مشروع رفيق الحريري… هزم القتلة

مشروع رفيق الحريري… هزم القتلة!

مشروع رفيق الحريري… هزم القتلة!

 العرب اليوم -

مشروع رفيق الحريري… هزم القتلة

بقلم : خير الله خير الله

كان اغتيال رفيق الحريري قبل 20 عاماً إيذاناً بحرب جديدة تستهدف إلغاء لبنان عبر قتل مشروع إعادة الحياة إلى البلد على غرار إعادة الحياة إلى بيروت بكلّ ما ترمز إليه. صدّ لبنان الحرب التي استهدفته. لم يربح بعد الحرب التي شُنّت عليه باسم “المقاومة”، لكنّه خسر رفيق الحريري الذي يظلّ مشروعه المحاولة الوحيدة لإعادة وضع لبنان على خريطة المنطقة والعالم… وإعادة لبنان بعمقه العربي إلى اللبنانيين، جميع اللبنانيين، إلى الشيعي والمسيحي قبل السنّيّ.

 

 

قتلوا رفيق الحريري. القتلة معروفون. لكنّ هؤلاء القتلة لم يتمكّنوا من مشروعه الذي هزمهم. إنّه المشروع الذي لا خيار آخر أمام العهد الجديد في لبنان غير العودة إلى خطوطه العريضة التي تستند إلى ربط البلد بكلّ ما هو حضاري في هذا العالم… بدل أن يكون لبنان ضاحية فقيرة من ضواحي طهران، كما شاء “الحزب” وتوابعه.

خسر لبنان رفيق الحريري، لكنّه لم يخسر نفسه بفضل ما بناه الرجل، بفضل رؤيته المستقبلية، التي عمّرت خمس سنوات تقريباً. بين نهاية 1992 ومنتصف 1998 عندما انتخب إميل لحّود رئيساً للجمهورية في سياق حرب إيرانيّة – سوريّة على رفيق الحريري. جُنّد في تلك الحرب بشار الأسد، الذي كان يجري تحضيره لخلافة والده، تمهيداً لوضع اليد الإيرانيّة على سوريا ولبنان في آن.
قتلوا رفيق الحريري. القتلة معروفون. لكنّ هؤلاء القتلة لم يتمكّنوا من مشروعه الذي هزمهم

استطاع رفيق الحريري إعادة بناء جزء كبير من البنية التحتية بأقلّ مقدار ممكن من الاستدانة وأكبر مقدار ممكن من الفعّاليّة. فعل ذلك على الرغم من كلّ الحملات التي شُنّت عليه من كلّ حدب وصوب. اغتيل سياسياً ومعنوياً قبل اغتياله جسدياً. تبيّن أنّه كان على حقّ عندما قال لي شخصيّاً مساء السبت، قبل أقلّ من 48 ساعة من تفجير موكبه: “من سيغتالني مجنون”. كان ذلك في منزله في قريطم حيث سألني عن مدى جدّية التهديدات التي تستهدفه، فأجبته أنّها “أكثر من جدّيّة”. زدت على ذلك ردّاً على سؤاله: “هل النظام السوري عاقل أم مجنون؟”. إنّ هذا النظام “بقي عاقلاً إلى اليوم الذي قرّر فيه التمديد لإميل لحّود في رئاسة الجمهوريّة على الرغم من صدور القرار 1559.”

في الواقع، ما كنت لأجازف بالقول إنّ النظام السوري لم يعد عاقلا لولا لقاء لي مع بشّار الأسد، قبل وفاة والده بأسابيع. اكتشفت في اللقاء الذي استمرّ ثلاث ساعات، في حضور شاهد، أنّ بشّار شخص متهوّر لا علاقة له بما يدور في المنطقة ولا بما يدور في العالم. يقول بشّار الشيء وعكسه في غضون دقائق قليلة. زادت قناعتي بأنّه سيقدم على عمل مجنون مثل تغطية جريمة اغتيال رفيق الحريري وجرائم أخرى. معلومات بلغتني لاحقاً من شخص موثوق به فحواها أنّ خليفة حافظ الأسد “معجب بحسن نصرالله وبات تحت تأثيره”.
استطاع رفيق الحريري إعادة بناء جزء كبير من البنية التحتية بأقلّ مقدار ممكن من الاستدانة وأكبر مقدار ممكن من الفعّاليّة

ما حقّقه رفيق الحريري للبنان كان أقرب إلى معجزة من أيّ شيء آخر. مضى عشرون عاماً على غيابه ولا يزال حاضراً أكثر من أيّ وقت، خصوصاً بعد كلّ ما شهده اللبنانيون في عقدين كان فيهما الهمّ الأوّل لـ”الحرس الثوري” الإيراني، عبر أداته اللبنانيّة، تدمير كلّ مؤسّسة لبنانية وكلّ رموز لبنان. هذا ما فهمه رفيق الحريري باكراً، أي قبل تسلّمه مهمّات رسمية. لذلك دعم المجتمع اللبناني عن طريق التعليم. ثلاثون ألف شابّ لبناني من كلّ الطوائف والمناطق تعلّموا على حسابه.  دعم أيضاً كلّ ما له علاقة بصمود لبنان مثل المؤسّسة العسكرية التي تكفّل في مرحلة معيّنة بجزء من رواتب ضبّاطها وعناصرها. دعم الجامعة الأميركية وأساتذتها في بيروت على كلّ المستويات، وقبل ذلك الجامعة اللبنانية. دعم أيضاً جريدة “النهار” بكلّ ما تمثّله في وقت مرّت فيه بظروف صعبة. أثار ذلك غضب بشّار الأسد الذي طلب منه بيع أسهمه في “النهار”. ما لبث بشّار أن حرّض على جبران تويني الذي اغتيل في أواخر عام 2005 مع مجموعة الشرفاء، من سمير قصير، إلى لقمان سليم ومحمد شطح وباسل فليحان مروراً ببيار أمين الجميّل وكلّ من ساهم في ترسيخ فكرة “لبنان أوّلاً” مثل وسام الحسن ووسام عيد وجورج حاوي ووليد عيدو وأنطوان غانم وفرنسوا الحاج.

بعد عشرين عاماً على اغتيال رفيق الحريري، بقي المشروع، مشروع قيامة لبنان… ورحل القتلة. ليس ما يدعو إلى الشماتة، مقدار ما أنّه ليس هناك ما يعوّض خسارة رجل أمضى حياته القصيرة وهو يبني. بنى نفسه أوّلاً ثمّ انتقل، بدعم سعودي وعربي ودولي، إلى بناء بلد كان مهووساً به اسمه لبنان.

إقرأ أيضاً: رفيق الحريري … الحالم الذي وقّع قرار إعدامه

كان رفيق الحريري مهووساً بسوريا أيضاً. لم يسعَ إلى إنقاذ لبنان فحسب، بل سعى أيضاً إلى إنقاذ سوريا. سألني بعد عودتي من دمشق إلى بيروت ومقابلتي بشّار الأسد عن رأيي في الرجل، فأجبته أنّه “يكرهك إلى أبعد حدود”. أخرجني من الغرفة التي كنّا فيها إلى حديقة المنزل في قريطم ليسألني مجدّداً: “إلى أيّ حدّ يكرهني بشّار؟”. أجبته مستخدماً عبارة بالفرنسية معناها “كرهه لك في العظم”. لم أجرؤ وقتذاك، في عام 2000، على القول إنّه يمكن أن يصل الأمر ببشار إلى حدّ التحريض على اغتيالك.

ليس ما يعوّض خسارة لبنان لرفيق الحريري. لكنّ الأكيد أنّ مشروعه لا يزال حيّاً يرزق. انتقم التاريخ له. انتقم له في لبنان وسوريا التي كان رفيق الحريري أيضاً حريصاً عليها حرصه على لبنان.

arabstoday

GMT 11:58 2025 الخميس ,13 شباط / فبراير

حتى الزعيم كيم

GMT 11:57 2025 الخميس ,13 شباط / فبراير

سعد بريشة العقاد

GMT 11:54 2025 الخميس ,13 شباط / فبراير

التغيير السوري.. من لبنان إلى الجزائر!

GMT 11:46 2025 الخميس ,13 شباط / فبراير

درس في الاعلام

GMT 11:44 2025 الخميس ,13 شباط / فبراير

زيارة إلى متحف الأبدية

GMT 11:42 2025 الخميس ,13 شباط / فبراير

غزة لن تكون صفقة عقارية ولا «ريفييرا» أميركية

GMT 11:40 2025 الخميس ,13 شباط / فبراير

روح الهويّة... وهويّة الروح

GMT 11:39 2025 الخميس ,13 شباط / فبراير

السودان... ملامح خريطة ما بعد الحرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشروع رفيق الحريري… هزم القتلة مشروع رفيق الحريري… هزم القتلة



GMT 11:54 2025 الخميس ,13 شباط / فبراير

التغيير السوري.. من لبنان إلى الجزائر!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab