ايران وأميركا وتجارة المفرّق

ايران وأميركا... وتجارة المفرّق

ايران وأميركا... وتجارة المفرّق

 العرب اليوم -

ايران وأميركا وتجارة المفرّق

بقلم _خير الله خير الله

في النهاية ما الذي تريده ايران؟ السؤال يطرح نفسه بإلحاح في ضوء الالاعيب التي تمارسها "الجمهورية الإسلامية" منذ العام 1979 لتؤكّد انّها شرطي المنطقة بعدما كان نظام الشاه يكتفي باعتبار نفسه شرطيّ الخليج. رمت ايران الآن بورقة الصواريخ الباليستية بعدما ادركت ان الاتفاق النووي الذي مزقته إدارة دونالد ترامب لم يعد ورقة صالحة للابتزاز. حسنا، قد يفاوضها المجتمع الدولي على رأسه اميركا على الصواريخ الباليستية. ثمّ ماذا؟ هل يعني تخلي ايران عن صواريخها الباليستية ان المشكلة انتهت وانّ كلّ العقوبات سترفع عنها وستتدفق عليها مليارات الدولارات مجددا، كما حصل في عهد باراك أوباما، مباشرة بعد توقيع الاتفاق في شأن الملفّ النووي صيف العام 2015؟

لم يكن الاتفاق في شأن الملفّ النووي الايراني، بحدّ ذاته، المشكلة في يوم من الايّام. ليست الصواريخ الباليستية عنوان المشكلة الآن. كانت المشكلة دائما في السلوك الايراني خارج حدود ايران. كانت المشكلة تحديدا في اطلاق الولايات المتحدة يد ايران اكثر خارج حدودها بمجرّد التوصّل الى الاتفاق المتعلّق بالملفّ النووي. هناك، اذا، وبكل بساطة الملفّ الآخر الذي تعاني منه المنطقة كلّها، خصوصا الدول العربية ودول الخليج العربي تحديدا. اسم هذا الملفّ السلوك الايراني لا اكثر. هل ايران دولة طبيعية وعادية قادرة على اقامات علاقات ذات طابع صحّي وسليم مع جيرانها القريبين والبعيدين... ام انّ لديها ما تصدّره الى خارج حدودها، غير التخلّف والبؤس؟

تبيّن مع مرور الوقت ان البضاعة الوحيدة التي تستطيع ايران تصديرها هي الفوضى والاستثمار في نشوء الميليشيات المذهبية. هذا ما غضت الولايات المتحدة الطرف عنه منذ 1979، بل كافأت ايران على سلوكها. تكمن خطيئة إدارة جورج بوش الابن في تسليم العراق على صحن من فضّة الى ايران، بما غيّر كلّ التوازن الإقليمي بشكل جذري. جاءت إدارة باراك أوباما لتستكمل هذه المهمّة وذلك بالانسحاب عسكريا من العراق في العام 2010 ثمّ باعتبار التوصّل الى الاتفاق في شأن الملفّ النووي هدفا بحدّ ذاته. تجاهلت إدارة أوباما كلّ الاعتبارات من اجل تفادي ازعاج ايران في اثناء المفاوضات السرّية والعلنية المتعلّقة ببرنامجها النووي. دفع العراقيون والسوريون واللبنانيون واليمنيون ثمن هذا التجاهل. وكاد ان يدفع الثمن اهل البحرين أيضا لولا الخطوة الشجاعة التي قادتها المملكة العربية السعودية وحلفاؤها الخليجيون من اجل الحؤول دون سقوط المنامة في يد الغوغاء. كان مطلوبا وقتذاك، في آذار – مارس من العام 2011 تحويل دوّار اللؤلؤة وسط العاصمة الى بؤرة توتر لنشر الفوضى في كلّ البحرين وقلب النظام في ظلّ صمت أميركي...

سكتت إدارة أوباما، وقبلها إدارة بوش الابن عن التصرّفات الايرانية في لبنان. لم ترد الولايات المتحدة اخذ العلم في يوم من الايّام بما يقوم به "حزب الله". كان الشعب اللبناني الذي واجه الحزب بعد اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في شباط – فيراير 2005. وعندما احتاج اللبنانيون الى دعم أميركي حقيقي في أيار – مايو 2008، لدى حصول غزوة بيروت والجبل، لم تحرّك إدارة بوش الابن ساكنا. دفع لبنان وما زال يدفع ثمن تلك الغزوة التي جاءت مباشرة بعد تمكن "حزب الله"، أي ايران، من ملء الفراغ الناجم عن الانسحاب العسكري والأمني السوري من لبنان.

كذلك، سكتت إدارة أوباما عن استخدام بشّار الأسد السلاح الكيميائي في الحرب التي يشنّها النظام على الشعب السوري. كان ذلك في آب – أغسطس 2013. من يتذكّر كيف ان أوباما تناسى ما قاله عن "خط احمر" لا يجوز للنظام السوري تجاوزه؟ ظهر جليّا ان تفادي اللجوء الى ردّ على قتل مئات السوريين بالسلاح الكيميائي يعود الى الرغبة في عدم ازعاج ايران التي كانت تتفاوض مع الاميركيين سرّا في سلطنة عُمان في شأن ملفّها النووي.

ليست هذه الأمثلة سوى غيض من فيض التجاهل الاميركي للأفعال والارتكابات الايرانية في كلّ انحاء المنطقة. ايران تريد التعاطي بالمفرّق مع الولايات المتّحدة، وقد نجحت في ذلك الى حدّ بعيد، فيما المطلوب التعاطي الاميركي معها بمفهوم تجارة الجملة.

في الامس القريب كان الملفّ النووي ورقة ايران. رمت الآن عبر الوزير محمد جواد ظريف بورقة الصواريخ الباليستية وكأن المشكلة معها محصورة بهذه الصواريخ التي ليست سوى جانب من المشكلة الاوسع، أي ما الذي تفعله ايران في العراق وسوريا ولبنان... واليمن؟

كان يمكن تفادي طرح مثل هذا النوع من الأسئلة لو كانت لوجود ايران أي إيجابية ناتجة عن وجودها في أي بلد عربي. الأكيد انّ ما يهمّ الإدارة الاميركية، خصوصا إدارة مثل إدارة دونالد ترامب، هو مصالحها. هناك مرّة أخرى خوف من سقوط الإدارة في لعبة البيع بالمفرق الايرانية، علما ان كلّ خطابات ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو تكشف فهما عميقا لدى الإدارة لطبيعة النظام الايراني وممارساته المستمرّة منذ العام 1979.

في الحرب الدائرة حاليا، يبدو انّ الولايات المتحدة سجلت نقاطا مهمّة. ادّت العقوبات الاقتصادية مفعولها من جهة ولم تحصل مواجهة عسكرية من جهة أخرى. بقيت الحرب في الاطار الاقتصادي المرتبط بالعقوبات. الاهمّ من ذلك كلّه ان كلّ ما فعلته ايران لم يؤد الى ارتفاع لاسعار النفط. هناك عالم تغيّر في مجال النفط والغاز واسعارهما. هذا عالم كانت ترفض ايران الاعتراف به والتعاطي معه قبل اصطدامها بالحقائق الجديدة.

لو لم تصطدم بهذه الحقائق، لما لجأت الى التلويح بورقة الصواريخ الباليستية على الرغم من ان الورقة مرفقة بشروط تعجيزية مثل الطلب من واشنطن وقف تزويد حلفائها أسلحة متطورة. لكنّ المهمّ ان "الجمهورية الإسلامية" وجدت نفسها في وضع من عليه البحث عن مخرج يمكّنها من التفاوض مجددا مع الاميركيين. هل تسقط اميركا مجددا في الفخّ الايراني ام تذهب الى السؤال الذي كان مفترضا ان تطرحه منذ البداية على ايران. هذا السؤال هو ما الذي تريده "الجمهورية الإسلامية" في نهاية المطاف؟

ما لا مفرّ من الاعتراف به ان ايران استطاعت استغلال كلّ الفرص التي سنحت لها في المنطقة، بما في ذلك سقوط العراق، من اجل القول انّها قوة اقليمية. لم يكن ممكنا لهذه الفرص ان تتوفّر لها لولا قبول الاميركيين التعاطي معها بلغة تجارة المفرّق بدل القول لها انّ المطلوب صفقة من نوع آخر تشمل الدور الإقليمي لـ"الجمهورية الإسلامية" وسلوكها غير المقبول تجاه محيطها المباشر ودول المنطقة عموما. هل تستطيع إدارة ترامب تغيير قواعد اللعبة وان تثبت انّها إدارة أميركية مختلفة عن سابقاتها؟

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ايران وأميركا وتجارة المفرّق ايران وأميركا وتجارة المفرّق



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 العرب اليوم - ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة
 العرب اليوم - ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان

GMT 10:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اثنان فيتو ضد العرب!

GMT 11:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صلاح يعبر عن استيائه من إدارة ليفربول ويقترب من الرحيل

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab