العراق… الذي انهار على مراحل

العراق… الذي انهار على مراحل

العراق… الذي انهار على مراحل

 العرب اليوم -

العراق… الذي انهار على مراحل

خيرالله خيرالله

ما حصل في العراق، وصولا إلى ما نشهده اليوم من كوارث، كان انهيارا على مراحل بدأ قبل سبعة وخمسين عاما. كانت نقطة البداية يوم الرابع عشر من يوليو 1958، تحديدا، عندما وقع انقلاب عسكري. الجهلة تحدّثوا عن “ثورة”.

نعم، حصلت ثورة. كانت ثورة إلى الخلف، ثورة قضت على كلّ القيم الحضارية التي كان يمكن أن تجعل من العراق بلدا متقدّما.

ارتكب الانقلابيون مجزرة قصر الرحاب التي ذهب ضحيتها أفراد الأسرة الهاشمية المالكة. على رأس هؤلاء كان الملك الشاب فيصل الثاني الذي أصرّ الانقلابيون على سحله مع عدد من أفراد العائلة. كذلك أُعدم رجل استثنائي هو نوري باشا السعيد الذي كان رئيسا للوزراء والذي أمكن التعرّف عليه ثم اعتقاله في أثناء محاولته الفرار.

منذ نصف قرن وسبع سنوات بالتمام والكمال، بدأ الانهيار العراقي الذي نشهده حاليا آخر فصوله المتمثّلة في حلول ميليشيات مذهبية مسمّاة “الحشد الشعبي” مكان الدولة العراقية. تلك الدولة التي يُفترض، نظريا، أن تكون دولة جميع العراقيين.

لا تلام الأصوات الكردية التي تدعو إلى انفصال ودّي عن الدولة المركزية في بغداد. هذه الدولة انتهت. لماذا على الأكراد دفع ثمن الانهيار، في حين أنّ في استطاعتهم الانصراف إلى بناء دولتهم المستقلّة، مع مراعاة الحدّ الأدنى من الشروط التي تؤمن السلم الاجتماعي والعيش الآمن… هذا في حال استطاع الأكراد تفادي أخطاء الماضي، والاستفادة من التجارب المرّة التي مرّوا بها.

يوحي ما نشهده اليوم بأن المشهد العراقي بلغ القعر. الدليل على ذلك أنّ محافظ بغداد علي التميمي، وهو من التيّار الصدري، يقول في أثناء تفقده منطقة النعيرية في بغداد بعد سقوط قنبلة من الجوّ بالخطأ على أحد المنازل “الأرواح تعوّض والمنازل تعوّض والطيّار سيّد من جماعتنا”. يَصدُر مثل هذا الكلام عن محافظ العاصمة العراقية بعد وقوع كارثة في منطقة سكنية نتيجة عطل طرأ على طائرة “سوخوي” كانت تغير على مواقع لـ”داعش”. بقيت قنبلة لم تسقطها الطائرة في أثناء الغارة. سقطت القنبلة في المكان الخطأ في طريق العودة إلى قاعدة الانطلاق. لم يجد المحافظ ما يقوله سوى أن “الأرواح تعوّض”. لم يوضح كيف يمكن لأرواح أن تُعوّض. هل تصبح روح العراقي لا قيمة لها لمجرّد أن الطيّار الذي سقطت القنبلة من طائرته “سيّد من جماعتنا؟”.

يختزل ما صدر عن علي التميمي الدرك الذي بلغه الوضع العراقي. لا يمكن لوم المحافظ على العبارات التي استخدمها. على العكس من ذلك، يبدو الرجل صادقا مع نفسه نظرا إلى أنّ كلامه يعبّر، تماما، عن واقع الحال.

واقع الحال أن عقلا ميليشيويا مذهبيا بات يحكم العراق. هذا العقل، الذي يشير إلى أيّ حد صار العراق مستعمرة إيرانية، يؤكّد أنّ البلد تفتّت، وأنّ من حقّ الأكراد البحث عن الاستقلال بطريقة ودية على غرار ما حصل بين تشيكيا وسلوفاكيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في العام 1991. وقتذاك، انفصلت سلوفاكيا عن تشيكيا بعدما كانتا تشكّلان بلدا واحدا هو تشيكوسلوفاكيا. البلدان يعيشان حاليا بأمان من دون مشاكل تذكر بينهما.

طوال سبعة وخمسين عاما، استمرّ التدهور في العراق وصولا إلى ما نشهده اليوم من حكم يجاهر صراحة بمذهبيته، فيما تنظيم إرهابي مثل “داعش” يجد حاضنة له في المناطق السنّية. مضت سنة على استيلاء “داعش” على الموصل، المدينة العريقة التي كانت تلد رجال دولة وسياسيين يمكن للعراق أن يفتخر بهم. ماذا لو تحرّرت الموصل من “داعش”؟ من يضمن أن يكون مصيرها أفضل من مصير تكريت التي لم يستطع أهلها العودة إليها بعد؟

لم يقصّر أيّ من الذين حكموا العراق بعد انقلاب صيف العام 1958 في القضاء على النسيج الاجتماعي للبلد. لعب حزب البعث دوره في تدمير النسيج الاجتماعي، خصوصا بعد وصول صدّام حسين إلى الرئاسة صيف العام 1979 وبدأ عهده بتصفية بعض أقرب الناس إليه. أراد نشر الرعب في كلّ الأوساط. كان له ما أراد. استكمل مهمّته بإدخال العراق في حرب مع إيران استمرّت ثماني سنوات، ثم بغزو الكويت. جاء الاحتلال الأميركي ابتداء من العام 2003 ليستكمل ما بدأه البعث، فسلّم العراق إلى الميليشيات المذهبية التابعة لأحزاب تتحكّم بها إيران. تتحكّم إيران بهذه الأحزاب، سواء بقي نوري المالكي في رئاسة الوزراء أم حلّ مكانه حيدر العبادي. يبدو واضحا أن الخطّ الذي سار عليه المالكي هو الخطّ ذاته الذي يسير عليه العبادي. يتبيّن كلّ يوم أنّ العبادي أسير طهران، وأنّ لا فارق يذكر بينه وبين سلفه.

كان الهاشميون، وهم من أهل البيت، الضمانة الوحيدة لبقاء العراق موحّدا. كانوا قادرين على إيجاد لحمة بين الشيعة والسنّة، وبين العرب والأكراد والتركمان. كانوا ضمانة للأقلّيات أيضا، خصوصا للمسيحيين الذين تستهدفهم الميليشيات الشيعية مجددا هذه الأيّام، خصوصا في بغداد.

من يتمعّن في كلام محافظ بغداد يتأكّد من أن العراق لن تقوم له قيامة. لا عراق موحّدا بعد الآن. الحرب بين الشيعة والسنّة طويلة في غياب المرجعية التي تستطيع تشكيل مظلّة للعراقيين، لجميع العراقيين.

ليس في الإمكان توجيه أي لوم من أيّ نوع كان للمحافظ. كلامه يعبّر، أفضل تعبير، عن ذهنية سائدة في بغداد منعت أهل الرمادي، الهاربين من “داعش”، من اللجوء إليها من دون كفيل. صار على السنّي العراقي الخضوع لشروط معيّنة في حال أراد العيش في العاصمة أو اللجوء إليها هربا من الإرهاب.

لم تعد بغداد عاصمة كلّ العراقيين للأسف الشديد.

كان العراق في الماضي بلدا استثنائيا. ثرواته كثيرة. فيه الماء والنفط والأراضي الزراعية وفيه قبل كلّ شيء الإنسان. كان طموح لبنانيين وسوريين كثيرين العمل في العراق. صار طموح العراقيين في السنة 2015 الهرب من العراق. هذا لا ينطبق، بالطبع، على زعماء الميليشيات أو زعماء المافيات المذهبية في بلد تجاوز الفساد والهدر فيه كلّ حدود معروفة، أو متعارف عليها، في العالم الثالث.

من أضاع العراق؟ السؤال من الماضي، لكنّه لا يزال يطرح نفسه بقوّة. الجواب بكل بساطة أنّ الموجة الناصرية التي رفعت شعارات العروبة أعطت إشارة بداية النهاية للعراق. من تابع الإشراف على الانهيار، كان حزب البعث، الذي خلفته الأحزاب المذهبية التي تحظى بدعم إيراني، والتي قبلت الدخول إلى بغداد على الدبابة الأميركية.

أمّا سؤال المستقبل، فهو هل ستتمكن إيران، مستندة إلى حجج مرتبطة بتعويضات حرب السنوات الثماني، من السيطرة مباشرة على جزء من العراق وعلى جزء من ثروته النفطية بعدما أصبح تقسيم البلد أمرا واقعا؟

arabstoday

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:38 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

GMT 06:36 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وَمَا الفَقْرُ بِالإِقْلالِ!

GMT 06:35 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

الزمن اللولبي

GMT 06:34 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

مع ابن بجاد حول الفلسفة والحضارة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 06:31 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

جنين... اقتتال داخل سجن مغلق

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق… الذي انهار على مراحل العراق… الذي انهار على مراحل



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا
 العرب اليوم - وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:11 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
 العرب اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 07:30 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوق الأسهم السعودية تختتم الأسبوع بارتفاع قدره 25 نقطة

GMT 15:16 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

فليك يتوجه بطلب عاجل لإدارة برشلونة بسبب ليفاندوفسكي

GMT 16:08 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

سحب دواء لعلاج ضغط الدم المرتفع من الصيدليات في مصر

GMT 15:21 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

لاعب برشلونة دي يونغ يُفكر في الانضمام للدوري الإنكليزي

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 14:05 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

سيمون تتحدث عن علاقة مدحت صالح بشهرتها

GMT 15:51 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

غارة إسرائيلية على مستودعات ذخيرة في ريف دمشق الغربي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab