بقلم -خير الله خير الله
خلاصة الامر ان ايران تريد من الإدارة الأميركية الجديدة رفع العقوبات التي فرضتها عليها الإدارة السابقة والعودة الى الاتفاق في شأن ملفّها النووي الموقّع صيف العام 2015 في عهد الرئيس أوباما، أي حين كان جو بايدن نائبا للرئيس طوال ثماني سنوات. هل هذا ممكن؟ هل يمكن لإدارة جو بايدن ان تستسلم للشروط الإيرانية؟ هذا ما يبدو على المحكّ هذه الايّام في انتظار الاجتماع الذي دعا اليه الأوروبيون مع ايران في اطار مجموعة الخمسة زائدا واحدا (البلدان الخمسة ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن زائدا المانيا). كان لافتا مسارعة الإدارة الأميركية الى الإعلان عن استعدادها لحضور هذا الاجتماع وذلك في سياق مبادرات صغيرة متتالية أظهرت من خلالها انّها ترفض كلّ سياسات إدارة دونالد ترامب وهي مستعدّة للانقلاب عليها.
يبدو ان ايران تتابع ممارسة لعبة التصعيد ما دام ليس هناك من يردعها. تبدو مصرّة على ذلك بغية الحصول على مزيد من التنازلات الأميركية من خلال التشديد على ان واشنطن تعمّدت الى تمزيق الاتفاق النووي من جهة وفرض سياسة "العقوبات القصوى" من جهة أخرى. من الناحية النظريّة، تبدو ايران على حقّ، نظرا الى ان ترامب مزّق الاتفاق في خطاب القاه في العام 2018. وقعت "الجمهورية الاسلاميّة" اتفاقا مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا بعد التوصل الى تفاهمات بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف. في النهاية، من خرق الاتفاق هو الجانب الأميركي وليست ايران. لكنّ ايران لا تسأل نفسها سؤالا في غاية البساطة. هذا السؤال مرتبط بكيفية استفادتها الى ابعد حدود من الاتفاق لتطوير صواريخها وميليشياتها المذهبية التي عملت وما زالت تعمل من اجل زعزعة الاستقرار في المنطقة وتدمير دول عدّة من داخل. يأتي العراق وسوريا ولبنان واليمن في مقدّم هذه الدول.
في ظلّ هذا الواقع، كان هناك ابان عهد دونالد ترامب منطق آخر لا يقل تماسكا عن المنطق الإيراني. الأكيد ان وراء هذا المنطق الذي يدحض المنطق الإيراني ويوجه اليه ضربة قاضية فريق عمل يعرف ايران عن كثب ويعرف ما الذي فعلته منذ العام 1979، تاريخ سقوط نظام الشاه. لعلّ اهمّ ما يعرفه فريق العمل هذا انّ منع ايران من الحصول على السلاح النووي مهمّ. لكنّ الأهم من ذلك هو صواريخها وميليشياتها والأموال التي تصرفها للترويج لمشروعها التوسّعي في المنطقة كلّها، بما في ذلك أفغانستان.
الأكيد ان ليس دونالد ترامب الذي يعرف ايران وتاريخها وتسلسل الاحداث منذ احتجاز السلطات الإيرانية الديبلوماسيين الاميركيين في سفارة طهران، وعددهم 52، مدة 444 يوما ولم تطلقهم الّا بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية تشرين الثاني – نوفمبر 1980 وانتصار رونالد ريغان على جيمي كارتر الذي يمكن وصفه بانّه الرئيس الأضعف في التاريخ الأميركي الحديث. استطاعت ايران وقتذاك عقد صفقة من تحت الطاولة مع فريق ريغان ممثّلا بوليم كايسي (مدير الـ"سي آي. إي" لاحقا). لم تطلق الرهائن قبل موعد الانتخابات فامّنت بذلك فشل حصول كارتر على ولاية رئاسية ثانية!
لدى "الجمهورية الإسلامية" قصّة مع كلّ إدارة أميركية. عرفت كيفية التعاطي مع كلّ إدارة والتلاعب بها. خدمتها الظروف في أحيان كثيرة، خصوصا عندما اتخذ جورج بوش الابن قراره المجنون باجتياح العراق في العام 2003. بقي كلّ شيء على ما يرام، بالنسبة الى ايران، الى ان جاءت إدارة ترامب. كشفت إدارة ترامب انّ ايران ليست سوى نمر من ورق وذلك بعدما وقفت "الجمهورية الاسلاميّة" مكتوفة عندما جرت عملية تصفية قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" لدى خروجه من مطار بغداد في الثالث من كانون الثاني – يناير 2020.
ترفض ايران الاعتراف بان العالم تغيّر بين 2015 و2021 وان الموقف الأوروبي صار واضحا في ما يتعلّق بضرورة توسيع اطار أي اتفاق جديد يتناول الملفّ النووي الإيراني. ظاهرا، يبدو انّ هناك قناعة أميركية بضرورة العودة الى اتفاق 2015 ولكن بعد توسيعه ليشمل الصواريخ الباليستية والصواريخ المجنحة لدى ايران فضلا عن سلوكها في المنطقة. ليس بعيدا اليوم الذي سيتبيّن فيه هل هناك استيعاب أميركي لمعنى الإصرار على اتفاق جديد يكون أوسع من اتفاق 2015 واكثر شمولا منه على حد تعبير وزير الخارجية انطوني بلينكن الذي يلتقي هنا مع وزراء الخارجية لكلّ من فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
من الطبيعي ان تكون هناك الآن مقارنة بين جو بايدن من جهة وكلّ من الرئيسين السابقين جيمي كارتر وباراك أوباما من جهة اخرى. كارتر لم يعرف، في ايّام الحرب الباردة، كيف يكون التعاطي مع ايران. اظهر ضعفا ليس بعده ضعف تجاهها. امّا باراك أوباما فقد اعتبر، عن سذاجة او عن حقد على اهل السنّة في المنطقة، ان الملفّ النووي الإيراني يختزل كلّ مشاكل الخليج والمنطقة وانّه الإنجاز الوحيد الذي يستطيع تحقيقه في عهده.
لا شكّ ان جو بايدن يختلف كثيرا عن كارتر واوباما. هذا يعود الى سبب واحد على الاقل. يستند هذا السبب الى انّ بايدن يمتلك خبرة طويلة في السياسة الخارجية إن في اثناء وجوده في مجلس الشيوخ او في موقع نائب الرئيس في عهد أوباما. الأكيد ان هناك مخاوف من سيطرة عقدة دونالد ترامب على كلّ السياسات الخارجيّة للإدارة الجديدة في وقت لدى الولايات المتّحدة مشاكل داخلية كبيرة، بل ضخمة. هناك مشكلة الاقتصاد وهناك مشكلة كورونا (كوفيد – 19) التي ما زالت تتفاعل على كلّ صعيد.
هل يخرج بايدن من ظلّ أوباما وهل يستفيد من تجربة كارتر؟ الواضح انّ الإدارة الأميركية الجديدة عند مفترق طرق. الأكيد ان الديبلوماسية تبقى دائما افضل من الحرب. تغليب الديبلوماسية على الحرب واجب. هل هذه حجة كافية كي تستسلم اميركا امام ايران؟