أردوغان… شخصيتان في شخصية

أردوغان… شخصيتان في شخصية

أردوغان… شخصيتان في شخصية

 العرب اليوم -

أردوغان… شخصيتان في شخصية

خير الله خير الله

هناك أزمات داخل المجتمع التركي على رأسها الانقسام بين العلمانيين والمتدينين، فضلا عن قضية الأكراد طبعا نصف الشعب مع “حزب العدالة والتنمية” ونصفه الآخر ضدّه.

يبدو رجب طيب أردوغان الذي حقّق حزبه انتصارا تاريخيا في الانتخابات الأخيرة، بما تجاوز حدود تركيا، شخصيتين في شخصية واحدة ورجل واحد.

هناك أوّلا الرئيس أردوغان العاقل والعصري الذي عرف كيف يساهم في ازدهار تركيا ويضع الأسس لنهضة بعيدة المدى نقلت البلد إلى قوة اقتصادية في مستوى سويسرا وكوريا الجنوبية. بات الاقتصاد التركي في المرتبة الثامنة عشرة عالميا ويزيد حجمه على 1.5 تريليون دولار، فيما معدّل دخل الفرد نحو عشرين ألف دولار سنويا.

وهناك أردوغان زعيم “حزب العدالة والتنمية” الذي يصرّ على أن يدخل في أحيان كثيرة في مزايدات لا تليق ببلد يمتلك تاريخا قديما مثل تركيا. في هذا المجال يلعب أردوغان أحيانا، بسبب الميول الإخوانية المتجذّرة فيه، دورا في غاية السلبية في مجال دعم كلّ ما من شأنه ضرب الاستقرار على الصعيد الإقليمي.

أي شخصية من شخصيتي أردوغان ستبرز أو ستنتصر في مرحلة ما بعد الانتخابات

قبل كلّ شيء، لا بدّ من الاعتراف بأن أردوغان استطاع في الأشهر الخمسة الأخيرة، التي مضت على الانتخابات النيابية التي عجز فيها حزبه عن الإتيان بأكثرية نيابية، أن يكون مناورا من الدرجة الأولى. عرف كيف يستخدم كلّ الثغرات لدى خصومه لاستعادة المبادرة والوصول إلى ما وصل إليه. صار في استطاعة حزب أردوغان تشكيل الحكومة منفردا. لم تعد حاجة لا إلى الأكراد ولا لأيّ حزب آخر في اليمين أو اليسار. عرف أردوغان كيف يثير المشاعر الوطنية التركية مستعيدا ثلاثة ملايين صوت كان خسرها في انتخابات يونيو الماضي لمصلحة الحزب الكردي الصاعد، أي “حزب الشعوب الديمقراطي” و”حزب الحركة القومية” اليميني. لعب أردوغان ورقتين. كانت الورقة الأولى تقوم على تخويف الأكراد من مواجهة محتملة ذات طابع شامل معهم ووضعهم بالتالي في سلّة واحدة مع “حزب العمال الكردي” المتهّم بممارسات إرهابية. أما الورقة الثانية، فكانت ورقة المزايدة على اليمين في مجال مواجهة التهديدات الأمنية. كانت النتيجة تحوّل “حزب الحركة القومية” إلى الخاسر الأكبر في الانتخابات.

تبيّن أن أردوغان مناور من الدرجة الأولى. يثير فوز حزبه ارتياحا وقلقا في الوقت ذاته. يتمثّل مصدر الارتياح في أن الرئيس التركي اتخذ منذ البداية موقفا واضحا من ثورة الشعب السوري. استقبلت بلاده عشرات آلاف اللاجئين السوريين الهاربين من إرهاب النظام والميليشيات المذهبية المدعومة من إيران ومن القصف الروسي الذي يستهدف حاليا المدنيين أوّلا.

كانت تركيا في كلّ وقت هدفا لأعداء الشعب السوري وثورته. كان بشّار الأسد يفضّل من دون شكّ بقاء الوضع السياسي غير مستقرّ في تركيا ومتابعة التنسيق مع إيران وروسيا بهدف إلهاء أردوغان بمشاكل داخلية مختلفة بدءا بالإرهاب وانتهاء باختلاق كلّ نوع من أنواع الأزمات. ولذلك كان لافتا استعادة العملة التركية بعضا من عافيتها فور بروز دلائل على أن “حزب العدالة” سيحقّق انتصارا كبيرا.

ثمّة فهم عميق لدى أردوغان وكبار رجالات حزبه، بمن فيهم رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، لطبيعة النظام السوري. فتركيا عملت في مرحلة معيّنة على تعويم هذا النظام قبل أن تكتشف أنّه غير قابل للتعويم وأنّ هناك مافيا عائليةـ طائفية تصرّ على حكم سوريا بالحديد والنار ونهب ثرواتها.

هذا هو الجانب الإيجابي في انتصار أردوغان الذي تكمن مشكلته مع السوريين في التقصير في تقديم المساعدات المطلوبة للقوى المعتدلة وفضّل في أحيان كثيرة دعم قوى متطرّفة. كان دعم مثل هذه القوى المتطرّفة بدل وضع تركيا إمكاناتها في تصرّف المعتدلين مثل “الجيش الحرّ” من بين الأسباب التي عطّلت تحقيق الشعب السوري انتصارا سريعا على النظام. كان مثل هذا الانتصار كفيلا بحماية سوريا ووحدة أراضيها. فالثابت أن أيّ تأخير في تحقيق مثل هذا الانتصار يشكّل مساهمة في تفتيت سوريا خدمة للمشروع التوسعي الإيراني الذي بات يراهن حاليا على تقسيم البلد، بدعم روسي أو من دونه.

هل تتغيّر السياسة السورية لأردوغان في المستقبل القريب، خصوصا بعد انكشاف دور ما بقي من النظام السوري وداعميه في استخدام الورقة الكردية وورقة الإرهاب ضدّ تركيا؟

ما الذي سيفعله أردوغان بانتصاره؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يفرض نفسه بحدّة. لا شكّ أن الموضوع الكردي سيطرح نفسه بقوّة. هل من حلول لدى الرئيس التركي أم سيلجأ إلى الخيار السهل، وهو خيار مغر في الوقت ذاته، أي إلى خيار القوّة كما فعل أخيرا، فكانت ترجمة ذلك صعود شعبية حزبه؟

كانت هناك حاجة إقليمية إلى انتصار لـ”حزب العدالة والتنمية” في تركيا وذلك كي لا تضيع تركيا وتغرق في فوضى داخلية. لكنّ ثمّة حاجة إلى أردوغان أكثر عقلانية يوظّف قدرات تركيا في خدمة الاستقرار الإقليمي. أردوغان الأكثر عقلانية يتصرّف بطريقة مختلفة في تونس، كذلك في ليبيا حيث كلّ القوى المتطرّفة في الحضن التركي.

فوق ذلك كلّه، هناك حاجة إلى تفهّم أردوغان لواقع أليم في قطاع غزّة المحاصر. ليس بالشعارات والسفن التي تضمّ متطوعين يمكن فكّ الحصار الظالم الذي يتعرّض له الغزّاويون. فكّ الحصار يكون بدفع “حماس” إلى التخلي عن وهم “الإمارة الإسلامية” التي أقامتها في القطاع والتي لا تخدم سوى إسرائيل من جهة وتشكّل تهديدا للأمن المصري من جهة أخرى.

نعم، كانت هناك حاجة إلى انتصار لحزب أردوغان من أجل استعادة تركيا لاستقرارها السياسي، وحتّى الاقتصادي، في ظل الخلل الذي يعاني منه التوازن الإقليمي. هذا الخلل عائد إلى الهجمة الإيرانية التي تستثمر في الغرائز المذهبية، خصوصا في إحدى أهمّ دول المنطقة، أي في العراق. كذلك، الخلل عائد إلى الغياب الأميركي الذي سمح لدولة مريضة مثل روسيا ولرئيسها فلاديمير بوتين بلعب دور شرطي المنطقة انطلاقا من سوريا!

أيّ شخصية من شخصيتي أردوغان ستبرز أو ستنتصر في مرحلة ما بعد الانتخابات؟ أردوغان العاقل الذي ساهم في بناء تركيا الحديثة انطلاقا من إرث أتاتورك… أم أردوغان الإخواني الذي يعتقد أن الشعارات والمزايدات والمغامرات الليبية والفلسطينية والسورية يمكن أن تعيد لتركيا أمجاد الدولة العثمانية؟

في النهاية، صحيح أن الاقتصاد التركي قوي، لكنّ هذا الاقتصاد يعاني من مشاكل يعبّر عن جانب منها هبوط التصدير بنسبة 8.6 بالمئة في الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري. هناك أزمات داخل المجتمع التركي على رأسها الانقسام بين العلمانيين والمتدينين، فضلا عن قضية الأكراد طبعا. نصف الشعب مع “حزب العدالة والتنمية” ونصفه الآخر ضدّه. هل يستطيع الرجل أن يكون عامل توحيد بين الأتراك ويتعلّم من الأخطاء التي قادت إلى نتائج انتخابات السابع من يونيو الماضي؟

arabstoday

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 06:49 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 06:47 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 06:21 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 06:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أردوغان… شخصيتان في شخصية أردوغان… شخصيتان في شخصية



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab