بين اللواء السليب… والجولان المحتلّ

بين "اللواء السليب"… و"الجولان المحتلّ"

بين "اللواء السليب"… و"الجولان المحتلّ"

 العرب اليوم -

بين اللواء السليب… والجولان المحتلّ

بقلم : خير الله خير الله

هل تدرك إيران أنها في مأزق عميق، وأن عليها بدورها أن تساهم هذه المرة في مرحلة حماية النظام السوري الذي بات يعرف أن وجوده مرتبط بالرغبة الإسرائيلية في العودة إلى اتفاق فك الاشتباك للعام 1974.

قبل قمة دونالد ترامب – فلاديمير بوتين في هلسنكي، جاء وقت عمل جردة للحسابات في سوريا. من سيبقى من سيرحل في الأشهر القليلة المقبلة؟ هل يستطيع بوتين تنفيذ المطلوب منه إسرائيليا وأميركيا في مقابل البقاء في مقعد القيادة في هذا البلد وعمل كلّ ما يريد عمله من دون حسيب أو رقيب بعد حصوله على الضوء الأخضر الإسرائيلي؟ ما هو شكل الكيان السوري مستقبلا؟ ماذا سيفعل الأميركيون في المنطقة الواسعة الغنية بالثروات الطبيعية التي أقاموا فيها قواعد لهم شرق الفرات؟

أسئلة كثيرة تفرض نفسها هذه الأيام، بعضها مرتبط أيضا بتركيا والمناطق الموجودة فيها… وبعضها الآخر بمصير الأكراد وعلاقتهم بالأطراف الأخرى داخل سوريا وخارجها.

في ظل كلّ هذه الأسئلة هناك ثابت واحد. يتمثل الثابت الوحيد في أن على إيران إيجاد طريقة للخروج من سوريا. ليس معروفا كيف سيتمكن الجانب الروسي من إقناعها بأن لا خيار آخر أمامها سوى الخروج نظرا إلى أنّ ليس لديها ما تفعله في سوريا. فإذا كان مشروعها يقوم على تغيير طبيعة الشعب السوري وتركيبته الديموغرافية، فإن هذا المشروع ولد ميّتا.

 ولد ميتا على الرغم من كلّ الهجرة السورية والجهود التي بذلتها إيران من أجل تدمير المدن السنّية الكبيرة مثل حلب وحمص وحماة وتغيير طبيعة دمشق والمناطق المحيطة بها من زاوية مذهبية بحتة. كان آخر دليل على مدى الإفلاس الإيراني في سوريا كلام صدر عن مسؤول عسكري إيراني هو حسين سلامي نائب قائد “الحرس الثوري”. قال سلامي بالحرف الواحد “الجيش الإيراني في مرتفعات الجولان ينتظر التعليمات لإزالة إسرائيل من الوجود”.

لا يمكن أن يصدر مثل هذا الكلام عن مسؤول عسكري أو مدني في دولة عاقلة، خصوصا أن الجيش الإيراني ليس في الجولان المحظور عليه الاقتراب منه. كل ما في الأمر أن النظام السوري ألبس إيرانيين وعناصر من الميليشيات اللبنانية والعراقية التابعة لـ“الحرس الثوري” ثياب الجيش النظامي، وذلك كي يتمكن من التقدم في اتجاه درعا والحدود الأردنية. لا تزال ثمّة حاجة إلى الإيرانيين وتوابعهم في مناطق معيّنة في ظلّ معاناة الألوية التي لا تزال تدين بالولاء للنظام من نقص في العنصر البشري.

بعيدا عن الكلام الفارغ من النوع الذي يصدر عن شخص مثل نائب قائد “الحرس الثوري” الإيراني، هناك واقع لا مفرّ من التعاطي معه. يقول هذا الواقع إنّ المشكلة الأساسية التي تعاني منها إيران في سوريا عائدة إلى أنّها راهنت على شخص بشّار الأسد وعدد من المحيطين به في الأجهزة الأمنية. بات مستقبل وجودها في سوريا مرتبطا بشخص بشّار الأسد الذي لا مستقبل له. عفوا، لديه مستقبل في حال نفّذ المطلوب منه إسرائيليا. وهذا يعني في طبيعة الحال استكمال المهمّة التي وجد النظام الذي أسّسه والده من أجلها.

في أساس هذه المهمّة الوصول إلى مرحلة لا يعود مطروحا فيها أي بحث في استعادة الجولان. عندما تعلن إسرائيل بصراحة ووقاحة أنّها تريد عودة الجيش السوري التابع للنظام إلى خط وقف النار في الجولان تنفيذا لاتفاق فك الاشتباك الموقع عام 1974 برعاية هنري كيسينجر، فهي تقول إنه آن أوان أن تقبض ثمن بقاء الأسد في دمشق. يبدو الثمن واضحا كلّ الوضوح. بات على سوريا أن تنسى شيئا اسمه الجولان المحتلّ.

في لحظة معيّنة، سيكون على بشّار الأسد الاختيار بين إسرائيل وإيران. الطرفان وفرا الحماية له. الدليل على ذلك أنّه لا يزال في دمشق. لكنّ الحماية الإيرانية لم تعد كافية في مرحلة معيّنة. أجبر ذلك طهران على الاستعانة بالوجود العسكري الروسي الذي لعب دوره ابتداء من أواخر أيلول – سبتمبر 2015 في إبقاء رأس النظام في العاصمة، وإن كان ذلك بالتنسيق مع الإسرائيلي.

من الواضح أن الخياريْن الروسي والإسرائيلي هما خيار واحد. عنوان هذا الخيار الخروج الإيراني. مثل هذا الخروج سيحرم رئيس النظام السوري حتما من ورقة يعتقد أنّها مهمّة، هي إيران والميليشيات التابعة لها على رأسها “حزب الله” الذي ارتبط تاريخيا بعلاقة أكثر من مميزة مع بشار الأسد.

هل في جعبة فلاديمير بوتين ما يقنع به الإيراني والإسرائيلي بإيجاد تفاهم بينهما انطلاقا مما يدور في سوريا؟ من الصعب الإجابة بنعم على مثل هذا السؤال، خصوصا أنّ تجارب الماضي القريب تؤكد أن الإسرائيلي، ليس في وارد القبول بأن تكون لإيران قواعد في الأراضي السورية بما في ذلك الأراضي التي تؤمّن لها ارتباطا مباشرا بـ“المربعات الأمنية” لـ“حزب الله” في لبنان.

هناك في الوقت الحاضر تفاهم في العمق بين روسيا وإسرائيل على استمرار الغارات على المواقع الإيرانية في سوريا. ليس معروفا إلى متى يمكن لإيران تحمل مثل هذا النوع من الغارات التي تستهدف أيضا شحنات السلاح التي تفرّغ في مطار دمشق.

لن يكون سهلا على إيران اتخاذ قرار يقضي بالخروج من سوريا، خصوصا أن مثل هذا القرار ستكون له انعكاسات في غاية السلبية على نظام يعاني من مشاكل داخلية كبيرة. تبدو هذه المشاكل مرشّحة للتفاقم مع الوقت، خصوصا في ظلّ الرغبة الأميركية في فرض عقوبات جديدة على نظام ولاية الفقيه الذي أسسه آية الله الخميني.

لم يعد خافيا على أحد أن الإدارة الأميركية لزّمت سوريا لفلاديمير بوتين، وهناك كلام عن رفع العقوبات عن روسيا إذا نجحت في إخراج الإيراني من سوريا. لو لم يكن الأمر كذلك، لكانت دعمت المعارضة في درعا ووفرت لعناصرها السلاح الذي تقاوم به تقدّم القوات المحسوبة على النظام من درعا والمنطقة المحيطة بها ومن معبر نصيب على الحدود الأردنية.

 كان كافيا أن تظهر صواريخ مضادة للطائرات مع المعارضة كي يفكّر الروسي مرتين قبل أن يشنّ أي غارة على درعا والقرى القريبة منها. ما تعنيه كلّ هذه التطورات المتسارعة، بما في ذلك الموقف الأردني المؤيد لما يجري في الجنوب السوري، أنّ الأزمة السورية دخلت مرحلة جديدة.

الأكيد أن الخروج من سوريا ليس خيارا إيرانيا. الأكيد أيضا أن مهمّة فلاديمير بوتين في إقناع إيران بالتخلي عن أحلامها السورية لن تكون سهلة. ما هو أكيد أكثر من ذلك كلّه أن بشار الأسد بات يدرك الثمن الواجب دفعه من أجل أن يبقى، ولو لفترة زمنية معيّنة في دمشق. هذا الثمن هو الجولان الذي صار عليه التخلي عنه، مثلما تخلّى في الماضي عن لواء الإسكندرون. كان الجولان أرضا “محتلة” وكان لواء الإسكندرون يسمّى “اللواء السليب”.

لكل شيء ثمنه في هذه الحياة. هل تدرك إيران أنها في مأزق عميق، وأن عليها بدورها أن تساهم هذه المرّة في مرحلة حماية النظام السوري الذي بات يعرف أنّ وجوده مرتبط بالرغبة الإسرائيلية في العودة إلى اتفاق فكّ الاشتباك للعام 1974، مع ما يعنيه من سنوات طويلة أخرى للوجود الإسرائيلي، القابل لأن يكون دائما، في الجولان وليس بشيء آخر غير ذلك؟

المصدر: جريدة العرب
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

GMT 22:14 2020 الخميس ,06 آب / أغسطس

أخبار عن اللاساميّة وماليزيا وآيا صوفيا

GMT 00:18 2020 الأربعاء ,05 آب / أغسطس

رسالة إسرائيلية.. أم إنفجار؟

GMT 03:49 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الموجة الجديدة من الحراك العربي

GMT 03:43 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان بين صيغتين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين اللواء السليب… والجولان المحتلّ بين اللواء السليب… والجولان المحتلّ



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 11:11 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الأسد يتحدث عن "أهداف بعيدة" للتصعيد شمال سوريا
 العرب اليوم - الأسد يتحدث عن "أهداف بعيدة" للتصعيد شمال سوريا

GMT 08:33 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي
 العرب اليوم - حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي

GMT 07:30 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود
 العرب اليوم - ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

تحذير من عقار لعلاج الربو يؤثر على الدماغ

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يحدث فى حلب؟

GMT 01:36 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عودة ظاهرة الأوفر برايس إلى سوق السيارات المصري

GMT 12:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت

GMT 02:12 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السفارة الروسية في دمشق تصدر بيانًا هامًا

GMT 00:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر أفضل ممثلة في "ملتقى الإبداع العربي"

GMT 10:19 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

يسرا تتفرغ للسينما بعد خروجها من دراما رمضان

GMT 15:37 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab