وفاة محمد عبدالعزيز… فرصة للجزائر

وفاة محمد عبدالعزيز… فرصة للجزائر

وفاة محمد عبدالعزيز… فرصة للجزائر

 العرب اليوم -

وفاة محمد عبدالعزيز… فرصة للجزائر

بقلم :خير الله خير الله

ليست وفاة محمد عبدالعزيز، المواطن المغربي المولود في مراكش زعيم جبهة “بوليساريو” الذي عمل كلّ شيء من أجل إيذاء بلده، حدثا عـاديا. يمكن أن تكون الوفاة طيّا لصفحة الماضي المؤلم الذي تسببت به الجزائر، بسبب عقدة تعاني منها اسمها عقدة المغرب، كما يمكن أن تجد الأخيرة أداة أخرى غير محمّد عبدالعزيز، لمتابعة الحرب بالوكالة تشنّها على جارتها.
ينتمي محمد بن عبدالعزيز، الذي أعلنت جبهة “بوليساريو” وفاته بعد معاناة طويلة مع المرض، إلى قبيلة الرقيبات المنتشرة في مناطق كثيرة في الساحل الصحراوي، من موريتانيا إلى السودان، مرورا بالجنوب الجزائري. لكنّه قبل كل شيء مواطن مغربي خدم والده في الجيش المغربي ولا تزال لديه عائلة تقيم في داخل حدود المملكة المغربية. قرّر، ذلك الذي أصبح منتصف سبعينات القرن الماضي أمينا عاما لـ“بوليساريو”، أن يكون مجرّد أداة جزائرية. خدم المشروع الجزائري الهادف إلى شنّ حرب استنزاف على المغرب طويلا.

كان أداة جزائرية بامتياز. استحق أن يستقبله الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة قبل فترة قصيرة على الرغم من أنّ الرجلين مريضان، بل مريضان جدا. لا يعـود عامل المـرض مهمّا عندما يتعلّق الأمر بالحرب التي تشن على المغرب والتي تستخدم فيها كل الضربات الممنوعة، بما في ذلك دفع الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى أن يكون طرفا في نزاع الصحراء التي هي جزء لا يتجزّأ من الأرض المغربية.

ليس الحقّ على محمد عبدالعزيز الذي لم يكن يمتلك شخصية قادرة على اعتماد المنطق، بما في ذلك الاستفادة من الفرصة المتاحة له والتي تتمثل في العودة إلى البلد الذي ولد فيه والعيش بكرامة بين مواطنيه. الحقّ على من استخدمه غطاء في لعبة لا طائل منها. في الواقع استغلت الجزائر شخصية محمد عبدالعزيز لتحقيق مآرب لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالاستقرار في منطقة شمال أفريقيا.

كان محمد عبدالعزيز شخصا أقرب إلى الدمية من أيّ شيء آخر. كان ينتمي إلى عالم ما قبل انتهاء الحرب الباردة. لا يمكن تشبيهـه إلاّ بموظّف لدى أجهزة المخابرات في بلد من بلدان الكتلة الاشتراكية التي كانت الجزائر تنتمي إليها، والتي كان يؤمل أن تخرج منهـا في عهد بوتفليقة. وهذا أمر لم يحدث للأسف الشديد نظرا إلى أنّ الرئيس الجزائري بقي منذ انتخابه في العام 1999 أسير رجل اسمه هواري بومدين، لا يشكّ أحد بأنه كان شخصية طاغية، على الرغم من أنّه أخذ بلده من كارثة إلى أخرى، وأسس للمأساة التي تعاني منها الجزائر حاليا.

التقيتُ محمّد عبدالعزيز في إحدى المرّات على هامش المجلس الوطني الفلسطيني الذي كان منعقدا في خريف العام 1988 في الجزائر. اشترطت قبل اللقاء في الفيلا التي كان يقيم فيها في “نادي الصنوبر” خارج العاصمة الجزائرية أن يقتصر الأمر على تعارف بيننا. رفضت إجراء حديث معه، على رغم إصرار عدد لا بأس به من المسؤولين الجزائريين المحترمين الذين كانت تربطني بهم علاقة صداقة، على ذلك. في النهاية، تبقى الصداقة والاحترام شيئا، فيما الصدق مع النفس شيء آخر، خصوصا أنّي عرفت ملفّ الصحراء عن ظهر قلب، وسبق لي أن زرتها وشاهدت بأم عيني كيف استطاع المغرب تحقيق انتصار عسكري في ظروف صعبة، لا لشيء سوى لأن قضية الصحراء قضية وطنية يقف مواطنوه خلفها، قبل أيّ شيء آخر.

في الحوار الذي دار بيننا، لم يستطع محمّد عبدالعزيز الإجابة عن أي سؤال طرحته عليه، هو الذي كان يعتقد أن الصحافيـين مجرّد موظفين لـدى الأجهزة التي كانت تملي عليهم ما يجب أن يقولونه. كانت لغته خشبية. حاول مرارا إقناعي بأن لديه قضية، لكني لم أجد أمامي سوى أداة عليها أن تقول كلاما لقنّها إياه الجهاز الأمني في الجزائر.

تركت اللقاء بعدما اعتـذرت عن عدم إجراء الحديث مع زعيم “بوليساريو” الذي اعتقد أن مجرد استقباله لي يسمح له بأن يقول ما يشاء. بدا الغضب على ملامحه بوضوح. لم يكن يتصوّر أن هناك صحافيين يمتلكـون هامشا من الحرية في عالمنا العربي.

في كلّ الأحوال، لم يمرّ وقت طويل قبل أن أكتشف أن الشخص الذي كان السكرتير الخاص لمحمّد بن عبدالعزيز، والذي قدّم لنا القهوة في الفيلا التي استقبلني فيها، لجأ إلى المغرب. كان ذلك الشخص يدعى عمر الحضرمي وأظنّ أنّه لا يزال حيّا يرزق.

أكّد لي لجوء الحضرمي إلى المغرب أن قضيّة الصحراء قضية مفتعلة. كثيرون غيره لحقوا به بعدما تبيّن لهم أن كلّ ما تريده الجزائر هو إيذاء المغرب تحت شعار “حق تقرير المصيـر” للشعـوب، وإبقاء الصحراويين أسرى مخيّمات تندوف لاستخدامهم ورقـة مساومة والمتاجرة بهم. ما دامت الجزائر حريصة كلّ هذا الحرص على الصحراويين، لماذا لا تخصص لهم أرضا يقيمون عليها دولة في أراضيها الشاسعة التي يقع جزء منها في الساحل الصحراوي؟

يمكن أن توفّر وفاة محمد عبدالعزيز فرصة كي تخرج الجزائر من عقدة المغرب وأن تتصالح مع نفسها أوّلا. هذا يعني، بكلّ صراحة، اعتماد مقاربة جديدة لقضية الصحراء التي هي نزاع مغربي – جزائري افتعلته الجزائر من أجل إظهار نفسها قوّة إقليمية مهيمنة قادرة على لعب أدوار في المنطقة كلّها.

ينمّ مثل هذا التفكير عن حال مرضية تجعل من الطبيعي طرح سؤال من نوع: هل في استطاعة الجزائر تجاوز أزمتها التي تبقى العقدة المغربية جزءا لا يتجزّأ منها؟

مرّة أخرى، هناك فرصة أمام الجزائر للعودة إلى الذات والتوقف عن اعتبار العداء للمغـرب سياسة، خصـوصا أن الطرح المغربي لتجاوز أزمة العلاقات بين البلدين في غاية الوضوح.

يقوم هذا الحلّ على الحكم الذاتي في إطار اللامركزية الموسّعة في الأقاليم الصحراوية من جهة، وعلى إعادة فتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ العام 1994 من جهة أخرى.

هل في الجزائر من يمتلك حدّا أدنى من الوعي للقول إن ملفّ المتاجرة بالصحراويين تجاوزه الزمن، وأنّ في الإمكان دفن هذا الملفّ مع محمّد عبدالعزيز الذي ارتضى أن يخـون بلده بحثا عن زعامة أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها واهية.

ليس في هذا الكلام أي تجنّ على الجزائر التي تمتلك رجالا وسياسيين كثيرين محترمين من ذوي العقول النيّرة التي لها وزنها.

هذا الكلام من أجل أن تعود الجزائر إلى لعب دور إيجابي على الصعيد الإقليمي بدءا بالاستفـادة من التجربة المغربية، بدل السقوط مرّة تلو الأخرى في وهم الدور الإقليمي، وهو سقوط سيجعل منها دولة فاشلة تتسبب بالضرر لجيرانها، على رأسهم المغرب.

 

arabstoday

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيّر "حزب الله" ولم تتغيّر إيران!

GMT 06:29 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 06:26 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 04:35 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 03:26 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وفاة محمد عبدالعزيز… فرصة للجزائر وفاة محمد عبدالعزيز… فرصة للجزائر



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab