ما تطرحه زيارة هولاند للبنان

ما تطرحه زيارة هولاند للبنان

ما تطرحه زيارة هولاند للبنان

 العرب اليوم -

ما تطرحه زيارة هولاند للبنان

بقلم :خير الله خير الله

زار الرئيس فرنسوا هولاند لبنان ومصر والأردن في جولة شرق أوسطية دامت أقلّ من أسبوع. كشفت هذه الجولة حدود الدور الأوروبي على الصعيد العالمي. كشفت الجولة أن دولة مثل فرنسا تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن لم تعد قادرة سوى على العمل من أجل حماية مصالحها المباشرة. لم يعد في الإمكان الحديث عن دور أوروبي ولا عن تعاون وتنسيق أوروبي- أميركي، كما في الماضي القريب.
مفهوم لماذا زار هولاند كلّا من مصر والأردن. هناك اهتمام فرنسي بالسوق المصرية، وهناك تعاون مع الأردن في مجال الحرب على الإرهاب. يعبّر عن ذلك وجود طائرات فرنسية ترابط في الأردن وتشنّ، بين حين وآخر، غارات على مواقع “داعش”.

ولكن ماذا عن زيارة لبنان التي تبدو زيارة غريبة، خصوصا أن فرنسا باتت عاجزة عن مساعدة هذا البلد في أيّ مجال من المجالات، بما في ذلك إزالة العقبات التي تقف في وجه انتخاب رئيس للجمهورية.

ليس في الإمكان لوم فرنسا على الفراغ الرئاسي في لبنان. حاولت فرنسا وما زالت تحاول، عبر رئيسها، جعل إيران توافق على السماح لمجلس النوّاب بانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية في وقت ما زال قصر بعبدا شاغرا منذ عامين تقريبا. فالرئيس ميشال سليمان غادر القصر مع انتهاء ولايته في الخامس والعشرين من أيّار/ مايو 2014. لا يزال القصر ينتظر منذ ذلك التاريخ من يشغله، ولا تزال إيران تعتقد أن في استطاعتها استخدام الرئاسة اللبنانية ورقة في يدها من جهة، وتغيير طبيعة النظام في البلد من جهة أخرى.

جرت العادة في لبنان، عندما كانت هناك حياة سياسية طبيعية، وحتّى شبه طبيعية، أن يُنتخب الرئيس قبل نحو شهر من انتهاء ولاية سلفه. كانت هناك عملية تسلّم وتسليم في القصر بما يؤكد أن لبنان بلد فيه تداول سلمي للسلطة في منطقة لا مكان فيها سوى للانقلابات العسكرية، ولشرعية لا علاقة لها بالشرعية.

كان الانقلاب العسكري، الذي تنبثق عنه سلطة مشوّهة، القاسم المشترك بين الأنظمة القائمة في العراق وسوريا، وصولا حتّى إلى مصر، والسودان وليبيا والجزائر. في أساس كلّ من هذه الأنظمة انقلاب عسكري حصل في مرحلة ما. النظام السوري، على سبيل المثال، امتداد للانقلاب الذي حصل في الثامن من آذار/ مارس 1963. تطوّر هذا النظام وصولا إلى تمكّن حافظ الأسد من توريث سوريا لبشّار الأسد الذي أقام نظام العائلة الحاكمة المستند إلى الطائفة الحاكمة.

في مصر هناك انقلاب حصل في العام 1952، لا يزال النظام يستمدّ منه شرعيته. وفي الجزائر، هناك انقلاب هواري بومدين في العام 1965 الذي أقام نظاما ليست معروفة طبيعته باستثناء أنّه أخذ الجزائر من كارثة إلى أخرى.

هذا المسلسل، ذو الطابع الكارثي، يبرّر إلى حدّ كبير قيام “مجلس التعاون لدول الخليج العربية” ويفسّر ديمومته منذ العام 1981. ضمّ المجلس مجموعة دول ذات أنظمة متجانسة، تجمع بينها وبين المملكتيْن في المغرب والأردن صفات كثيرة، في مقدّمتها وجود توافق وتكامل وتصالح بين الأسرة الحاكمة والمواطن.

كان لبنان في الماضي استثناء. جاء الفراغ الرئاسي ليؤكد أن هذا الاستثناء لم يعد قائما. هل بدأ العالم يتعوّد على لبنان الجديد، خصوصا بعدما جاء فرنسوا هولاند إلى بيروت، أي إلى جمهورية من دون رأس؟

هناك تحولات في العمق يشهدها الشرق الأوسط والمشرق العربي تحديدا. قلبت هذه التحولات التي بدأت بالزلزال العراقي في العام 2003، موازين القوى في المنطقة. جعلت هذه التحوّلات من الاستثناء اللبناني جزءا من الماضي. صارت إيران اللاعب الأساسي في لبنان. أكثر من ذلك، صارت إيران من يقرّر ما إذا كان لبنان يستطيع انتخاب رئيس للجمهورية أم لا؟

كان لبنان إلى مرحلة قريبة طائرا يغرّد خارج سربه. في عزّ الحرب اللبنانية، انتخب رئيس للجمهورية بشكل طبيعي، إلى حدّ ما طبعا. كان ذلك في العام 1976، عندما خلف إلياس سركيس سليمان فرنجيه الجدّ.

ما يكشفه الوضع اللبناني حاليا ليس التغيير العميق الذي طرأ على الوضع اللبناني. يكشف الوضع اللبناني فرنسا بشكل خاص، وأوروبا بشكل عام. لم يعد هناك من اهتمام بالوضع اللبناني إلا من زاوية اللاجئين السوريين والإرهاب. هناك خوف أوروبي من أزمة اللاجئين والإرهاب. وهذا ما يفسّر كل هذا الاهتمام الأوروبي بلبنان. بكلام أوضح لم يعد من اهتمام بلبنان كنموذج للعيش المشترك بين المسلم والمسيحي في ظلّ دولة يحكمها القانون.

ما الذي تستطيع فرنسا عمله في لبنان؟ الجواب بكلّ بساطة أنّها لا تستطيع شيئا. هذا عائد إلى أن لبنان سقط تحت هيمنة “حزب الله” الذي بات من حقّه أن يعتبر نفسه الممثل الشرعي الوحيد للجمهورية اللبنانية. يستفيد “حزب الله” من مؤسسات الدولة إلى أبعد الحدود من دون أن تكون لديه أيّ مسؤوليات يتحمّلها. يتحكّم بقراراتها على كلّ صعيد. ذهب إلى سوريا لمقاتلة الشعب السوري بإذن إيراني من منطلق مذهبي بحت. لا تتجرّأ الدولة اللبنانية، التي استقبلت رئيس الجمهورية الفرنسية، على الاعتراض على تورّط الحزب في الحرب التي يشنّها النظام على شعبه. لا تتجرّأ هذه الدولة على إدانة الدور الإيراني في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري في المحافل الدولية… أو على اتخاذ موقف من ممارسات “حزب الله”، باسم إيران، في العراق واليمن والبحرين على سبيل المثال وليس الحصر.

في الواقع، ليست أوروبا وحدها العاجزة. هناك انكفاء أميركي عن الشرق الأوسط والخليج جعل أوروبا مكشوفة. كان هناك دور لأوروبا عندما كانت هناك إدارة أميركية فاعلة. هناك في الوقت الراهن إدارة أميركية، على رأسها باراك أوباما، تركت سوريا لروسيا تفعل فيها ما تشاء. واعتبرت في الوقت ذاته التوصّل إلى مصالحة مع إيران، بغض النظر عن ثمن هذه المصالحة وانعكاساتها على الحلفاء العرب، هدفا في حدّ ذاته.

نعم، ما الذي تستطيع فرنسا عمله للبنان في مثل هذه الأجواء وفي ظلّ هذه المعطيات؟ ليس في استطاعتها الكثير باستثناء إظهار النيات الطيبة. وهذا يفسّر تكيّف فرنسوا هولاند مع الوضع اللبناني الجديد وإصراره على زيارة بيروت في غياب رئيس للجمهورية.

أقدم الرئيس الفرنسي على ما أقدم عليه على الرغم من معرفته أن لبنان لم يعد لبنان. يعرف خصوصا من يمنع انتخاب رئيس للبنان.

لم تبق لهولاند سوى سنة واحدة في قصر الإليزيه. هل هناك من يأخذه على محمل الجدّ؟ في النهاية، لا تفهم إيران سوى لغة القوّة. لا تستطيع فرنسا ممارسة أيّ ضغط على إيران. هذا واقع لا مفرّ من الاعتراف به. ما لا يمكن الاعتراف به هو الشعور العميق لدى اللبنانيين بأن العالم بات مهيّأ للتعامل مع بلدهم من دون رئيس للجمهورية.

هل آن تغيير النظام في لبنان؟ هل تقبل أوروبا بالهيمنة الإيرانية على لبنان، وبرغبتها في تغيير النظام السياسي فيه؟ هذا ما تطرحه زيارة هولاند للبلد بصراحة ليس بعدها صراحة في ضوء العجز الأوروبي ودور المتفرّج الأميركي. تكمن المفارقة في أن هولاند غادر بيروت، فيما كانت طائرة “آر فرانس” تهبط للمرّة الأولى منذ سنوات عدّة في طهران، وفيما كان وزير النقل الفرنسي يتحدّث عن مدى التقدم في صفقة شراء إيران لطائرات “إيرباص”!

 

arabstoday

GMT 01:48 2021 الإثنين ,25 تشرين الأول / أكتوبر

وفراً لتكاليف الزواج

GMT 04:57 2017 الثلاثاء ,09 أيار / مايو

ماكرون رئيس فرنسا ومهمته صعبة

GMT 05:33 2017 الثلاثاء ,02 أيار / مايو

صندوق العجائب: سقوط أحزاب السلطة

GMT 05:56 2017 الثلاثاء ,21 آذار/ مارس

هل يمكن أسلمة أوروبا؟

GMT 06:07 2017 الإثنين ,06 آذار/ مارس

فرنسا… والأمل الأخير

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما تطرحه زيارة هولاند للبنان ما تطرحه زيارة هولاند للبنان



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab