من اطرف ما ورد في الحديث الذي ادلى به رئيس الجمهوريّة ميشال عون الى صحيفة "نداء الوطن" المحسوبة على "القوات اللبنانيّة" التي يُعتبر قائدها سمير جعجع العدوّ اللدود لـ"التيار العوني" كلام رئيس الجمهوريّة عن صهره جبران باسيل. نقلت الصحيفة، التي يعبّر الحديث الذي اجرته مع ميشال عون تمتّعها بمقدار كبير من الروح الرياضيّة، عن رئيس الجمهوريّة قوله: "لأيّ كان الحقّ في ان يطمح للرئاسة... واذا كان جبران باسيل طامحا للرئاسة، فيجب ان يكون كفوءا، لكنّهم يخافون منه لأنّه تربيتي ولا يقايض".
قبل كلّ شيء، لا يمكن الّا الاعتراف بأهمّية مثل هذه التربيّة التي اشرف عليها ميشال عون. يكفي انّها أوصلت جبران باسيل الى عقوبات أميركية بموجب قانون ماغنتسكي المرتبط بالفساد!
يمكن وضع الفساد جانبا، خصوصا انّ الإدارة الاميركيّة لم تفصح عن مآخذها على صهر رئيس الجمهوريّة والاثباتات التي لديها، لكنّ الثابت ان ملفّا مثل ملفّ الكهرباء التي هي في عهدة جبران باسيل منذ ما يزيد على 12 عاما قد يفتح في يوم من الايّام ويكشف العجائب. سيكشف، في طبيعة الحال، عن صفقات معيّنة والأسباب الحقيقية لانقطاع الكهرباء عن اللبنانيين. سيكشف حتما كيف زاد دين الخزينة اللبنانيّة 45 مليار دولار من اجل ان يكون البلد من دون كهرباء!
اذا كانت هذه تربية ميشال عون، فكل ما يمكن قوله: نِعم التربيّة. يا لها من تربية تأخذ الى عقوبات اميركيّة يبرّرها جبران باسيل، "الذي لا يقايض"، بالعلاقة التي أقامها مع "حزب الله". كلّ ما في الامر ان ميشال عون وجبران باسيل، وهما الثنائي الموجود في موقع رئيس الجمهوريّة لا يتجرّآن على أي مقايضة. يعرف كلاهما معنى التذاكي على "حزب الله". يعرف الاثنان، خصوصا بعد سنوات طويلة من العلاقة مع الحزب الذي ليس سوى لواء في "الحرس الثوري" الإيراني، ان الدخول في علاقة مع تنظيم عسكري من هذا النوع شيء والخروج منها شيء آخر.
لعلّ اهمّ ما في الحديث الصحافي مع ميشال عون كشفه ان رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة يعيش في عالم خاص به لا علاقة له بما يدور على ارض الواقع في لبنان وفي المنطقة. يقول الواقع، أنّ لا اجندة في لبنان غير اجندة "حزب الله" الذي بات يتحكّم بكلّ مفاصل الدولة اللبنانيّة ومؤسساتها. لا يمتلك رئيس الجمهوريّة ما يكفي من الجرأة للاعتراف بالواقع الذي يقول أيضا أنّه
لم يعد في لبنان سوى مرجعيّة واحدة اسمها "حزب الله" الذي ينفّذ مصالح "الجمهوريّة الاسلاميّة" الإيرانية بصفة كونه لواء في "الحرس الثوري" الإيراني.
كيف يمكن ان يكون هناك مستقبل لبلد يتقرّر مستقبله في طهران التي لا علاقة لمصالحها بمصالح لبنان واللبنانيين؟ من لديه ايّ اعتراض على هذا الكلام يستطيع ان يسأل نفسه اين مصلحة لبنان في الحملة التي شنّها الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله على المملكة العربيّة السعوديّة في مناسبة الذكرى الثانية لتصفية الاميركيين لقاسم سليماني، قائد فيلق القدس" في "الحرس الثوري"؟ اين مصلحة لبنان في سكوت رئيس الجمهوريّة وشريكه في الرئاسة، أي صهره، وفي اكتفاء رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي بنوع من العتاب الخجول لحسن نصرالله؟ لم يتقبّل الحزب عتابا خجولا ومهذّبا، لا لشيء، سوى لوضع نجيب ميقاتي بعض النقاط على بعض الحروف. كانت النتيجة حملة شعواء على رئيس مجلس الوزراء السنّي الذي عليه من وجهة النظر الإيرانية معرفة حدوده في التعاطي مع "حزب الله". ربّما على نجيب ميقاتي السير في خطّ جبران باسيل الذي قال في ظهور أخير له انّ "السيد حسن (حسن نصرالله) له مكانة خاصة عندي في العقل والقلب".
ليس حديث ميشال عون للصحيفة المحسوبة على "القوّات اللبنانيّة" سوى هرب من مواجهة الحقيقة المرّة التي يعيش في ظلّها لبنان. إضافة الى ذلك، ليس الحديث سوى تابع للمشهد السياسي المتسم بالفوضى والذي ظهر على السطح في السنة 2021. تشكّلت العام الماضي حكومة يسيطر عليها عمليّا الثنائي الشيعي. على الرغم من كلّ المؤهلات التي يمتلكها نجيب ميقاتي، الذي يعرف المنطقة والعالم، لم يقدّم ذلك ولم يؤخّر. كلّ ما في الامر انّ "حزب الله" يريد التحكّم بالتحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت وكلّ شاردة وواردة في البلد، بما في ذلك المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من اجل إيجاد مخرج من الازمة الاقتصادية التي أدت الى انهيار كامل للبنان. لم يعد سرّا ان الحزب يرفض ان يكشف التحقيق لماذا خُزّنت أطنان من نيترات الامونيوم في احد عنابر المرفأ طوال سنوات ومن كان يستطيع اخراج كميات معيّنة من هذه المادة لاستخدامها في سوريا او غير سوريا ساعة بشاء!
عندما يكون لبنان من دون مرجعيّة باستثناء مرجعيّة "حزب الله"، يصبح كلّ شيء ممكنا، بما في ذلك غياب من ينظّم الخراب في البلد. حقيقة الوضع اللبناني في مكان آخر. تتمثّل هذه الحقيقة في ان لبنان لم يعد لبنان وأنّ الثنائي ميشال عون – جبران باسيل الذي يشغل موقع رئيس الجمهوريّة لا همّ لديه سوى ان يكون في خدمة "حزب الله" وعند حسن ظنّه، فيما لم يعد من مهمّة لرئيس مجلس الوزراء السنّي غير محاولة ترقيع ثوب مهترئ.
بلغت درجة الاهتراء انّ "حزب الله" يريد القول للعالم، باسم ايران، في كلّ يوم ان لبنان ورقة في يد "الجمهوريّة الاسلاميّة" وان افراد القوات الدولية الموجودة في الجنوب ليست سوى رهائن لدى الحزب. هل صدفة الهجوم الذي تعرّضت له اخيرا القوات الدوليّة في بنت جبيل على يد "الأهالي"، أي على يد "حزب الله"؟
يستطيع رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة الادلاء بكل الاحاديث الصحافيّة التي يشاء، لم يشاء. ما لا يستطيعه هو الاعتراف بحقيقة انّ لا مهمّة لديه سوى تغطية الهيمنة الايرانيّة على لبنان، وهي هيمنة تمارس بواسطة سلاح "حزب الله"... كل ما بقي تفاصيل في وقت ضائع بات مطروحا فيه هل بقي شيء من رئاسة الجمهوريّة في لبنان كي يصبح في موقع الرئاسة شخص عليه عقوبات اميركيّة؟