محور الممانعة يتيم كوريا الشمالية

"محور الممانعة" يتيم كوريا الشمالية

"محور الممانعة" يتيم كوريا الشمالية

 العرب اليوم -

محور الممانعة يتيم كوريا الشمالية

بقلم : خير الله خير الله

لا تستطيع إيران الاعتراف بأن اقتراب كيم جونغ أون من لغة العقل ستكون له انعكاسات عليها، عاجلا أم آجلا، وأن من مصلحتها السير على خطى الرفيق كيم والاستفادة من تجربته.

لا يبدو صمود النظام الكوري الشمالي أكيدا
ليس إعلان كوريا الشمالية تجميد تجاربها في المجال النووي ومجال إطلاق الصواريخ الباليستية سوى استسلام لمنطق يقول إن مثل هذه التجارب لا تطعم الشعب خبزا. إنّها أخبار سيئة لما يسمّى “محور الممانعة”. سيحاول هذا المحور التخفيف قدر الإمكان من رضوخ كيم جونغ أون للضغوط الأميركية وإقناع نفسه بأن بيونغ يانغ حققت انتصارا جديدا على واشنطن.

 هذا عائد إلى سببين. الأوّل أن كوريا الشمالية تلعب دورا كبيرا في تصدير التكنولوجيا المرتبطة بالصواريخ الباليستية وتطوير البرنامج النووي لدولة مثل إيران. يعود السبب الآخر إلى أنّ النظامين السوري والإيراني يعتبران كوريا الشمالية نموذجا للدولة القادرة على تحدّي واشنطن، والرئيس دونالد ترامب تحديدا.

ليس سرّا أنّ القرار الكوري الشمالي اتخذ بعد زيارة سرّية قام بها لبيون غيانغ مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. إي) مايك بومبيو أحد صقور الإدارة في ما يخص الموضوع الإيراني. وبومبيو مرشح لتولي وزارة الخارجية الأميركية خلفا لركس تيلرسون، لكن تعيينه رسميا في هذا الموقع لا يزال ينتظر موافقة الكونغرس.

لا تستطيع إيران الاعتراف بأنّ اقتراب كيم جونغ أون من لغة العقل والمنطق ستكون له انعكاسات عليها، عاجلا أم آجلا، وأن من مصلحتها السير على خطى الرفيق كيم والاستفادة من تجربته. أفضت هذه التجربة إلى الاقتناع بأنّ كلّ الكلام الكبير عن تطوير سلاح نووي وصواريخ باليستية لا معنى له في بلد يموت المواطن فيه من الجوع. هناك فقر ليس بعده فقر في كوريا الشمالية. هناك أناس يحاولون سد جوعهم عن طريق تحويل جذور الأشجار إلى طعام.

هناك آلاف ماتوا جوعا في أواخر تسعينات القرن الماضي ولم يستطع النظام تقديم شيء لهم باستثناء القمع والسعي إلى إسكاتهم خوفا من انكشاف حجم المأساة أمام العالم الخارجي، خصوصا أمام كوريا الجنوبية. لعلّ أقرب الأنظمة العربية إلى كوريا الشمالية هو النظام السوري. سار هذا النظام على خطى التوريث عندما اختار حافظ الأسد أن يكون خليفته ابنه بشّار. كان الأسد الأب تلميذا نجيبا لكيم إيل سونغ مؤسس النظام الجمهوري القابل للتوريث.

 استطاع كيم إيل سونغ توريث نجله كيم جونغ إيل، واستطاع كيم جونغ إيل توريث الحفيد كيم جونغ أون ذي الطباع الغريبة. لدى الزعيم الكوري الشمالي الحالي ما يكفي من هذه الطباع كي يتراجع فجأة عن كلّ عنترياته وتهديداته، ويدرك أن المخرج الوحيد أمامه هو قبول الشروط الأميركية. تعني هذه الشروط بين ما تعنيه التخلي عن سياسة تصبّ في تزويد الدول المارقة بتكنولوجيا الصواريخ وما شابه ذلك من أجل حفنة من الدولارات لا يستفيد منها الشعب بأي شكل.

لم تحل هذه الطباع الغريبة دون اعتراف كيم جونغ أون أخيرا أنّ لديه حاجة إلى إنقاذ ماء الوجه للتغطية على إفلاس نظامه. فزيارة بومبيو التي تلاها الإعلان عن تجميد التجارب الصاروخية والنووية ستمهد للقاء بين الزعيم الكوري الشمالي والرئيس ترامب في حزيران – يونيو المقبل. مثل هذا اللقاء الذي ستسبقه قمة بين الكوريتين سيكون حدثا تاريخيا وبداية انفتاح لا سابق له في شبه الجزيرة التي لا تزال تعيش في أجواء الحرب الباردة، على الرغم من مضي ثلاثة عقود تقريبا على سقوط جدار برلين.

ستهبّ رياح التغيير على كوريا الشمالية وعلى شبه الجزيرة الكورية أيضا. لم يعد لدى النظام فيها من خيار غير الاستسلام للولايات المتحدة، والسعي إلى إقامة علاقات من نوع جديد مع كوريا الجنوبية التي استطاعت أن تكون قوّة اقتصادية ليس في جنوب شرق آسيا فحسب، بل على الصعيد الدولي أيضا. لم يعد سرّا أن السيارات والآلات الكهربائية من كلّ نوع والحواسيب المصنوعة في كوريا الجنوبية تغزو أوروبا والولايات المتحدة والأسواق العربية والأفريقية.

لو كان هناك عقل ومنطق لدى الذين يحكمون إيران وسوريا، لكانوا سبقوا كيم جونغ أون إلى الاستسلام للمنطق والعقل وليس للولايات المتحدة. يقول العقل والمنطق بكلّ بساطة أن ليس في استطاعة أيّ بلد في العالم امتلاك مشروع توسّعي في غياب اقتصاد قوي من جهة، ومثال يحتذى به من جهة أخرى.

من الطبيعي أن تكون الصين استخدمت كوريا الشمالية سنوات طويلة كورقة في المنافسة القائمة بينها وبين الولايات المتحدة، كذلك فعل الاتحاد السوفياتي ثمّ روسيا. كانت الصين منذ ما يزيد على ستة عقود شريان الحياة للنظام الكوري الشمالي الذي يبدو أنّه صار حاليا عبئا عليها.

يبدو المثير في التحوّل الكوري الشمالي توقيت هذا التحوّل. إنّه يأتي في مرحلة يبدو فيها الشرق الأوسط مقبلا على أحداث كبيرة، في ظلّ الإصرار الإيراني على إقامة قواعد عسكرية في الأراضي السورية تضاف إلى تلك التي أقامها “حزب الله” نيابة عنه في لبنان.

ليس سرّا أن كوريا الشمالية تلعب دورا كبيرا على صعيد كلّ ما له علاقة بتطوير الصواريخ الإيرانية، بما في ذلك تلك التي يطلقها الحوثيون من الأراضي اليمنية في اتجاه المملكة العربية السعودية. فضلا عن ذلك، هناك تعاون بين النظام السوري وكوريا الشمالية في مجال تطوير الأسلحة المحظورة. ما قصفته إسرائيل في العام 2007 في منطقة دير الزور السورية كان منشأة بنتها كوريا الشمالية يجرى العمل فيها على تطوير مفاعل نووي.

هل تنتقل كوريا الشمالية في 2018 من مرحلة المتاجرة بالأسلحة المحظورة المسماة أسلحة الدمار الشامل، إلى مرحلة التصرّف كدولة طبيعية همّها الأول محصور بتوفير المواد الغذائية لشعبها الذي يبلغ تعداده نحو خمسة وعشرين مليون نسمة؟

سيتبيّن قريبا إلى أي مدى يمكن أن يذهب كيم جونغ أون في التغيير. سيظل السؤال المطروح هل يصمد نظامه في وجه التغيير الذي سيعني قبل كلّ شيء الانفتاح على دولة حديثة هي كوريا الجنوبية؟

لا يبدو صمود النظام الكوري الشمالي أكيدا. ما هو أكيد أن كيم جونغ أون سييتّم “محور الممانعة”، خصوصا إيران التي لم يكتشف النظام فيها أن الشعب لا يريد صواريخ ولا قنبلة نووية ولا السيطرة على عواصم عربية مثل بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، بمقدار ما يريد حياة أفضل. هذا يعني في طبيعة الحال علاقات أفضل مع المجتمع الدولي ومع الولايات المتحدة تحديدا… وتخليا عن شعارات طنانة وكلام فارغ وقواعد صواريخ لا هدف منها سوى تحقيق انتصارات على الشعب اللبناني والشعب السوري والشعب العراقي والشعب اليمني!

المصدر : جريدة العرب

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

arabstoday

GMT 01:05 2024 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

حكاية الحكومات في فلسطين... والرئيس

GMT 02:47 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

لماذا مدح بوتين بايدن؟

GMT 01:26 2024 الإثنين ,19 شباط / فبراير

سياسة في يوم عيد الحب

GMT 01:23 2024 الإثنين ,19 شباط / فبراير

كوارث التواصل الاجتماعي!

GMT 02:27 2024 الأربعاء ,14 شباط / فبراير

تستكثرُ علي بيتك؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محور الممانعة يتيم كوريا الشمالية محور الممانعة يتيم كوريا الشمالية



صبا مبارك تعتمد إطلالة غريبة في مهرجان البحر الأحمر

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - اكتشاف تمثال يكشف الوجه الحقيقي لكليوباترا في معبد تابوزيريس

GMT 15:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

حريق يطال قبر حافظ الأسد في القرداحة وسط غموض حول الفاعلين
 العرب اليوم - حريق يطال قبر حافظ الأسد في القرداحة وسط غموض حول الفاعلين

GMT 06:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجربة علاج جيني جديد تظهر تحسناً مذهلاً في حالات فشل القلب
 العرب اليوم - تجربة علاج جيني جديد تظهر تحسناً مذهلاً في حالات فشل القلب

GMT 14:35 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

عادل إمام يكشف كواليس لقائه الوحيد بأم كلثوم
 العرب اليوم - عادل إمام يكشف كواليس لقائه الوحيد بأم كلثوم

GMT 04:44 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا
 العرب اليوم - بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

روبوت كروي ذكي يُلاحق المجرمين في الشوارع والمناطق الوعرة
 العرب اليوم - روبوت كروي ذكي يُلاحق المجرمين في الشوارع والمناطق الوعرة

GMT 12:09 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

نقص فيتامين د وتأثيره على الصحة النفسية في فصل الشتاء

GMT 10:38 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

دينا الشربيني تكشف موقفها من الانتقادات

GMT 09:27 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

سوريا.. هل قفزت إلى المجهول؟

GMT 19:15 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

انفجارات في مطار القامشلي شرقي سوريا

GMT 16:32 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 11 مدنيا جراء استهداف مسيرة تركية منزلا شمالي الرقة

GMT 17:57 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

أليسون يعود لدوري أبطال أوروبا بعد غياب طويل

GMT 17:52 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إنهاء عمل الحكم ديفيد كوت بسبب ليفربول

GMT 07:12 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

صعود البيتكوين يدفع أسهم شركات التشفير للارتفاع

GMT 01:43 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

اعتقال راكب حاول إجبار طائرة مكسيكية على السفر إلى أميركا

GMT 09:14 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

ما بعد بشار الأسد

GMT 16:20 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ثلاثة من جنوده في شمال قطاع غزة

GMT 06:16 2024 السبت ,07 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... وماذا الآن؟

GMT 01:27 2024 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

الأمير هاري يرد على شائعات انفصاله عن زوجته ميغان ماركل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab