطيع من لديه ذاكرة، تجاهل أنّ الاتفاق وُقّع بقوّة السلاح وقد فرضه “أنصار الله” فرضا بعد اجتياحهم صنعاء واحتلال مؤسسات الدولة، بما في ذلك وزارة الدفاع والبنك المركزي.

يستفيد الحوثيون من الحكومة الجديدة لتمرير ما يهمّهم تمريره ويخدم مصالحهم في المدى البعيد. باتوا موجودين في كلّ مؤسسة من مؤسسات الدولة، وفي كلّ مكتب من مكاتب الوزارات في صنعاء. لم يعد هناك قرار يمرّ دون موافقتهم.

عندما لا يعجبهم وضع ما، لا يجد “أنصار الله” حرجا في التصرف بالطريقة التي تناسبهم. على سبيل المثال وليس الحصر، قرروا تغيير محافظ عمران الذي عيّنه عبدربه منصور. استبدلوه بشخص موال لهم. ليس لدى السلطة اليمنية ما تردّ به على القرار الحوثي. يريد “أنصار الله” القول، بكلّ بساطة، أنهم الدولة الجديدة في اليمن. لم يكن كلام عبدالملك بدر الدين الحوثي زعيم “أنصار الله” بمناسبة عيد الفطر عن قيام نظام جديد كلاما عابرا. كان كلاما في غاية الجدّية.

أراد الحوثي القول أنّ “ثورة الواحد والعشرين من ستمبر 2014” ألغت “ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962” التي أقامت الجمهورية وأنهت النظام الإمامي. كان دخول الحوثيين صنعاء بالطريقة التي دخلوا بها ونشرهم ميليشيا “اللجان الشعبية” في كلّ شارع ودائرة رسمية، إيذانا بقيام نظام جديد في اليمن. إنّه نظام ما بعد سقوط المعادلة التي كانت تتحكّم بالجمهورية العربية اليمنية، ثمّ بالجمهورية اليمنية، إثر قيام الوحدة في مايو من العام 1990.

هناك في اليمن محاولة جدّية لوضع اليد على البلد. ليس سرّا أن “أنصار الله” يعملون انطلاقا من التوجهات الإيرانية.هذا ما يفترض أن لا يستخفّ به أي متعاط مع الشأن اليمني، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار الأهمية الاستراتيجية للبلد وحدوده الطويلة مع المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان والشاطئ الممتد من بحر العرب إلى البحر الأحمر.

هادن “أنصار الله” الحكومة الجديدة، ولكن دون مهادنتها. ما زالوا يتحرّكون في اتجاه الوسط اليمني. أسقطوا، عمليا، مطار تعز ومنطقة القاعدة. تشرف المنطقة على أكبر المدن اليمنية وهي ذات أهمية استراتيجية. ما زال الحوثيون يبحثون عن وسيلة للاقتراب أكثر من مضيق باب المندب الاستراتيجي الذي يعني الكثير بالنسبة إلى إيران.. وكلّ دولة من دول الخليج.

هناك واقع لم يعد بالإمكان تجاهله، خصوصا بعد دخول “أنصار الله” منزل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، زعيم حاشد الذي توفّي في أواخر 2007، في صنعاء وحملهم ابن شقيقه سام الأحمر على تسليم نفسه للشرطة العسكرية. كانت حجّتهم أنّ سام من “القاعدة” وأنّه مطلوب في جريمتي اغتيال تحملان طابعا سياسيا.

صار “أنصار الله” ينفّذون القانون بيدهم بالطريقة التي تناسبهم، في صنعاء وغير صنعاء، خصوصا بعدما استطاعوا فرض “اتفاق السلم والشراكة” بديلا عن المبادرة الخليجية التي كان يفترض أن ينتج عنها دستور جديد.

بموجب هذه المبادرة التي وقّعها الرئيس علي عبدالله صالح، صار هناك رئيس انتقالي، مُدّدت له سنة كاملة، اسمه عبدربّه منصور هادي، كما انعقد مؤتمر للحوار الوطني خرج بـ”الدولة الاتحادية” والأقاليم الستّة التي تبيّن أنّها ليست سوى حبر على ورق. نعم، إنّها حبر على ورق، خصوصا في ظلّ تمدّد “أنصار الله” في كلّ الاتجاهات وسيطرتهم على صنعاء وعلى مؤسسات الدولة.

يتلهّى المجتمع الدولي حاليا بعملية سياسية لم يعد لديها وجود في اليمن. يفرض عقوبات على علي عبدالله صالح بحجة أنّه يعرقل هذه العملية السياسية التي وافق ممثل الأمين العام للأمم المتحدة على الاستعاضة عنها. هل من نكتة أكثر سماجة من هذه النكتة؟

لم يعد الموضوع موضوع عملية سياسية لا وجود حقيقيا لها في بلد يسير على إيقاع عملية عسكرية. إدخال “أنصار اللّه” في الجيش والمؤسسات الأمنية جزء من هذه العملية العسكرية التي ستحمّل موازنة الدولة اليمنية عبء دفع عشرين ألف راتب إضافي.

لم يعد موضوع اليمن موضوع عملية سياسية تولّى علي عبدالله إحباطها. الموضوع أنّه لا يوجد من لديه جواب على سؤال في غاية البساطة هو؛ أين ستتوقّف شهية الحوثيين وما أفق اندفاعتهم العسكرية؟ ولماذا لم توجد دولة يمنية تتصدّى لهم فعلا في عمران، علما أنّ كلّ من يعرف ولو القليل عن اليمن، يعرف خصوصا أنّ سقوط مدينة عمران يفتح أبواب صنعاء على مصراعيها.

ليس هناك من لديه جواب عن هذا السؤال. هناك من يريد الهروب من الواقع في وقت ليس من السهل التكهّن بالنتائج التي ستترتّب على المواجهات اليومية ذات الطابع المذهبي بين “أنصار الله” و”القاعدة”، خصوصا في محافظة البيضاء. ستزداد هذه المواجهات كلّما تقدّم الحوثيون في اتجاه مناطق الوسط ذات الكثافة السكّانية والجنوب الساعي إلى استعادة استقلاله.

الثابت أنّ “أنصار الله” باتوا يواجهون مقاومة حقيقية في مناطق الوسط، وهي مناطق شافعية، على الرغم من أنّهم عملوا على اختراقها في العمق عبر شخصيات ومراكز قوى معيّنة. كذلك، سعوا إلى مدّ جسور مع “الحراك الجنوبي” وهو مجموعة حركات انفصالية، قد لا يكون من رابط يجمع في ما بينها.

ولكن، يبقى في نهاية المطاف أنّ اليمن في حاجة إلى صيغة جديدة، بعدما صارت نتائج مؤتمر الحوار الوطني في خبر كان، وبعدما باشر الحوثيون تنفيذ عملية سياسية على وقع تحركات عسكرية قد تبدو مدروسة إلى حد كبير لو لم يكن اليمن استثناء.

اليمن استثناء بمعنى أنّه بلد صعب المراس.. حتّى بالنسبة إلى مجموعة مثل “أنصار الله” تتقن لعبة الاستفادة من كلّ الفرص المتاحة، خصوصا من أخطاء خصومها، على رأسهم الإخوان المسلمون. هؤلاء اعتقدوا، في مرحلة معيّنة، أنه سيكون في استطاعتهم ركوب موجة “الربيع العربي” لخلافة علي عبدالله صالح. لم يستوعبوا أن زمن الانقلابات ولى، منذ فترة طويلة وأن نقل المعركة إلى داخل أسوار صنعاء سيرتدّ عليهم، كما قد يرتدّ يوم، ليس ببعيد، على الحوثيين أنفسهم.

arabstoday

GMT 02:32 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

ما قال... لا ما يقال

GMT 02:31 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 02:27 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 02:24 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

GMT 02:22 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والصراع على الإسلام

GMT 02:19 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

عن الحيادِ والموضوعيةِ والأوطان

GMT 02:15 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

أين يُباع الأمل؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في اليمن عملية سياسية على إيقاع عملية عسكرية في اليمن عملية سياسية على إيقاع عملية عسكرية



فساتين سهرة رائعة تألقت بها ريا أبي راشد في عام 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:44 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كنوز السياحة في الاردن تروي تاريخ حضارات قديمة
 العرب اليوم - كنوز السياحة في الاردن تروي تاريخ حضارات قديمة

GMT 02:31 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

زلزال قوي يضرب جزر الكوريل الروسية ولا أنباء عن خسائر

GMT 08:54 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 05:53 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أكبر معمرة في إيطاليا عمرها 114 عاما

GMT 08:49 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

جنوب لبنان... اتفاق غير آمن

GMT 05:50 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

محكمة روسية تصادر ممتلكات شركة لتجارة الحبوب

GMT 07:55 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي يودي بحياة 9 فلسطينيين بينهم 3 أطفال في غزة

GMT 05:29 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار جسر في البرازيل لـ10 قتلى

GMT 12:22 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

مدير منظمة الصحة العالمية ينجو من استهداف مطار صنعاء

GMT 02:29 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

زلزال بقوة 5.7 درجة يضرب الفلبين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab