ثمن الحقد على الأردن

ثمن الحقد على الأردن

ثمن الحقد على الأردن

 العرب اليوم -

ثمن الحقد على الأردن

خير الله خير الله
بقلم - خير الله خير الله

يندرج إعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن أن بلده يعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفّة الغربية “غير مخالفة للقانون” في سياق سياسة محددة لواشنطن بدأت تتبلور مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. توجت هذه السياسة باعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل في كانون الأوّل – ديسمبر 2017 ونقل السفارة الأميركية إليها من تل أبيب لاحقا.

تصب هذه السياسةّ في الخروج من دور الوسيط في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لم تعد الإدارة الأميركية الحالية تؤمن بوجود عملية سلام في منطقة دخلت منعطفا جديدا في ضوء تراجع القضيّة الفلسطينية بشكل مستمرّ، خصوصا منذ العام 2003، وهو العام الذي حصل فيه الزلزال العراقي الذي ما زالت تردداته تفعل فعلها في المنطقة كلّها.

هناك عوامل عدّة أدت إلى وصول القضية الفلسطينية إلى ما وصلت إليه. لا شكّ أن حال اللاتوازن التي تسود في المنطقة جراء تسليم إدارة جورج بوش الابن العراق إلى إيران لعبت دورا مهمّا في جعل القضية الفلسطينية أقرب إلى قضيّة منسيّة. كانت هذه القضيّة في ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته شاغلة الناس ومالئة الدنيا، كانت القضيّة الأولى ليس في الشرق الوسط فحسب، بل في كلّ أنحاء العالم أيضا.

لعب ياسر عرفات دورا كبيرا في تحويل فلسطين إلى قضيّة كبيرة بفضل دبلوماسية نشطة استطاع من خلالها تجاوز أخطاء كثيرة، بحجم الجرائم، ارتكبها خصوصا في الأردن ولبنان وتجاه الكويت لدى وقوعها تحت الاحتلال العراقي في صيف العام 1990. كانت القضيّة الفلسطينية كبيرة إلى درجة سمحت لـ”أبوعمّار” بجعل العالم، بما في ذلك أميركا، يغض النظر عن كلّ أخطائه، بما في ذلك رهانه على أن صدّام حسين سينجو من نتائج مغامرته المجنونة في الكويت.

لا يمكن القول إن الفلسطينيين يدفعون فقط ثمن غياب شخص ياسر عرفات في مثل هذا الشهر من العام 2004 والفراغ الكبير الذي خلّفه. كذلك، لا يمكن القول أيضا إنّهم يدفعون ثمن التحولات التي طرأت على المجتمع الإسرائيلي نفسه الذي صار أسير اليمين المتطرف ولم يعد مهتمّا بأي سلام من أيّ نوع مع الفلسطينيين بعد العمليات الانتحارية التي نفّذتها “حماس” بتشجيع ودعم خارجيين. استهدفت العمليات الانتحارية مدنيين في الداخل الإسرائيلي، خصوصا في مرحلة ما بعد توقيع اتفاق أوسلو في خريف العام 1993.

إضافة إلى ذلك كلّه، لا يمكن بالطبع وضع كلّ اللوم على القيادة الفلسطينية الحالية التي لا حول لها ولا قوّة، خصوصا بعد استبعاد أي شخصية فلسطينية يمكن أن يكون لها وزن في الداخل الفلسطيني أو المنطقة أو العالم عن القرار السياسي. هناك ظروف تعيش في ظلها هذه القيادة، ظروف مرتبطة إلى حد كبير بحال الانقسام الفلسطينية التي يبقى وضع غزّة أبرز دليل عليها من جهة وطبيعة شخصية محمود عبّاس (أبومازن) الذي لا يتحمّل وجود أي قيادي له وزنه ودوره إلى جانبه من جهة أخرى.

في الواقع، يدفع الفلسطينيون حاليا ثمن العجز عن الاستفادة من الفرص التي اُتيحت لهم منذ قرار التقسيم في العام 1947، بل يدفعون أيضا عمليا ثمن غياب النضج العربي الذي تجلّى في القمة العربية التي انعقدت في الرباط في العام 1974 والتي توصلت إلى قرار يعتبر منظمة التحرير الفلسطينية “الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”. سحبت القمّة، بدفع من الرئيس الجزائري، وقتذاك، هواري بومدين من المملكة الأردنية الهاشمية حقّ التفاوض من أجل استرداد الضفّة الغربية والقدس الشرقية، علما أنّهما كانتا تحت السيادة الأردنية عندما احتلتهما إسرائيل في حزيران – يونيو 1967.

هناك عرب كثيرون أرادوا في تلك الأيّام الانتقام من الأردن بسبب دفاعه عن نفسه وطرده المسلحين الفلسطينيين من أراضيه في العام 1970 في ما سمّي عن غير وجه حقّ “أيلول الأسود”. لم يحافظ الملك حسين وقتذاك على الأردن فحسب، بل حمى القضية الفلسطينية عندما حال دون تحويل المملكة إلى “وطن بديل” للفلسطينيين، كما كان يشاء متطرفون إسرائيليون أو قادة فلسطينيون كانوا يتزعمون منظمات صغيرة تدّعي أنّها يسارية!

كانت النتيجة أن قرار اعتبار “منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني” شكّل هديّة من السماء إلى إسرائيل التي بدأ كبار المسؤولين فيها يتحدّثون عن الضفّة الغربية كأرض “متنازع عليها” وليست أرضا محتلّة كانت تحت السيادة الأردنية. هناك حاليا 700 ألف إسرائيلي يعيشون في مستوطنات الضفّة الغربية.

مع الزحف الاستيطاني الإسرائيلي، تغيّرت المعطيات على الأرض. لم يتفهّم العرب عموما والفلسطينيون خصوصا أهمّية عامل الوقت ولا أهمّية الاستفادة من دروس الماضي القريب. ففي العام 1974، لم تكن مرّت سوى سبع سنوات على حرب الأيّام الستة التي احتلت فيها إسرائيل الضفّة الغربية والجولان وسيناء. غلبت فكرة الانتقام من الأردن على كلّ ما عداها. تبدو مفهومة الرغبة الفلسطينية من الانتقام بسبب “أيلول الأسود”. أعمى الحقد وقتذاك القادة الفلسطينيين، بما في ذلك قادة “فتح” الذين لم يفهموا لماذا دافع الأردن عن نفسه كدولة ذات سيادة على أرضها ترفض قيام دولة أخرى ترفع شعار “طريق القدس يمرّ في عمّان”…

ما لا يبدو مفهوما هو غياب الوعي العربي لما يعني سحب ورقة استعادة الضفة الغربية والقدس الشرقية من الأردن وتسليمها إلى منظمة التحرير الفلسطينية التي لم تكن تمارس أي دور في الضفة الغربية لدى وقوع الاحتلال. لم يكن مفهوما أن استعادة الأرض كان يجب أن يكون الأولويّة… بدل البحث عن طريقة للانتقام من الأردن والملك حسين.

كان قرار اعتبار منظمة التحرير “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني” خطأ تاريخيا آخر ارتكبته المجموعة العربية. تدفع القضية الفلسطينية اليوم ثمن هذا الخطأ في ظلّ إدارة أميركية مأخوذة بهمومها الداخلية وبما يوفر شعبية لدونالد ترامب في أوساط اليمين الأميركي، خصوصا لدى مسيحيين متطرّفين قريبين من الصهيونية.

في المدى الطويل، سيظهر أنّ هناك قصورا أميركيا في فهم أن القضية الفلسطينية قضيّة شعب يمتلك هوية خاصة به وأن كلّ ما تفعله حاليا هو دفع الفلسطينيين في الضفّة إلى المطالبة بأن يكونوا مواطنين في دولة واحدة مع الإسرائيليين. هل تدفع إدارة ترامب عمليا في اتجاه تحويل إسرائيل إلى دولة عنصرية كما كانت عليه جنوب أفريقيا في الماضي القريب؟

أخطأ العرب في 1974. سهلوا عملية ضم إسرائيل لقسم من الضفة الغربية. لكن للولايات المتحدة مسؤولية أخلاقية لم يكن مفترضا أن تتخلى عنها مسايرة لليمين الإسرائيلي بأفقه السياسي المحدود… واليمين الأميركي الذي لا يعرف شيئا عن الشرق الأوسط وطبيعة الصراعات فيه.

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثمن الحقد على الأردن ثمن الحقد على الأردن



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 العرب اليوم - ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة
 العرب اليوم - ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان

GMT 10:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اثنان فيتو ضد العرب!

GMT 11:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صلاح يعبر عن استيائه من إدارة ليفربول ويقترب من الرحيل

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab