الاستنجاد بـالعدوان الثلاثي

الاستنجاد بـ"العدوان الثلاثي"

الاستنجاد بـ"العدوان الثلاثي"

 العرب اليوم -

الاستنجاد بـالعدوان الثلاثي

بقلم : خير الله خير الله

معيب الاستنجاد بـ"العدوان الثلاثي" للعام 1956 من أجل تغطية المأساة السورية. هذه مأساة مرشحة لأن تستمر طويلا في وقت لم يعد في الإمكان الاستهانة باحتمال حصول مواجهة إسرائيلية – إيرانية.

الضربة الثلاثية كشفت الكثير، على الرغم من أنّها لم تعن الكثير
من المفارقات المضحكة المبكية إصرار النظام السوري على وصف الضربة التي تلقاها قبل أيام بـ“العدوان الثلاثي”، وذلك للتذكير بالانتصار الوهمي الذي حققه جمال عبدالناصر في العام 1956 عندما هاجمت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل مصر ردا على تأميم قناة السويس. انتصر عبدالناصر وقتذاك في الظاهر، لكن الحقيقة أن ما حصل نتيجة العدوان الثلاثي الذي أظهر التفكير السطحي للرئيس المصري، مهد للكارثة الكبرى التي تمثلت في حرب 1967، وهي كارثة لا تزال المنطقة تعاني منها إلى اليوم.

كانت الضربة التي استهدفت منشآت في سوريا مرتبطة بالسلاح الكيميائي ضربة أميركية – فرنسية – بريطانية. كانت ثلاثية بالفعل، لكن الولايات المتحدة التي أنقذت عبدالناصر في العام 1956 حلت فيها مكان إسرائيل التي تبقى لديها حساباتها الخاصة بالنسبة إلى النظام السوري. المؤسف أنّ الضربة الثلاثية الأخيرة لم تعن الكثير بعدما تبيّن أن المطلوب هذه الأيّام، أميركيا وإسرائيليا قبل كل شيء، استخدام بشّار الأسد إلى أبعد حدود في الانتهاء من سوريا التي عرفناها، وتشتيت شعبها والقضاء على كلّ المدن الكبيرة. لذلك حصل تدمير ممنهج، من منطلق مذهبي، لحلب وحمص وحماة وتغيير لطبيعة دمشق. هذه مدن تعتبر جزءا لا يتجزّأ من تاريخ المنطقة وحضارتها. هذا، في حال، لا تزال هناك حضارة.

كشفت الضربة الثلاثية الكثير، على الرغم من أنّها لم تعن الكثير.

كشفت أوّل ما كشفت أن روسيا على استعداد للوقوف موقف المتفرّج متى يصبح مطلوبا منها أن تكون كذلك. كشفت ثانيا أن إيران لا تستطيع أن تفعل شيئا عندما يتطلّب الأمر الردّ على صواريخ من النوع الذي تطلقه البوارج الأميركية. تستطيع إيران ممارسة التدمير في سوريا وغير سوريا. تفعل ذلك بهدف واضح يتمثّل في تغيير طبيعة سوريا وإحلال سكان مستوردين مكان السكّان الأصليين. لا يختلف المشروع الإيراني هنا مع المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في شيء، بل إنّه يتكامل معه، أقله في الوقت الحاضر. متى تفترق المصالح الإيرانية عن المصالح الإسرائيلية؟ المسألة مسألة وقت ليس إلا، خصوصا أن الغارة التي شنتها طائرات إسرائيلية على قـاعدة تيفور (T4) قرب حمص قبل أيّام تشير إلى أجواء مختلفة بدأت تسود في سوريا، وأن حربها دخلت مرحلة جديدة. هذا عائد في طبيعة الحال إلى رغبة إيران في تغطية أزمتها الداخلية بالإصرار على وجود عسكري قوي في سوريا يكرسها لاعبا إقليميا يمتلك أوراقا في هذا البلد، بما في ذلك ورقة التماس المباشر مع إسرائيل.

لن تساهم لعبة استعادة “العدوان الثلاثي” للعام 1956 في تغطية الواقع المتمثّل في أن النظام السوري صار في مزبلة التاريخ منذ فترة طويلة. كل ما في الأمر أن لا أحد يريد إنهاءه الآن. هناك حاجة إيرانية إليه، وهناك حاجة روسية، كما هناك حاجة أميركية وإسرائيلية. لن يجدي في شيء الاستعانة بجمال عبدالناصر وعدوان العام 1956. كانت نهاية نظام ناصر في 1956 عندما لم يتنبّه إلى أنّه لم يحقّق أي انتصار من أيّ نوع.

ما حصل أن الإدارة الأميركية، على رأسها الجنرال دوايت ايزنهاور، اعتبرت أن بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ارتكبت حماقة بشنّ حرب من خلف ظهر الولايات المتحدة.

لن تساهم لعبة استعادة "العدوان الثلاثي" للعام 1956 في تغطية الواقع المتمثل في أن النظام السوري صار في مزبلة التاريخ منذ فترة طويلة. كل ما في الأمر أن لا أحد يريد إنهاءه الآن

لم يتردد الرئيس الأميركي، وقتذاك، بإعطاء أوامر إلى بريطانيا بالانسحاب من مصر من دون أيّ أخذ ورد، بعد تذكير وزير الخارجية الأميركي جون دالس رئيس الوزراء البريطاني أنطوني إيدن بأن في استطاعة بلاده تحويل الجنيه الإسترليني إلى ورقة لا تصلح سوى لتلميع الأحذية. رضخت بريطانيا ورضخت معها فرنسا وإسرائيل وأعلن عبدالناصر الانتصار على “الاستعمار وأذناب الاستعمار”. كانت سكرة ليس بعدها سكرة بدأت بعدها مصر تتراجع بعد خروج الجاليات الأجنبية من المدن الكبيرة… وصولا إلى حرب العام 1967.

بدل السعي إلى التشبه بجمال عبدالناصر والكارثة التي يجسّدها، يفترض في النظام السوري الذي يتبجح بإسقاط صواريخ لم تطلق أصلا على أهداف في سوريا، التعلّم من تجربة “العداون الثلاثي”، البريطاني – الفرنسي – الإسرائيلي، على مصر. مثل هـذه التجربة يجب أن تـدعو الأسد الابن إلى اعتماد نهج مختلف يقوم أوّل ما يقـوم على الواقعية.

تعني الواقعية أنّ سوريا تحت خمسة احتلالات، وأن إسرائيل تستطيع أن تضرب متى تشاء حيثما تشاء، وأن الـولايات المتحدة غير مهتمة سوى بأن لا تقوم لسوريا قيامة في أيّ يوم من الأيام.

ما رفع من شعارات بعد “العدوان الثلاثي” على مصر جلب الخراب للمنطقة كلّها. كانت بداية الخراب تلك الوحدة، المخالفة للطبيعة، التي قامت بين مصر وسوريا في العام 1958. أسست تلك الوحدة للنظام الأمني في سوريا، وأظهرت في الوقت ذاته مدى تخلّف النظام الناصري على كلّ صعيد. قضى ذلك النظام، بعد الوحدة مع سوريا، على القوى الحيّة في المجتمع السوري والتي كانت قادرة على تحويل البلد إلى قوّة اقتصادية حقيقية.

خلق “العدوان الثلاثي” أجواء معادية للنظام الملكي في العراق، فكان الانقلاب العسكري في الرابع عشر من تموز – يوليو 1958 ومجزرة قصر الرحاب. كان ذلك اليوم المشؤوم بداية النهاية للعراق الذي كان مؤهلا لأن يكون دولة رائدة في المنطقة بفضل ما يمتلكه من ثروات، خصوصا الثروة الإنسانية.

معيب الاستنجاد بـ“العدوان الثلاثي” للعام 1956 من أجل تغطية المأساة السورية. هذه مأساة مرشّحة لأن تستمر طويلا في وقت لم يعد في الإمكان الاستهانة باحتمال حصول مواجهة إسرائيلية – إيرانية، خصوصا أن إيران بدأت توزع التهديدات يمينا ويسارا بعد قتل الإسرائيليين سبعة من خبرائها في قاعدة تيفور. استهدفت إسرائيل الخبراء الإيرانيين وبينهم ضابط برتبة عقيد في “الحرس الثوري” بعدما تبيّن أن الطائرة من دون طيّار التي دخلت أجواءها في مطلع شباط – فبراير الماضي كانت تحمل مواد متفجّرة. هذا تطوّر جديد من نوعه يفرض حذرا شديدا حيال ما يبدو أن المنطقة مقبلة عليه.

لن تنفع كل الشعارات وكل الأوهام التي كان يوزّعها جمال عبدالناصر في تفادي الحدث المهم الذي تبدو المنطقة مقبلة عليه في غياب حل سياسي في سوريا يرتكز قبل كل شيء على رحيل بشار الأسد وعلى خروج لإيران. تستطيع روسيا أن تكون جزءا من الترتيبات السورية في المستقبل، على الرغم من كل الجرائم التي ارتكبتها بواسطة سلاحها الجوي. أما إيران فلا مكان لها في أيّ تسوية، اللهم إلا إذا كان مطلوبا حصول الانفجار الكبير الذي لا يمكن لدولة مثل الولايات المتحدة البقاء في موقع المتفرّج أمامه.

المصدر: جريدة العرب 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

GMT 01:05 2024 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

حكاية الحكومات في فلسطين... والرئيس

GMT 02:47 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

لماذا مدح بوتين بايدن؟

GMT 01:26 2024 الإثنين ,19 شباط / فبراير

سياسة في يوم عيد الحب

GMT 01:23 2024 الإثنين ,19 شباط / فبراير

كوارث التواصل الاجتماعي!

GMT 02:27 2024 الأربعاء ,14 شباط / فبراير

تستكثرُ علي بيتك؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستنجاد بـالعدوان الثلاثي الاستنجاد بـالعدوان الثلاثي



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 11:11 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الأسد يتحدث عن "أهداف بعيدة" للتصعيد شمال سوريا
 العرب اليوم - الأسد يتحدث عن "أهداف بعيدة" للتصعيد شمال سوريا

GMT 08:33 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي
 العرب اليوم - حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي

GMT 07:30 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود
 العرب اليوم - ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

تحذير من عقار لعلاج الربو يؤثر على الدماغ

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يحدث فى حلب؟

GMT 01:36 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عودة ظاهرة الأوفر برايس إلى سوق السيارات المصري

GMT 12:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت

GMT 02:12 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السفارة الروسية في دمشق تصدر بيانًا هامًا

GMT 00:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر أفضل ممثلة في "ملتقى الإبداع العربي"

GMT 10:19 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

يسرا تتفرغ للسينما بعد خروجها من دراما رمضان

GMT 15:37 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab