الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

 العرب اليوم -

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

بقلم _خير الله خير الله

تدفع تونس ثمن عدم إعداد نفسها داخليا للمرحلة المقبلة، مرحلة ما بعد الباجي قائد السبسي. كان مفترضا في الباجي، عندما كان لا يزال يتمتّع بقواه الجسدية أواخر العام 2014 وضع طموحاته الرئاسية جانبا واختيار شخصية أخرى موثوق بها لتكون في موقع رئيس الجمهورية. بدل الإقدام على مثل هذه الخطوة الجريئة، أصرّ الرجل في العام 2014 على الترشح على الرغم من أنه كان في الثامنة والثمانين من العمر.

بقي الباجي حتى إصابته بوعكة صحّية في السابع والعشرين من حزيران – يونيو الجاري يتمتع بكلّ قواه العقلية. لكنّ ذلك ليس كافيا للقول إنّه أدّى الدور المطلوب منه في هذه المرحلة الدقيقة التي تمرّ فيها تونس. فالسؤال المطروح الآن بحدّة مرتبط إلى حدّ كبير بمن سيخلف الباجي قائد السبسي في حال حصول فراغ سياسي أو حتّى في حال استطاع إكمال ولايته الرئاسية التي تنتهي آخر هذه السنة.
 
من المقرّر إجراء انتخابات رئاسية في تشرين الثاني – نوفمبر المقبل في ظلّ انقسامات عميقة تعاني منها القوى التي وقفت إلى الآن حاجزا حال دون سقوط تونس في يد “حركة النهضة”. ليست “النهضة” سوى فرع من فروع تنظيم الإخوان المسلمين، على الرغم من كلّ المحاولات التي يبذلها راشد الغنوشي للظهور في مظهر مختلف يجعله مقبولا أوروبيا.

لا يمكن في طبيعة الحال وضع كلّ المسؤولية، في ما يخص الوضع التونسي، على الباجي. فهو، مثله مثل الأكثرية الساحقة من السياسيين في عالمنا هذا، يمتلك شهوة لا حدود لها إلى السلطة. زاد من صعوبة وضعه الشخصي عجزه عن إيجاد خليفة له من داخل حزبه (نداء تونس). كان رهانه على نجله حافظ قائد السبسي الذي سجّل فشلا ذريعا في محاولته جمع الحزب حوله، بل لعب دورا في شق “نداء تونس”. لا يمتلك حافظ شيئا من تاريخ والده ولا من ثقافته السياسية ما يجعل التونسيين يعتبرونه مؤهلا ليكون الرئيس المقبل لتونس أو زعيم “نداء تونس”.

كلّ ما يحدث في تونس حاليا يثير القلق. في يوم واحد كانت الوعكة الصحية التي تعرّض لها رئيس الجمهورية الذي نقل إلى المستشفى العسكري، وما رافقها من إشاعات… وكان وقوع عمليتين إرهابيتين. كانت إحداهما في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة، فيما استهدفت الأخرى قوّة مكافحة الإرهاب. لم تسفر العمليتان عن خسائر كبيرة، لكنّ الملفت كان إعلان “داعش” مسؤوليته عنهما.

يشير ذلك إلى أن خطر “داعش” ما زال قائما أوّلا وإلى وجود حاضنة لهذا التنظيم في تونس ثانيا وأخيرا. ما لا يمكن تجاهله في أيّ لحظة هو أن عدد التونسيين الذين التحقوا بـ”داعش” كبير جدا. وهذه ظاهرة لا بدّ من التوقف عندها والتساؤل لماذا كلّ هذا الإقبال التونسي على “داعش”؟ ما الذي جعل الآلاف من التونسيين يلتحقون بهذا التنظيم الإرهابي على الرغم من كلّ الجهود التي بذلت في عهدي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي من أجل تطوير الوعي في أوساط المجتمع التونسي؟

لا حاجة إلى الذهاب بعيدا من أجل الحصول على جواب عن مثل هذا النوع من الأسئلة المتعلّقة بوجود “داعش” في تونس. هناك “حركة النهضة” التي عملت في ثمانينات القرن الماضي على تقويض عهد بورقيبة والقضاء على كل إنجازات هذا العهد. لا شكّ أن بورقيبة نفسه يتحمّل مسؤولية كبيرة في كل ما حصل عندما أصرّ على أن يكون رئيسا لمدى الحياة. كانت تلك خطيئته الكبيرة. انتهى به الأمر إلى أن أصبح أسير زوجته وسيلة بن عمار التي طلّقها في العام 1986، في مرحلة ما، ثم قريبته سعيدة ساسي إلى حين حصول حركة التغيير التي قام بها زين العابدين بن علي، مع ضابطين آخرين، في السابع من تشرين – الثاني نوفمبر 1987.

في عهدي بورقيبة وبن علي، لعبت “النهضة” كلّ الأدوار المطلوب منها لعبها كي تكون تونس حاضنة لجماعات أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها متطرّفة. مؤسف أن بورقيبة انتهى تلك النهاية المأساوية بعدما عجز عن الإعداد لمرحلة ما بعد انتهاء عهده. ما ينطبق على بورقيبة ينطبق على بن علي الذي ارتكب خطيئة كبيرة أيضا عندما أصبح أسير زوجته ليلى طرابلسي وإخوتها بدل العمل على قيام نظام ديمقراطي تتكوّن في إطاره أحزاب حقيقية تمتلك وزنا شعبيا.

ما هو مؤسف أكثر من ذلك كلّه أن الباجي قائد السبسي لم يتعلّم شيئا من تجربتي بورقيبة وبن علي. يكفي إصراره على أن يكون رئيسا للجمهورية وهو في سن الـ88 للتأكد من أن هناك خطأ ما، بل خطيئة، في سلوكه السياسي. يدلّ على ذلك ما آلت إليه أوضاع تونس اليوم بعد دخوله المستشفى من جهة والعمليتين الإرهابيتين لـ”داعش” من جهة أخرى. لم يعمل الباجي قائد السبسي على التأسيس لمرحلة ما بعد الباجي قائد السبسي. لذلك، دخلت تونس في المجهول بمجرّد دخوله المستشفى.

المخيف في الأمر، أن “النهضة” تبدو الجهة الوحيدة المهيّأة للعب دور سياسي في المستقبل. لا يساوي “نداء تونس” شيئا من دون الباجي ولا يساوي المنشقّون عن “نداء تونس” الكثير في حال كان عليهم مواجهة حركة تمتلك أجهزة أمنية خاصة بها. هناك ألف تساؤل وتساؤل عن دور “النهضة” والمحتمين بها في عمليتي اغتيال الناشطين السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في العام 2013. صحيح أن لا وجود لإثباتات تؤكّد ارتباط “النهضة” بالاغتيالين، لكنّ جهات عدّة وجهت إليها اتهامات صريحة في هذا الصدد.
 
بدأ “الربيع العربي” من تونس في أواخر العام 2010. شكلت تونس، في ضوء ما حصل في مصر وليبيا واليمن، الأمل الوحيد بأن يكون التخلص من زين العابدين بن علي سيؤدي إلى قيام نظام أفضل. لا شكّ أن التونسيين استطاعوا إلى الآن تحقيق الكثير، بما في ذلك إقرار دستور عصري. كذلك تصدوا لمحاولة منع صدور قوانين تؤمّن للمرأة حقوقها. يكفي أنّهم لم يمكنوا “النهضة” من التحكّم بالبلد. لكن تقصير الباجي قائد السبسي في الإعداد لمرحلة ما بعد مغادرته يشكل خطأ لا يغتفر، خصوصا في غياب الجهة التي ستكون قادرة على التصدي لـ”النهضة” في الأشهر القليلة المقبلة.

ليس معروفا بعد هل ستبادر “النهضة” إلى ترشيح أحد أعضائها ليكون رئيسا للجمهورية في تشرين الثاني – نوفمبر المقبل أم ستلجأ إلى واجهة لها عن طريق ترشيح رئيس الوزراء الحالي يوسف الشاهد؟ الأكيد أن اللاعب الأساسي في غياب الباجي قائد السبسي هو “النهضة” في بلد أبعد الجيش نفسه، في معظم الأحيان، عن السياسة.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة
 العرب اليوم - السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 10:19 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

يسرا تتفرغ للسينما بعد خروجها من دراما رمضان
 العرب اليوم - يسرا تتفرغ للسينما بعد خروجها من دراما رمضان

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

تحذير من عقار لعلاج الربو يؤثر على الدماغ

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يحدث فى حلب؟

GMT 01:36 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عودة ظاهرة الأوفر برايس إلى سوق السيارات المصري

GMT 12:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت

GMT 02:12 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السفارة الروسية في دمشق تصدر بيانًا هامًا

GMT 00:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر أفضل ممثلة في "ملتقى الإبداع العربي"

GMT 10:19 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

يسرا تتفرغ للسينما بعد خروجها من دراما رمضان

GMT 15:37 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab