هدنة أو لا هدنة، ليس ذلك مهمّاً ما دامت إسرائيل مصممة على متابعة الحرب في غزّة مع كلّ ما يؤدي إليه ذلك من تدمير للقطاع وتهجير لأهله.
الهدنة بالنسبة إليها مجرّد امتداد للحرب المرشّحة لأن تطول. ستطول الحرب في وقت يبدو واضحاً أنّ «حماس» تتصرّف من موقع المنتصر رغم كلّ ما أصاب القطاع من دمار ومما حلّ بالغزاويين.
من هذا المنطلق، تفرض «حماس» شروطاً على إسرائيل في المفاوضات الدائرة بين الجانبين. من بين هذه الشروط التوصّل إلى اتفاق دائم لوقف النار وانسحاب إسرائيل من القطاع.
تعتقد الحركة أنّ فشل إسرائيل في تحقيق انتصار كامل عليها يعنى أن الحرب صبّت في مصلحتها. حين يستعرض المرء الشروط التي تحاول «حماس» فرضها، يبدو جلياً أنّ لا علاقة لها بالواقع القائم على الأرض. مثل إسرائيل، تريد «حماس» الانتصار على غزّة وهذا أمر يثير الأسف في ضوء حال المجاعة التي بات يعاني منها مليونا فلسطيني يبحثون عن رغيف الخبز.
بات تدمير غزّة نقطة التقاء بين إلوحش الإسرائيلي و«حماس»...
مثل هذا المنطق الأعوج القائم على وجود رهائن إسرائيليين لدى «حماس» يقابله منطق إسرائيلي أكثر إعوجاجاً يقوم على فكرة الانتقام من غزّة من جهة وتصفية القضيّة الفلسطينيّة من جهة أخرى. تسعى إسرائيل إلى نقل حرب غزّة إلى الضفة الغربيّة. تريد أن ترتكب في الضفّة ما ارتكبته في غزّة وذلك للتخلص من أكبر عدد من الفلسطينيين ما زالوا صامدين على أرض فلسطين.
أسوأ ما في الأمر أن إسرائيل، بقيادة بنيامين نتنياهو، تراهن على المستحيل. يعود ذلك إلى أنّ تهجير أهل غزّة من أرضهم لن يؤدي إلى تصفية القضيّة الفلسطينية.
يعود ذلك، أيضاً، إلى أن القضيّة الفلسطينيّة قضيّة شعب حيّ موجود على الخريطة السياسيّة للمنطقة وليست قضيّة «حماس».
هناك شعب قادر على إثبات هذا الوجود السياسي ونقله مستقبلا إلى حقيقة جغرافية. كلّ ما تقوم به إسرائيل حاليا في غزّة، بما في ذلك مجزرة شارع الرشيد (مجزرة دوار النابلسي أو مجزرة الطحين)، يكشف غياب أي أفق سياسي لدى الحكومة الإسرائيليّة. ما هذه الحرب التي تخوضها دولة تحولت إلى آلة حرب من دون هدف سياسي محدّد؟
أكثر من أي وقت، تبدو الحاجة إلى مبادرة عربيّة تضع الأمور في نصابها وتعالج مرحلة ما بعد حرب غزّة. لا بدّ من مثل هذه المبادرة في ضوء عجز «حماس» عن القيام بمراجعة واقعيّة لما قامت به يوم 7 أكتوبر الماضي.
ليس كافياً الكلام الصادر عن القيادي الحمساوي موسى أبومرزوق إلى قناة «الغد» وهو كلام يستغرب فيه «الوحشيّة» الإسرائيلية ووقوف العالم مع إسرائيل بعد «طوفان الأقصى».
كيف يمكن شنّ هجوم من نوع «طوفان الأقصى» من دون حسابات سياسيّة مرتبطة بطبيعة إسرائيل من جهة وعلاقتها بالعالم من جهة أخرى؟
يبدو أنّ أبومرزوق لا يعرف العالم ولا يعرف إسرائيل ولا يعرف أن «حماس»، لم تقم بالأصل سوى من أجل ضرب المشروع الوطني الفلسطيني.
أكثر من ذلك، نفّذت، من حيث تدري أو لا تدري، كلّ المطلوب منها في مرحلة ما بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزّة صيف العام 2005.
وقتذاك، انسحبت إسرائيل من القطاع من دون تنسيق مع السلطة الوطنيّة في رام الله. كانت النتيحة انقضاض «حماس» على السلطة الوطنيّة وصولاً إلى سيطرتها الكاملة على القطاع منتصف العام 2007 وطرد «فتح» منه.
فعلت ذلك من أجل إقامة «إمارة إسلاميّة» في غزّة والقضاء على فكرة الدولة الفلسطينية المستقلّة نهائيا.
التقت بذلك مع الفكر الذي نادى به ارييل شارون ثمّ «بيبي» نتنياهو، وهو فكر قائم على أنّ «لا وجود لطرف فلسطيني يمكن التفاوض معه». أي لا وجود لعملية سياسيّة في غياب طرف آخر في هذه العمليّة.
لا أفق سياسياً لدى إسرائيل في الوقت الراهن. لم يوجد يوماً أي أفق سياسي لدى «حماس» التي فوجئت برد الفعل على «طوفان الأقصى» وبما تمارسه الحكومة الإسرائيلية حالياً في غزّة والضفة الغربيّة أيضاً.
يوجد فراغان سياسيان تحاول «الجمهوريّة الإسلاميّة» في إيران الاستفادة منهما إلى أبعد حدود من أجل إثبات أنّها القوة الإقليمية المهيمنة في المنطقة.
من هنا، تبدو الحاجة إلى مبادرة عربيّة تنطلق من الواقع لمواجهة الأحلام التوسّعية لدى إسرائيل التي تستطيع الإعتماد على ضعف الإدارة الأميركيّة. توجد إدارة عاجزة، على الرغم من استضافتها لبني غانتس المنافس السياسي لبيبي، عن ممارسة أي ضغط لوقف المجازر التي ترتكب في غزّة يوميا بهدف تحويلها إلى أرض طاردة لأهلها.
يظلّ السؤال الأساسي على ماذا يمكن أن تقوم عليه المبادرة العربيّة؟ الجواب أن المهمّ ارتكاز هذه المبادرة على وجود ضمانات عربيّة ملموسة تجعل من الدولة الفلسطينية، في حال قيامها، مسالمة. سيكون ذلك تحدّيا بالنسبة إلى إسرائيل في عهد ما بعد نتنياهو المعترض على أي دولة فلسطينية حتّى لو كانت مجرّد فكرة.
حسناً، لا يمكن التوصل إلى أي صفقة من أي نوع مع حركة مثل«حماس»، لكن هل في استطاعة إسرائيل التعاطي جدياً مع مبادرة عربيّة تعطيها كلّ ما تطلبه من ضمانات... أم أن إسرائيل لا تستطيع التخلي عن فكرة تكريس الاحتلال مع ما يعنيه ذلك من دوران في حلقة مقفلة؟
هل في إسرائيل من يفكّر فعلاً في المستقبل وفي الاستقرار في المنطقة؟
هل من يفكّر بما سيولد من رحم «حماس» مستقبلاً ومن رهان اليمين الإسرائيلي على غياب الطرف الفلسطيني الذي يمكن التفاوض معه؟