الفارق بين الأسد الأب والأسد الابن

الفارق بين الأسد الأب والأسد الابن

الفارق بين الأسد الأب والأسد الابن

 العرب اليوم -

الفارق بين الأسد الأب والأسد الابن

خيرالله خيرالله

لم يعد بالإمكان في الوقت الحاضر سوى المقارنة بين الوضعين السوري والليبي. تمثل ليبيا، حيث لم يعد بالإمكان إعادة تركيب الدولة ومؤسساتها، المستقبل السوري.

ما الفارق بين حافظ الأسد وبشّار الأسد؟ لماذا صار مطروحا في الأيّام الأخيرة من حكم بشّار سؤال مرتبط بالمستقبل الذي ينتظر سوريا بعد سقوط النظام الذي عاش، إلى الآن، خمسة وأربعين عاما وقد يعيش أكثر؟ قد يعيش هذا النظام أشهرا أخرى. من الصعب التكهن بموعد النهاية، على الرغم من أنّ النظام انتهى.

مرّة أخرى، الثابت أن النظام انتهى. لكن الثابت أيضا أن سوريا لن تبقى موحدة، ذلك أن ما كان يمكن أن يكون دولة ناجحة في المنطقة، تحوّل إلى دولة فاشلة بكلّ المقاييس.

ما نشهده اليوم ليس نهاية سوريا بمقدار ما أنّه نهاية للشرق الأوسط الذي عرفناه والذي كانت سوريا لاعبا أساسيا فيه. كانت لاعبا أساسيا، لكنّها كانت في الحقيقة لاعبا سلبيا نظرا إلى أن النظام فيها كان نظاما عاجزا في مجال البناء. لم يكن قادرا سوى على ممارسة لعبة الابتزاز، في غياب قدرته على الحرب أو على السلام.

في الشرق الأوسط الذي عرفناه، كانت سوريا في كلّ وقت من الأوقات الرجل المريض فيه، خصوصا أنها كانت دائما لدى المسؤولين السوريين عقدة العظمة ووهم الدور الإقليمي الذي كان يسكن العقول المريضة لزعماء سوريا، من حسني الزعيم.. إلى حافظ الأسد وصولا إلى خليفته الذي سلّم سوريا إلى إيران.

ما فعله النظام، الذي لم يدرك أنّ دوره انتهى منذ فترة طويلة، أي يوم سقوط جدار برلين في خريف العام 1989، كان العمل على خطيّن. الأوّل التمديد لنفسه عبر العثور على شريان حياة جديد، والآخر القضاء على الكيان السوري.

عرف حافظ الأسد كيف يجد شريان حياة جديد لنظامه بعد انتهاء الحرب الباردة. في المقابل، عرف بشّار الأسد كيف يجعل الكيان السوري ينتهي في اليوم الذي ينتهي فيه النظام. يقول صديق سوري إن المكان الوحيد الذي كان بشّار الأسد صادقا فيه هو عندما قال إن نهاية النظام تعني نهاية سوريا. قال عبارة “الأسد أو لا أحد”.

لكلّ من الأسد الأب والأسد الابن طريقته الخاصة في التعبير عن عبقريّته بالمعنى السلبي للكلمة. في العام 1990، استغلّ حافظ الأسد الحرب التي شنّها غريمه صدّام حسين على الكويت إلى أبعد حد. ووجد في الحرب على الكويت فرصة لا تعوّض، فانضم إلى حرب تحرير الكويت التي قادها الجنرال الأميركي شوارزكوف.

استفاد حافظ الأسد طويلا من غباء البعثي الآخر الذي كان يحكم العراق بطريقة لا تختلف في شيء عن حكم الأسد الأب لسوريا. في العراق، كان هناك نظام عائلي ـ بعثي، وفي سوريا كان هناك نظام علوي يستخدم البعث غطاء. ما لبث النظام السوري في عهد الأسد الابن أن تحوّل إلى نظام عائلي ـ بعثي على طريقة ما كان عليه نظام صدّام، وذلك عندما اختزل بشّار الأسد العلويين بثلاث عائلات هي عائلته وعائلة مخلوف وعائلة شاليش مع متفرعات عن هذه العائلات تُرك لها شيء من فتات السلطة والثروة مع بعض العائلات السنيّة التي كانت تشكل جزءا من الديكور الخارجي للنظام.

التقط حافظ الأسد فرصة الحاجة الأميركية إلى مشاركة عربية في حرب تحرير الكويت من الظلم الذي لحق بها. التحق بالتحالف الدولي الذي خاض حرب إخراج صدّام من الكويت. أعاد بذلك العلاقة مع الأميركيين الذين جدّدوا له الوصاية على لبنان في مرحلة مع بعد اتفاق الطائف الذي وقّع في خريف العام 1989. استفاد الأسد الأب أيضا من غبيّ آخر، لبناني هذه المرّة، اسمه ميشال عون كان يحتلّ قصر بعبدا. وفّر ميشال عون للأسد فرصة دخول القصر الرئاسي ووزارة الدفاع اللبنانية القريبة منه وذلك للمرّة الأولى منذ حصول لبنان على استقلاله.

عرف حافظ الأسد كيف يلعب أوراقه. عرف خصوصا كيف يكون حاجة أميركية وعربية وإسرائيلية في الوقت ذاته. لم يكن لدى اسرائيل في أيّ يوم من الأيام اعتراض على بقاء جبهة جنوب لبنان مفتوحة وجرحا دائم النزيف.

ما يجمع بين الأسد الأب والأسد الابن هو تلك الحاجة الدائمة إلى الهروب إلى الخارج السوري. استند حافظ الأسد في هروبه إلى توازنات معيّنة، من بينها علاقاته العربية التي ترافقت مع علاقة عميقة مع إيران. عرف كيف يخفي الطابع المذهبي لتلك العلاقة وتغليفها بشعارات ذات بعد عربي. أمّا بشّار الأسد، المعجب بـ”حزب الله” والجاهل لحقيقة مثل هذا النوع من الأحزاب المذهبية وطبيعة دورها، فقد غرق منذ البداية في فخّ العلاقة مع إيران. انتهى بكلّ بساطة أسير تلك العلاقة في بلد لا يمكن أن يقبل بالهيمنة الإيرانية بأيّ شكل.

بعيدا عن التوازنات الطائفية والمذهبية في سوريا، وصل النظام إلى مرحلة لم تعد فيها فائدة من لعبة الهروب إلى خارج. حاول بشّار منذ البداية ممارسة هذه اللعبة. أرسل، في مرحلة ما بعد اندلاع ثورة الشعب السوري قبل ما يزيد على أربع سنوات، لبنانيين وفلسطينيين من المساكين، إلى جنوب لبنان وإلى الجولان مهدّدا بفتح جبهة جديدة. لكنّ كلّ ذلك لم ينفع في شيء.

أراد حتّى الهروب إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل، لكنّه اكتشف في النهاية أنّ ساعة الحقيقة دقّت للنظام ولسوريا في الوقت ذاته. كان في استطاعته الخروج باكرا من السلطة، لعلّ في الإمكان إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا. اختار للأسف الشديد تجاهل الواقع. عاش في عالم خاص به. عاش داخل فقاعة عزلته عن الواقع السوري وعن الواقعين العربي والعالمي. انفجرت الفقّاعة.. انفجرت معها سوريا.

لم يعد بالإمكان في الوقت الحاضر سوى المقارنة بين الوضعين السوري والليبي. تمثّل ليبيا، حيث لم يعد بالإمكان إعادة تركيب الدولة ومؤسساتها، المستقبل السوري. عرف الأسد الأب كيف يجدد طريقة للمدّ بحياة النظام. فشل الأسد الابن في ذلك. لن يذهب قبل أن تذهب معه سوريا.. إلى حيث ذهبت ليبيا معمّر القذّافي!

انتقم القذّافي من ليبيا والليبيين. لم يترك لهم بلدا يمكن حكمه بعدما مزق المجتمع الليبي وقضى على النسيج الاجتماعي في البلد ودمّر كلّ مؤسسات الدولة بطريقة منهجية.

هل سيبقى شيء من سوريا يصلح لإعادة بناء دولة أو دويلات، أم كلّ شيء بات مهيّئا لحروب لا نهاية لها تمكّن بشار الأسد من القول إنّه انتقم من الشعب السوري الذي ذنبه الوحيد ارتكابه جريمة البحث عن بعض من كرامة.

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفارق بين الأسد الأب والأسد الابن الفارق بين الأسد الأب والأسد الابن



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab