مأزق البرهان

مأزق البرهان

مأزق البرهان

 العرب اليوم -

مأزق البرهان

بقلم - خيرالله خيرالله

كان يمكن تصديق اتهامات مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة لدولة الإمارات العربيّة المتحدة لو كان هناك ما يقدمه فعلاً من إثباتات لدعم هذه الاتهامات التي تعبّر عن مأزق يعاني منه قائد الجيش السوداني الجنرال عبدالفتاح البرهان.

اتهم سفير السودان لدى الأمم المتحدة، وهو ليس سوى ناطق باسم البرهان، الإمارات بدعم قوات التدخل السريع التي على رأسها جنرال آخر هو محمّد حمدان دقلو (حميدتي). كلّ ما في الأمر أن البرهان يتابع هروبه إلى أمام في ضوء فشل مشروعه السياسي المتمثّل بقيام نظام جديد برئاسته يكون نسخة طبق الأصل عن نظام عمر حسن البشير، الذي سقط في ابريل من العام 2019. وقف «حميدتي» الذي يمتلك بدوره طموحات سياسيّة عقبة في وجهه، فقرّر إزالته من الوجود غير مدرك لعواقب ردّة الفعل هذه وانعكاساتها المأسويّة على السودان كلّه.

منذ سقوط البشير، سعت الإمارات إلى تسوية سياسية في السودان تسمح بإعادة بناء البلد وجعل الشعب السوداني يستعيد حيويته وجعل بلده يحتل مكانة مرموقة تليق به في ظلّ نظام ديموقراطي بعيداً عن هيمنة العسكر. دعمت الإمارات البلد ككلّ والمجتمع المدني فيه بكلّ ما لديها من إمكانات من أجل تفادي الوصول إلى الحرب الدائرة الآن. إنّها حرب مستمرة منذ ما يزيد على سنة وليس ما يشير إلى أي من الطرفين فيها، قادر على الحسم. ليس في استطاعة البرهان الانتهاء من «حميدتي» وليس في استطاعة «حميدتي» الانتهاء من البرهان. لكنّ السؤال الأساسي ما الذي دفع قائد الجيش الذي يشغل أيضاً موقع رئيس مجلس السيادة الانتقالي ينتقل إلى مهاجمة الإمارات؟ اللافت أن هذا الهجوم، الذي لا مبرر له الذي يشنّه البرهان على بلد مسالم يتفادى أي نوع من المشاكل، جاء في وقت يعاني منه قائد الجيش السوداني من انتكاسات. وليست معروفة طبيعة الرسائل التي يريد البرهان توجيهها. هل يريد تقديم أوراق اعتماد إلى إيران التي يريد التقرب منها... أم أنّه يبحث عن سبب يفسّر عبره، لنفسه أوّلاً، أسباب فشله في الحرب التي يشنّها على نائبه في رئاسة مجلس السيادة الانتقالي؟ لعلّ أبرز ما أزعج البرهان حديثاً الضربات التي تلقتها قواته في غير منطقة بعدما بدأت قوات التدخل السريع تستخدم الطائرات المسيّرة في استهداف مواقع معيّنة. ما ذنب الإمارات في ذلك، علماً أنّها نفت المرّة تلو الأخرى أن لا دخل لها في الحرب السودانيّة. على العكس من ذلك، إنّ للإمارات دخلاً في السعي إلى إنهاء هذه الحرب من جهة وتأمين انتقال السلطة إلى حكم مدني وفق مبدأ التداول السلمي للسلطة من جهة أخرى. هذا ما يفسّر كلّ هذا التضايق الذي يظهره البرهان من رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، الذي حاول بين العامين 2019 و2022 تأمين الوصول إلى مرحلة انتقالية تنتقل بعدها السلطة من العسكر إلى المدنيين بشكل طبيعي. بالنسبة إلى البرهان، لا مكان في السودان لأشخاص مثل حمدوك يدركون كيف تكون الدول الحديثة ومعنى الانتخابات الحرّة فيها ويعرفون شيئاً عمّا يدور في هذا العالم وكيف تسير الأمور فيه.

ما زالت مستمرة عقدة عمر حسن البشير الذي بقي في السلطة ثلاثين عاماً بعدما انقلب يونيو 1989 على حكومة مدنيّة كانت برئاسة الراحل صادق المهدي. استعان البشير دائماً بتيار الإسلام السياسي الذي ما زالت بقاياه تدعم البرهان. في النهاية، يبدو قائد الجيش السوداني أسير تلك العقدة التي يعاني منها هذا التيار حيثما حل. تتحكّم بالبرهان عقدة السلطة. تتحكّم به أيضاً عقدة عمر حسن البشير. عرف البشير كيف يحتفظ بالسلطة طوال ثلاثة عقود متنقلاً بين إرضاء الغرب وإرضاء إيران، مروراً بقبول الاستفتاء الذي توّج بتقسيم السودان بين شمال وجنوب حيث قامت دولة مستقلّة. فعل ذلك كلّه من أجل البقاء في السلطة بأي ثمن كان حتّى لو كان الثمن وحدة السودان.

مشكلة البرهان ليست مع دولة الإمارات. مشكلته مع نفسه أوّلاً ومع صعوبة أن يكون عمر حسن البشير الآخر. تبدو كارثة السودان من الناحية الإنسانيّة أكبر بكثير من كارثة غزّة. كان عبدالفتاح البرهان أحد المتسببين بها. ونراه يهرب إلى مكان آخر، غير مدرك أنّ هذا المكان هو المكان الخطأ في ضوء ما تكنّه الإمارات من تعاطف مع السودان والسودانيين. ربما ينسحب جهل البرهان بالسياسة وبكل ما له علاقة بالقضايا العسكرية على جهل بالإمارات أيضاً... أو ربّما تنطبق عليه مقولة الكاتب الفرنسي الكسندر دوما (1802- 1870) الذي قال: «هناك خدمات كبيرة إلى درجة لا يمكن ردّها إلّا بنكران الجميل»!

 

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مأزق البرهان مأزق البرهان



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab