الممكن والمستحيل في اليمن

الممكن والمستحيل في اليمن

الممكن والمستحيل في اليمن

 العرب اليوم -

الممكن والمستحيل في اليمن

خير الله خير الله

آن أوان مواجهة الواقع الاليم في اليمن كلّه. في مقدّم ما لا مفرّ من مواجهته ان العودة الى الوحدة اليمنية لم تعد ممكنة. كذلك، يستحيل احياء دولة ما كان يسمّى اليمن الجنوبي الذي حمل في مرحلة معيّنة تسمية "جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية". متى توافرت الجرأة الكافية للتعاطي مع الوضع اليمني من منطلقات جديدة لا علاقة لها بالماضي، يصبح في الإمكان البحث عن صيغة جديدة لبلد تشظّى عمليا بعدما سقط ما كان يسمّى "المركز"، أي مدينة صنعاء.

لماذا سقطت الوحدة؟ كان علي عبدالله صالح، بكلّ ما له وما عليه، وعليه من دون شكّ الكثير كما له الكثير، اوّل رئيس لدولة الوحدة، كما انّه آخر رئيس لدولة اليمن الواحد. تحققت الوحدة في ايّار – مايو من العام 1990. عمليا، عاشت الوحدة واحدا وعشرين عاما. هناك رأي آخر يقول انّها لم تستمرّ اكثر من اربع سنوات، عندما عاد الشريك الآخر في الوحدة علي سالم البيض عن نهاية الوحدة مع اندلاع حرب ربيع – صيف 1994 التي كان البيض خلالها في عدن.

تغيّر اليمن الواحد بعد حرب 1994 التي انتهت بسقوط عدن في يد القوات الموالية لعلي عبدالله صالح. انتهت مرحلة امتدت لاربع سنوات كان فيها نوع من التوازن بين الشمال والجنوب، بين علي عبدالله صالح من جهة وما كان يمثله علي سالم البيض من جهة أخرى، بصفة كونه الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يحكم الجنوب قبل الوحدة.

في غياب هذا التوازن، بسطت القوانين التي كانت تحكم الجمهورية العربية اليمنية، أي اليمن الشمالي، نفسها على اليمن كلّه في ظل محاولات واضحة للاخوان المسلمين لايجاد توازن جديد على صعيد الدولة الموحّدة. سعى الاخوان المسلمون، الذين كانوا يشكلون الجناح الأقوى في حزب التجمع اليمني للإصلاح، الى الحلول مكان الاشتراكي في معادلة تقاسم السلطة. تمّ لهم ذلك بعد وفاة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر زعيم قبيلة حاشد الذي كان أيضا يتزعم حزب الإصلاح.

كانت شهيّة الاخوان الى السلطة وراء ضياع موقع صنعاء التي دخلها الحوثيون في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014 واعلنوا حلول نظام جديد مكان النظام الجمهوري الذي اعلن في 26 أيلول – سبتمبر 1962. اعلن الحوثيون صراحة انّ الامامة عادت الى اليمن من بوابة صنعاء التي فتحها لهم سقوط محافظة عمران معقل آل الأحمر، زعماء حاشد. في الواقع بدأت نهاية صنعاء، كمركز القرار على صعيد اليمن كلّه، مع الانقلاب الذي باشره الاخوان المسلمون في شباط – فبراير 2011  على عبدالله صالح. كان هدفهم التخلّص منه والحلول مكانه. لم يخف حميد، نجل الشيخ عبدالله الأحمر، طموحاته الرئاسية يوما. كذلك الفريق علي محسن صالح الأحمر، وهو من أقرباء علي عبدالله صالح، الذي انضمّ الى الحملة التي شنّها الاخوان على الرئيس اليمني وقتذاك. توجت الحملة بمحاولة اغتيال لعلي عبدالله صالح في الثالث من حزيران – يونيو من تلك السنة.

انتهى دور صنعاء قبل ان يدخلها الحوثيون في خريف العام 2014. انتهى الدور عندما تواجه داخل اسوارها انصار علي عبدالله صالح وانصار الاخوان المسلمين في 2011. امّا دور عدن كعاصمة لدولة الجنوب، فانتهى على مراحل. في نهاية المطاف، ان تاريخ دولة الجنوب منذ استقلّت في العام 1967 وحتّى يوم اعلان الوحدة من عدن، كان سلسلة من الحروب الاهلية والاغتيالات ذهب ضحيتها كثيرون. لم يكن اليمن الجنوبي، كدولة مستقلّة في يوم من الايّام، سوى كيان غير قابل للحياة. لو لم يكن كذلك، لما كان انهيار "جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية" في كانون الثاني – يناير 1986 إشارة الى بدء انهيار الاتحاد السوفياتي. عاشت دولة اليمن الجنوبي في ظلّ الحرب الباردة وانتهت مع انتهاء الحرب الباردة. ما ادّى عمليا الى الوحدة في 1990 هو ما يسمّى "احداث 13 يناير 1986". كشفت تلك الاحداث ان القبائل الماركسية تبقى قبائل وان دولة الجنوب لم تكن قائمة الّا بفضل الاستثمار السوفياتي في تلك الدولة. كذلك، كشفت احداث اليمن الجنوبي في مطلع 1986 والمواجهات بين ابين وشبوة من جهة والمحافظات اليمنية الجنوبية الأخرى، على رأسها عدن ولحج وحضرموت من جهة أخرى، بداية سقوط الاتحاد السوفياتي وذلك قبل نحو ثلاثة اشهر من حادث المفاعل النووي في تشيرنوبيل في السادس والعشرين من نيسان – ابريل من السنة ذاتها.

ما يدعو الى الحديث عن مستقبل عدن، هذه الايّام، أحلام اليقظة لدى الداعين الى استعادة دولة الجنوب. لا يدري هؤلاء ان في الإمكان استعادة مدينة عدن ومحيطها القريب، لكنه يستحيل استعادة دولة الجنوب بمحافظاتها الست (عدن ولحج وابين وشبوة وحضرموت والمهرة). هناك مكان لعدن في كيان جديد في ظلّ دولة فيديرالية او كونفيديرالية. لكن ان تعود عدن وحضرموت في ظل دولة واحدة، فهذا من رابع المستحيلات، تماما مثلما لا يمكن ان يعود اليمن موحدا ومحكوما من المركز في صنعاء.

هناك الممكن وهناك المستحيل في اليمن وذلك بعيدا عن كلّ الشعارات التي تطلق هذه الايّام من هذا الطرف اليمني او ذاك. هناك واقع جديد في عدن، تماما كما هي الحال في كلّ منطقة من مناطق اليمن. هل يمكن تطوير هذا الواقع وتحويل المدينة بمينائها المهم بموقعه الاستراتيجي ومطارها والمناطق المحيطة بها الى مكان آمن يمكن ان يعيش فيه اليمنيون في ظروف معقولة؟ هذا هو التحدي المطروح امام المجلس الانتقالي. امّا بالنسبة الى مستقبل اليمن، فهو لن يتقرّر الّا في ظل حوار بين كل الأطراف المعنيين من الذين يمتلكون ثقلا على الأرض في مؤتمر وطني قد ينعقد في يوم من الايّام.

لن يكون سهلا تجاوز الحوثيين الذين لديهم وجودهم في الشمال اليمني، ولن يكون سهلا تجاهل انّ الشمال ليس الحوثيين وحدهم. فضلا عن ذلك، لا مجال للتغاضي عن ان عدن اقرب الى تعز من حضرموت. فوق ذلك كلّه، لم يعد سهلا الجمع بين المدينتين الأكبر، أي بين صنعاء وتعز، وذلك بعدما تكرّس الشرخ المذهبي بفضل الاخوان المسلمين والحوثيين في بلد لم يعرف في الماضي أي حساسيات في هذا المجال.

يبدو ما شهدته عدن حديثا، حيث انكشف ضعف ما يسمّى "الشرعية" وهزالها، نقطة تحوّل يمكن ان تستغلّ من اجل القول ان في الإمكان استعادة عدن بعضا من مجدها عبر توفير الخدمات الضرورية والامن المطلوب لاهلها. هذا هو التحدي الحقيقي امام المجلس الانتقالي وليس تحدي إعادة الحياة الى ميت هو دولة الجنوب في مرحلة ما قبل الوحدة.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الممكن والمستحيل في اليمن الممكن والمستحيل في اليمن



الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:35 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

طريقة طهي الخضروات قد تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب

GMT 08:59 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

خاسران في سورية... لكن لا تعويض لإيران

GMT 08:06 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

«بنما لمن؟»

GMT 08:54 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 06:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 12:58 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

كريم عبد العزيز يفاجئ الجمهور في مسرحيته الجديدة

GMT 09:18 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 09:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 08:55 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

المشهد اللبناني والاستحقاقات المتكاثرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab