خروج إثيوبي– إريتري… من اللامنطق

خروج إثيوبي– إريتري… من اللامنطق

خروج إثيوبي– إريتري… من اللامنطق

 العرب اليوم -

خروج إثيوبي– إريتري… من اللامنطق

بقلم : خير الله خير الله

المصالحة بين الرئيس الإريتري ورئيس الوزراء الإثيوبي الجديد يمكن أن تؤسس لمرحلة جديدة. في أساس هذه المرحلة الدور المحوري لإثيوبيا وإريتريا في النظام الأمني الذي يحمي خطوط الملاحة في المنطقة كلها، من خليج عُمان إلى البحر الأحمر.

ليست المصالحة بين إثيوبيا وإريتريا حدثا عابرا. إنّه انتقال من عالم اللامنطق إلى عالم المنطق ستكون له انعكاساته، التي يؤمل بأن تكون إيجابية، على كلّ منطقة القرن الأفريقي وما يتجاوز هذه المنطقة، وصولا إلى الخليج العربي. بكلام أوضح، هناك منظومة أمنية متكاملة يدخل اليمن في إطارها لا يمكن بناؤها من دون تعاون في العمق بين إثيوبيا وإريتريا.

تُوّجت المصالحة الإثيوبية – الإريترية بزيارة قام بها لأسمرة رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد آبي أحمد حيث كان في استقباله الرئيس أسياس أفورقي، الرجل الذي لم تعرف إريتريا زعيما غيره منذ استقلت في العام 1993.

كان لا بدّ من الدور الذي لعبه الشيخ محمد بن زايد وليّ عهد أبوظبي كي تقتنع إثيوبيا وإريتريا بأن مصلحتهما المشتركة تكمن في مصالحة وعلاقات طبيعية في ظلّ التكامل الإلزامي الذي فرضته الجغرافيا على البلدين.

جاءت المصالحة بعد سنوات طويلة من القطيعة والجفاء تخللتها حرب عبثية بين العامين 1998 و2000 سقط فيها ثمانون ألف قتيل في أقلّ تقدير. لا تزال أسباب تلك الحرب مجهولة إلى يومنا هذا، خصوصا أنّه كان مفترضا أن يكون أسياس أفورقي وملس زيناوي، رئيس الوزراء الإثيوبي وقتذاك، حليفين حقيقيين في ضوء العلاقة الشخصية، وحتّى علاقات القربى، القائمة بينهما. كانا رفاق سلاح منذ ثمانينات القرن الماضي، أي قبل أن تستقل إريتريا وقبل أن يسقط الديكتاتور الإثيوبي منغيستو هايلي مريم. كانت والدة زيناوي إريترية وهو ينتمي إلى القومية نفسها التي ينتمي إليها أفورقي (القومية التيغرية). كانا في خندق واحد خلال حكم منغيستو الذي أدى سقوطه في 1991 إلى استقلال إريتريا في وقت لاحق. سارت كلّ الأمور بين أفورقي وزيناوي استنادا إلى الاتفاقات والتفاهمات القائمة بينهما عندما كانا زعيمين لتنظيمين ثوريين يخوضان الكفاح المسلّح.

كان أفورقي زعيما لـ“الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا”، وزيناوي زعيما لـ“الجبهة الشعبية لتحرير التيغري”. من بين هذه الاتفاقات والتفاهمات بين الرجلين إعطاء الإريتريين حق تقرير المصير في مرحلة ما بعد خروج منغيستو من أديس أبابا. هذا ما حصل بالفعل. استقلت إريتريا، لكن الصديقين ما لبثا أن تحوّلا إلى عدوين لدودين، كل منهما للآخر، في غياب العدو المشترك، كما لو أن العداء لمنغيستو كان الأمر الوحيد الذي يجمع بينهما!

عانت المنطقة طويلا من التوتر الذي تسبب به العداء المستجد بين أفورقي وزيناوي. لم يتعلّم أي منهما من تجارب الآخرين ومما يدور في العالم، خصوصا من تجربة ألمانيا وفرنسا وكيف أن الحروب لا تجلب سوى المصائب، وأن التعاون بين الشعوب الجارة أهمّ بكثير من الحدود بين الدول. لو بقيت ألمانيا تطالب بمقاطعتي الألزاس واللورين اللتين كانتا داخل حدودها التاريخية، لما كانت تشكل اليوم مع فرنسا العمود الفقري للاتحاد الأوروبي.

المهمّ الآن أن ثمّة وعيا لدى الرئيس الإريتري ورئيس الوزراء الإثيوبي، وهو أول رئيس وزراء مسلم في بلده، بأن هناك حاجة إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين أسمرة وأديس أبابا بعيدا عن الحساسيات. ليس معقولا أن يكون بلد مثل إثيوبيا غير قادر على استخدام الموانئ الإريترية، وليس طبيعيـا أن تكـون إريتريا في عـداء مع إثيـويبا وأن تبقى مستنفرة عسكريا خوفا من هجوم يمكن أن تتعرض له من البلد الذي كانت في الماضي جزءا لا يتجزّأ منه. هناك مجال للتعاون والتكامل بين بلدين وشعبين هما في واقع الحال شعبا واحدا، بل شعوب واحدة.

ليس القضاء على التناحر بين إثيوبيا وإريتريا مسألة مرتبطة فقط بضرورة توقف استنزاف كلّ منهما للآخر. هناك ما هو أبعد من ذلك بكثير. ستتحرر إثيوبيا من اضطرارها إلى أن تكون تحت رحمة ميناء جيبوتي، وستستفيد إريتريا من عودة الحياة إلى مينائي عصب ومصوّع اللذين يعتبران بين أهم الموانئ على البحر الأحمر.

فوق ذلك كلّه، يمكن لإثيوبيا وإريتريا لعب دور في استعادة الصومال عافيته بعد قرابة أربعة عقود على انهيار الدولة هناك. ما لا يمكن تجاهله أن إثيوبيا اضطرت في مرحلة معيّنة، في أيّام ملس زيناوي، إلى التدخل في الصومال لمنع تمدد الحركات المتطرفة في هذا البلد.

ليس مستبعدا أن تشكّل المصالحة الإثيوبية – الإريترية حجر الزاوية لنظام أمني شامل في المنطقة الممتدة من بحر العرب إلى قناة السويس. لعبت إثيوبيا في الماضي القريب دورا كبيرا على الصعيد الإقليمي وذلك في عهد الإمبراطور هيلا سيلاسي وبعد الانقلاب عليه في العام 1974، وصولا إلى تحولها جرما يدور في الفلك السوفياتي. ليس سرّا أن إثيوبيا كانت تؤثر دائما في اليمن. ارتبطت في مرحلة معينة بعلاقات أكثر من متميّزة مع اليمن الجنوبي، خصوصا في عهد علي ناصر محمّد بين 1980 و1986. كان هناك نوع من وحدة الحال بين أديس أبابا وعدن في ظلّ رعاية سوفياتية لشبكة من القواعد العسكرية أقيمت في المنطقة. إضافة إلى ذلك، ليس سرا أن إريتريا استُخدمت في العام 1995 في عملية استهدفت خلق أزمة لعلي عبدالله صالح في مرحلة ما بعد انتصاره في حرب الانفصال صيف العام 1994. هناك ما جعل إريتريا تقدم وقتذاك على مغامرة احتلال جزيرة حنيش اليمنية وجزر يمنية أخرى في البحر الأحمر لأسباب مازالت أسرارا لدى أسياس أفورقي.

في كلّ الأحوال، يظل السؤال المطروح كيف البناء على المصالحة الإثيوبية – الإريترية التي تبقى أكبر بكثير من مجرد مصالحة متى وضعت في إطارها الإقليمي الواسع، خصوصا في ضوء التحولات التي يشهدها اليمن، حيث تدور معركة مصيرية محورها ميناء الحديدة الذي تصرّ إيران على بقائه تحت سيطرتها عبر الحوثيين. الأكيد أنّ ما حصل بين أسياس أفورقي وآبي أحمد، بدءا بإعادة فتح سفارة إريتريا في أديس أبابا وسفارة إثيوبيا في أسمرة يبشّر بالخير. يمكن أن يشير ذلك إلى دخول قيادتي البلدين، اللذين كانا في الأمس القريب بلدا واحدا، مرحلة النضج السياسي.

إذا كانت الحساسيات ذات الطابع الشخصي أوصلت أسياس أفورقي وملس زيناوي، الذي توفّي في العام 2012، إلى حرب طاحنة، ثم إلى قطيعة بين البلدين، فإن المصالحة بين الرئيس الإريتري ورئيس الوزراء الإثيوبي الجديد يمكن أن تؤسس لمرحلة جديدة. في أساس هذه المرحلة الدور المحوري لإثيوبيا وإريتريا في النظام الأمني الذي يحمي خطوط الملاحة في المنطقة كلّها، من خليج عُمان إلى البحر الأحمر. سيعتمد الكثير على مدى التفاهم الذي سيتكرّس بين زعيمي بلدين في حاجة إلى خوض حرب مشتركة على الفقر ومن أجل المحافظة على الاستقرار الإقليمي وحمايته ومكافحة الإرهاب، وصولا إلى إقامة علاقة ذات طابع إيجابي مع السودان ومصر اللذين يتشاركان مع إثيوبيا في مياه النيل.

ليست قمة أسمرة حدثا عاديا بأيّ شكل، خصوصا إذا وُضعت في إطارها الإقليمي أمنيا واقتصاديا وسياسيا في الوقت ذاته، في وقت أصبح فيه البحر الأحمر منطقة واعدة خصوصا مع بدء العمل بمشروع “نيوم” في سياق “رؤية- 2030” للأمير محمد بن سلمان وليّ العهد في المملكة العربية السعودية.

المصدر: جريدة العرب
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

GMT 22:14 2020 الخميس ,06 آب / أغسطس

أخبار عن اللاساميّة وماليزيا وآيا صوفيا

GMT 00:18 2020 الأربعاء ,05 آب / أغسطس

رسالة إسرائيلية.. أم إنفجار؟

GMT 03:49 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الموجة الجديدة من الحراك العربي

GMT 03:43 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان بين صيغتين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خروج إثيوبي– إريتري… من اللامنطق خروج إثيوبي– إريتري… من اللامنطق



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:55 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

رانيا يوسف تشارك عصام عمر مسلسل نص الشعب اسمه محمد رمضان 2025
 العرب اليوم - رانيا يوسف تشارك عصام عمر مسلسل نص الشعب اسمه محمد رمضان 2025

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 العرب اليوم - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا

GMT 18:29 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 17:20 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة

GMT 18:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض

GMT 11:32 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الاحتلال ينسف مبانى بحى الجنينة شرقى رفح الفلسطينية

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 11:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

فقدان ثلاثة متسلقين أثناء صعودهم لأعلى قمة جبل في نيوزيلندا

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 08:11 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات تايلاند إلى 25 قتيلا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab