معاقبة إيرانية لمصطفى الكاظمي

معاقبة إيرانية لمصطفى الكاظمي

معاقبة إيرانية لمصطفى الكاظمي

 العرب اليوم -

معاقبة إيرانية لمصطفى الكاظمي

بقلم - خير الله خير الله

ليس اغتيال هشام الهاشمي المحلّل السياسي العراقي الخبير بالتنظيمات الإسلامية المتطرّفة السنّية والشيعية، اي من "داعش"... الى الفصائل التي يتألّف منها "الحشد الشعبي" وما شابه ذلك، حدثا عاديا باي مقياس. يعطي الاغتيال فكرة عن حجم التوتر الإيراني في العراق من جهة ومدى الانزعاج من مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي من جهة أخرى.

هناك قبل كلّ شيء رسالة واضحة موجّهة الى مصطفى الكاظمي الذي تجرّأ حيث لا يتجرّأ الآخرون. تجرّأ الكاظمي، على تحدّي ايران في العراق. كان الرجل بمثابة مفاجأة لإيران التي كانت تعتقد انّ لديها قناة اتصال مؤثرة او اكثر معه وانّ ليس واردا ان تستفيق الوطنية العراقية لديه، فيرفض ان يكون العراق مجرّد "ساحة" لمواجهة أميركية - ايرانية.

يعتبر رفض الكاظمي تحوّل العراق الى "ساحة" خطيئة لا يمكن لإيران ان تغفرها له. هناك طموح ايران لاستخدام العراق الى ابعد حدود في عملية خوض معاركها خارج الأراضي الإيرانية وبغير الإيرانيين. هذا ما تفعله في العراق، وهذا ما تفعله في سوريا، وهذا ما تفعله في لبنان، وهذا ما تفعله في اليمن. هذا أيضا ما كانت تفعله في البحرين حيث وجد من يضع نهاية لسلوكها.

ما لا يزال ينقص "الجمهورية الإسلامية" في ايران المعرفة العميقة بالعراق. ينقصها قبل ايّ شيء الاعتراف بانّها فشلت في تغيير طبيعة المجتمع العراق كلّيا، بما في ذلك الشيعة العرب الذين ولاؤهم للعراق دائما. لم تتفوّق العصبية المذهبية على كلّ ما عداها في العراق بعد.

ما زالت هناك عصبية للعراق، وهي عصبية ظهرت بوضوح في تشرين الاوّل – أكتوبر الماضي عندما انتفض الشعب العراقي، خصوصا في المناطق ذات الأكثرية الشيعية، بما في ذلك النجف، في وجه حكومة عادل عبدالمهدي. كان ملفتا ان المواجهة بين العراقيين وحكومة عبدالمهدي كانت في معظمها مع الشيعة العراقيين الذين نزلوا الى الشوارع في بغداد والبصرة والناصرية والنجف وكربلاء وأماكن أخرى لتأكيد ان العراق هو العراق وايران هي ايران. من يتذكّر ان العراقيين احرقوا القنصلية الإيرانية في النجف ثلاث مرّات؟ الأكيد انّ ايران تفضّل الّا تتذكّر ذلك.

لم يكتف الكاظمي بإعادة الضابط المحترف عبدالوهاب الساعدي الى موقع رئيس جهاز مكافحة الإرهاب الذي كان ابعد عنه في عهد حكومة عادل عبدالمهدي. ذهب الى ابعد من ذلك. وضع على الرفّ فالح الفيّاض مستشار الامن القومي الذي كان، في مرحلة معيّنة، احد مرشّحي ايران لتولي موقع رئيس الوزراء خلفا لعادل عبدالمهدي.

ليست عملية اغتيال هشام الهاشمي، الذي يعتبر من الحلقة الضيّقة المحيطة برئيس الوزراء، وليدة البارحة. الجريمة تتويج لسلسلة من الإشارات التي كان الهدف منها التأكيد للكاظمي بانّ عليه الامتناع عن التدخل في شؤون لا تعنيه، خصوصا انّه على رأس حكومة "انتقالية". من بين هذه الشؤون توقيف قوات الامن العراقية عناصر من "كتائب حزب الله" في جنوب بغداد كانت تعد لاطلاق صواريخ في اتجاه اهداف أميركية في العاصمة العراقية ومحيطها. ما لبث رئيس الوزراء العراقي ان وجد نفسه مجبرا على اطلاق المعتقلين في وقت نزل فيه متظاهرون من "الحشد الشعبي" الى الشارع وداسوا على صوره. كان قيس الخزعلي، احد قادة الميليشيات المذهبية العراقية المنضوية في "الحشد الشعبي" واضحا مع الكاظمي عندما عقد مؤتمرا صحافيا اكد فيه لرئيس الوزراء ان مهماته محصورة في تدبير الشؤون المعيشية للعراقيين بعيدا عن المسائل الكبيرة من نوع التصدي للاميركيين في العراق. مثل هذا الامر شأن خاص بالميليشيات المذهبية العراقية التي تحرّكها طهران. بكلام أوضح مطلوب من رئيس الوزراء العراقي الإقرار بانّ بلده مجرّد "ساحة" تلعب فيها ايران. المطلوب منه التخلي عن أي دور على الصعيد الوطني وعدم الاعتراض على ما تقوم به ايران عبر ادواتها العراقية. على العكس من ذلك، مطلوب منه توفير الحماية للميليشيات العراقية التابعة لإيران.

عوقب مصطفى الكاظمي على تصرّفاته. عوقب على تدخله في شؤون ايران في العراق. عوقب بسبب محاولته استرداد الدولة العراقية ومؤسساتها وحصر السلاح في يد الجيش العراقي. عوقب بسبب رهانه على العراقيين وليس على الميليشيات المذهبية العراقية. دفع هشام الهاشمي الثمن. لم يدفع الثمن لانه كان قريبا من الكاظمي فحسب، بل لانّه كان على صلة بعبدالوهاب الساعدي أيضا ولانّه كان يعرف الكثير من التفاصيل عن كلّ ما له علاقة بالادوات الإيرانية في العراق وغير العراق. الاهمّ من ذلك كلّه، انّه كان يعرف "الحشد الشعبي" من داخل ويعرف عمق التجاذبات بين الفصائل التي يتألّف منها والتي بدأت تطفو مع اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس. كان قاسم سليماني المفوّض السامي الايراني في العراق وكان أبو مهدي المهندس ضمانة، لا بديل منها، للدور الإيراني في العراق.

هناك جانب آخر للجريمة المرتكبة في بغداد. يتعلّق هذا الجانب بأهمّية بقاء العراق رهينة إيرانية. تظهر الجريمة الى أي حدّ يبدو النظام الإيراني مستعدا للذهاب بعيدا من اجل البقاء في العراق الذي يشكل بالنسبة اليه شريان الحياة لمشروعه التوسّعي وللنظام نفسه. فمن العراق انطلق المشروع التوسّعي مجددا في العام 2003 بعدما سلمت إدارة جورج بوش الابن البلد الى "الجمهورية الإسلامية". ما تبيّن مع مرور الوقت ان ايران التي اندفعت في مختلف الاتجاهات انطلاقا من بغداد، لم تدرك في ايّ وقت انّه سيأتي يوم تجد نفسها فيه في مواجهة عقوبات أميركية فعّالة وصحوة عراقية حقيقية في الوقت ذاته. هذا ما يفسّر تلك الاستماتة من اجل تفادي خروج العراق من تحت المظلّة الايرانية. هذا ما يفسّر ايضا الهجمة التي يتعرّض لها مصطفى الكاظمي الذي تخوض حكومته مفاوضات، في غاية الدقّة، مع الاميركيين تتعلّق بمستقبل وجودهم العسكري في داخل العراق.

ثمّة مرحلة دقيقة يمرّ فيها العراق. تفرض هذه المرحلة على رئيس الوزراء التساؤل عن مدى جدّية الدعم الأميركي والى أي حدّ يمكن لادارة ترامب استيعاب اهمّية العراق بالنسبة الى ايران حيث بات نظام الملالي يعرف تماما ان مستقبله مرتبط، الى حدّ كبير، بالعراق وسيطرته على بغداد.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معاقبة إيرانية لمصطفى الكاظمي معاقبة إيرانية لمصطفى الكاظمي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 15:50 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
 العرب اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم
 العرب اليوم - القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة
 العرب اليوم - ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
 العرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان

GMT 10:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اثنان فيتو ضد العرب!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab