بوتين يكتب التاريخ

بوتين يكتب التاريخ...

بوتين يكتب التاريخ...

 العرب اليوم -

بوتين يكتب التاريخ

بقلم - خيرالله خيرالله

بعد مرور سنة ونصف السنة على بداية الحرب الأوكرانية، يبدو الرئيس فلاديمير بوتين مصرّاً على متابعة تلك الحرب، على الرغم من أنّه خرج منها خاسراً. الأكيد أنّ توسيع الحرب لتصل إلى أماكن أخرى في العالم، بما في ذلك القارة الأفريقية، النيجر تحديداً، لا يغطي الخسارة.

لماذا يمكن القول إن روسيا خسرت الحرب الأوكرانيّة؟ الجواب أن تلك الحرب صارت حرب استنزاف لبلد كان رئيسه يعتقد أنّه سيكون قادراً على الحسم في غضون أيّام لا أكثر.

على الجيش الروسي الآن الدفاع عن الأجواء فوق أحد المطارات الكبيرة جنوب موسكو خوفاً من المسيّرات الأوكرانية. لم يعد وارداً العرض العسكري الذي كان كبار الضباط الروس ينوون تنظيمه في كييف في غضون عشرة أيام من بداية الحرب في فبراير 2022.

غرق بوتين في الوحول الأوكرانيّة. صارت مشكلته مع الشعب الروسي قبل أي شيء آخر، قبل المسيّرات الأوكرانية. بات عليه تغيير كتب التاريخ التي تدرس في الصفوف النهائية، أي صفوف ما قبل دخول الطالب الجامعة لتأكيد أن روسيا على حقّ في شنّ حرب على الشعب الأوكراني.

يتناول التاريخ أحداثاً جرت في الماضي. الأمر ليس كذلك في روسيا البوتينية.

اعتباراً من بدء السنة الدراسية الجديدة في الأول من سبتمبر المقبل، باتت كل المدارس الحكومية ملزمة تدريس مادة التاريخ في الصفوف النهائية وفقاً لكتاب مدرسي رسمي جديد جرى تأليفه بسرعة قياسية لم تتجاوز أربعة شهور.

كرّس الجزء الأكبر من الكتاب لاحداث تجري في الوقت الحاضر، تحديداً لما يسمى رسمياً «العملية العسكرية الخاصة» أي الحرب على أوكرانيا وقبلها احتلال شبه جزيرة القرم في 2014.

يقول خبير موثوق به في الشؤون الروسية إنّ الكتب المدرسية في الحقبة السوفياتية، كانت مليئة بصور أبطال الحزب الشيوعي والحرب الأهلية والحرب العالمية الثانية.

هذا الجزء من الكتاب المدرسي الجديد مليء بصور «أبطال» الجيش الروسي في أوكرانيا. يتناول الجزء الأول من كتاب التاريخ الجديد، الذي وضع بناء على طلب بوتين، التاريخ القريب منذ الحرب العالمية الأولى. يعتبر بوتين في هذا الجزء هزيمة روسيا في الحرب العالميّة الأولى «مؤامرة بلشفية».

في الجزء المكرس للحقبة السوفياتية، هناك إشادة في الكتاب المدرسي الجديد بهذه المرحلة مع تعامل سلبي في ما يخصّ مرحلة ميخائيل غورباتشوف الذي انتهى الاتحاد السوفياتي في عهده.

حصر بوتين والفريق التابع له كلّ تاريخ روسيا في كتاب التاريخ الجديد. ليس مطلوباً من الطلبة الروس قراءة كتب ودراسات أخرى تتناول تاريخ بلدهم من وجهات نظر متنوعة بغية توسيع ادراكهم وفهمهم للأحداث التاريخية.

صارت مثل هذه الممارسات التي تغني المعرفة لدى الطالب محظورة.

فاعتباراً من السنة الدراسية الجديدة سيكون كتاب التاريخ الجديد المصدر الوحيد الذي في متناول الطالب والمدرس اللذين عليهما الاستناد إليه من أجل فهم ما يدور في روسيا وحولها.

يكشف إصرار بوتين على متابعة الحرب، ولو عبر إعادة كتابة تاريخ روسيا، شخصية الرجل الذي يرفض الاعتراف بأنّه أخطأ.

في الواقع، ارتكب الرئيس الروسي سلسلة من الأخطاء بسبب عدم معرفته بالوضع الداخلي في أوكرانيا أوّلاً وعدم استيعابه أن جيشه لا يستطيع خوض حرب طويلة بأسلحته المتخلّفة التي لا تصلح سوى لقمع الشعوب، كما يحصل في سورية، على سبيل المثال وليس الحصر.

تكمن مشكلة بوتين في أنّ لا نظام في روسيا يسمح بمحاسبة رئيس على ما ارتكبه من أخطاء في بلد يرفض شعبه الحرب، أي حرب، خصوصاً عندما تصبح حرباً طويلة.

في البداية، كان المواطن الروسي متحمّساً للحرب التي كان بوتين يعتقد أنّها ستكون مقدّمة لتكريس عودة روسيا قوّة عظمى عن طريق استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي...

قبل فرض كتاب تاريخ جديد على الطالب الروسي، يفترض في بوتين قراءة التاريخ والاطلاع على وجهات النظر المختلفة في شأن العلاقة الطويلة بين روسيا وأوكرانيا وما إذا كان الشعب الأوكراني يريد بالفعل أن يكون بلده جزءاً من روسيا.

ليست لدى الرئيس الروسي دروس يستطيع اعطاءها في أي مجال من المجالات، خصوصاً أنّ الاتحاد السوفياتي الذي هو موضع اعجابه لم يقدّم شيئاً لا للشعوب السوفياتية ولا للإنسانيّة.

لا حاجة، في طبيعة الحال، إلى استعادة الدور الذي لعبه الكرملين في توريط جمال عبدالناصر، إضافة إلى النظام البعثي في سورية، في حرب 1967... التي انتهت بهزيمة مدوية للعرب مازالوا يعانون منها إلى يومنا هذا.

ألم يكن في استطاعة القيادة السوفياتية تحذير ضابط، مثل جمال عبدالناصر، آت من الريف إلى المدينة لا يعرف شيئا عن العالم، من عواقب التصعيد مع إسرائيل والسقوط في الفخّ الذي نصبته له؟

قبل إعادة كتابة التاريخ المعقّد لروسيا وتجميعه في كتاب وحيد تمهيداً لفرضه على الطالب الروسي، كان من الأفضل اعتراف فلاديمير بوتين بأنّ عليه الاعتذار من الشعب الروسي على توريطه في حرب لا أفق سياسياً لها.

لن يقدّم غسل دماغ المواطن الروسي في شيء. على العكس من ذلك، سيزيد كتاب التاريخ الجديد الاحتقان في داخل روسيا، بغض النظر عمّا إذا كان الهجوم المضاد الأوكراني يتقدّم أم لا.

يواجه هذا الهجوم المضاد صعوبات، لكنّ الثابت أنّ الغرب، على رأسه أميركا، لا يمكن السماح لبوتين بوضع اليد على أوكرانيا.

مثل هذا الأمر ليس مسموحاً به نظراً إلى أن وضع روسيا يدها على أوكرانيا سيعني أن كلّ دولة أوروبيّة، بما في ذلك بولندا ودول البلطيق (ليتوانيا واستونيا ولاتفيا) ستجد نفسها مهدّدة مباشرة.

ستكتب الأحداث الدائرة على الأرض التاريخ الحديث لروسيا.

سيكون مكان لبوتين في هذا التاريخ عندما يأتي موعد تدوينه في المستقبل القريب أو البعيد.

الأكيد أنّ هذا المكان لن يروق للرئيس الروسي الذي تشبه شخصيته شخصية ستالين أكثر من أي شيء آخر.

 

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوتين يكتب التاريخ بوتين يكتب التاريخ



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:02 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتجديد المنزل في فصل الشتاء
 العرب اليوم - أفكار لتجديد المنزل في فصل الشتاء

GMT 02:02 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم
 العرب اليوم - أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم

GMT 07:41 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مجلس الأمن يصوت على مشروع قرار يدعو إلى وقف النار في السودان
 العرب اليوم - مجلس الأمن يصوت على مشروع قرار يدعو إلى وقف النار في السودان

GMT 09:10 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أزمة جديدة تُعيق عودة هاني سلامة للسينما
 العرب اليوم - أزمة جديدة تُعيق عودة هاني سلامة للسينما

GMT 06:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29
 العرب اليوم - غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 01:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العنف فى المدارس !

GMT 05:45 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 02:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 08:22 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل جندي إسرائيلي من لواء كفير برصاص قناص شمال قطاع غزة

GMT 07:19 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 4.7 درجات يضرب أفغانستان في ساعة مبكرة من اليوم

GMT 13:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مستوطنون يحتلون مسجداً ويبثون منه أغنيات عبرية

GMT 06:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يحذّر من حقبة "تغيير سياسي كبير" بعد فوز ترامب

GMT 13:36 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"تسلا" تستدعي 2400 شاحنة من "Cybertruck" بسبب مشاكل تقنية

GMT 22:39 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سقوط قنبلتين ضوئيتين في ساحة منزل نتنياهو

GMT 16:54 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد فهمي ضيف شرف سينما 2024 بـ 3 أفلام

GMT 14:15 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد أمين يعود بالكوميديا في رمضان 2025

GMT 14:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

هند صبري تكشف سر نجاحها بعيداً عن منافسة النجوم

GMT 07:39 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات إسرائيلية تقتل 20 فلسطينياً في وسط وجنوب قطاع غزة

GMT 18:37 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت التعليق على الطعام غير الجيد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab