المأزق التركي

المأزق التركي

المأزق التركي

 العرب اليوم -

المأزق التركي

خير الله خير الله

أكّد رئيس النظام السوري بشار الأسد في لقاء مع مجموعة من الموالين له في دمشق عدم الرغبة في وقف للنار بأيّ شكل. لا يدرك الرجل، الذي يعيش في عالم خاص به لا علاقة له بالعالم الحقيقي، أنّ القرار في دمشق لم يعد قراره. لا يدرك خصوصا أنّه ليس سوى أداة تستخدم غطاء للحرب التي تشنّها إيران على العرب، على العرب السنّة تحديدا، من جهة وللتدخل العسكري الروسي الذي يخدم أغراضا محدّدة لموسكو من جهة أخرى. لدى موسكو حسابات خاصة بها تقررها بنفسها وذلك من منطلق أن سوريا أرض روسية.
لا قيمة تذكر لأي كلام يصدر عن الأسد باستثناء أنّه يسعى إلى فرض وجهة نظره على الذين يمسكون به هذه الأيّام، أي على روسيا وإيران. هذان الطرفان يتحكّمان بقراره ومصيره ويبقيانه موجودا في دمشق، لكن حساباتهما لا تتفق بالضرورة مع حساباته.

من ينظر إلى الصورة الكاملة يرى أن كلّ ما في الأمر أنّ روسيا غير راغبة في وقف حربها على الشعب السوري بمشاركة إيران وبغطاء من النظام. كلّ ما عدا ذلك كلام بكلام عن مفاوضات ووقف لإطلاق النار يفسّره كل طرف على طريقته.

حتّى ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، يمتلك تفسيره الخاص لما جرى في المؤتمر الذي انعقد في ميونيخ والذي تحدّث على هامشه وزيرا الخارجية الروسي والأميركي عن وقف النار في غضون أسبوع. بالنسبة إلى دي ميستورا، لا يوجد وقف للنار، بل “وقف للأعمال العدائية”!

كلّ يغنّي على ليلاه في سوريا. الواضح، أقلّه إلى الآن، أنّ روسيا مصرّة على متابعة حملتها العسكرية التي بدأت في أيلول – سبتمبر الماضي، وذلك بالتنسيق مع إيران التي أرسلت الميليشيات المذهبية التابعة لها إلى حيث استطاعت. لجأت إلى ذلك في غياب أي قدرة لدى النظام على تجييش قوات قادرة على شغل المواقع التي ينسحب منها مقاتلو المعارضة تحت ضغط الغارات الروسية.

استطاعت قاذفات “سوخوي” تحقيق نتائج جيّدة على الأرض باستهدافها المعارضة المعتدلة والمدنيين السوريين وتوفيرها “داعش”.

يتبيّن كلّ يوم أن “داعش” هو الحليف الأوّل للنظام السوري ولكلّ من روسيا وإيران. إنّه العذر المفضل من أجل متابعة الحرب على الشعب السوري من جهة، وتهجير أكبر عدد ممكن من السوريين من جهة أخرى. فوق ذلك كلّه، هناك رغبة في تطويق حلب وليس في السيطرة على المدينة من الداخل. المهمّ قطع طرق الإمداد الذي يربط بين الأراضي التركية وحلب. وهذا يطرح سؤالا بديهيا فحواه؛ ما الذي تنوي تركيا عمله؟ هل ترضخ للإملاءات الروسية والإيرانية، خصوصا بعد التفجير الذي استهدف قافلة عسكرية في أنقرة؟

هل تخشى تركيا إلى هذا الحدّ من الورقة الكردية التي تبدو موسكو قادرة على تحريكها ضدّهها؟ أم أن ما تخشاه حقيقة هو ذلك التواطؤ الأميركي مع روسيا في شأن كلّ ما له علاقة بسوريا، بما في ذلك استخدام الورقة الكردية؟

في كلّ الأحوال، هناك عبارة واحدة صادقة في كلّ الحديث الذي أدلى به الأسد الابن إلى الوكالة الفرنسية قبل أيّام. هذه العبارة هي أن استعادة النظام لكلّ الأراضي السورية “ستأخذ وقتا طويلا”. اعتاد النظام على “الوقت الطويل”. خسر الجولان الذي احتلته إسرائيل في العام 1967، ولم يبذل يوما جهدا جدّيا لاستعادة تلك الأرض المحتلة، لا سلما ولا حربا. لم تكن حرب أكتوبر 1973 سوى ذريعة للتوصل إلى اتفاق لفصل القوّات مع إسرائيل في 1974 ونسيان شيء اسمه الجولان.

في نهاية المطاف، لا يصبّ كلام بشّار الأسد سوى في اتجاه واحد. تختزل هذا الاتجاه رغبة في تفتيت سوريا وإبقاء النظام مجرّد صورة بحماية روسية وإيرانية. وهذا حاصل الآن.

إلى متى يمكن أن يستمرّ الوضع الراهن القائم على كذبة كبيرة بأنّ النظام السوري يقاتل “داعش”، وأنّ على العالم تصديق هذه الكذبة والعمل انطلاقا منها وبالاستناد إليها؟

يمكن للكذبة أن تستمرّ بعض الوقت، خصوصا في ظلّ إدارة أميركية لا تمتلك أي استراتيجية في الشرق الأوسط. كلّ ما تريده هذه الإدارة، التي لم يعد لديها سوى أحد عشر شهرا، استرضاء إيران من جهة، وتفادي أي مواجهة من أيّ نوع مع الكرملين من جهة أخرى.

عاجلا أم آجلا، ستكون هناك نهاية للكذبة. أي كذبة، مهما كانت محبوكة لا يمكن أن تعمّر إلى الأبد. ليس ضروريا الرهان على الإدارة الأميركية الجديدة التي ستخلف إدارة باراك أوباما. فهذه الإدارة الجديدة يمكن أن تكون في سوء الإدارة الحالية.

الرهان الوحيد يبقى على الشعب السوري، وذلك على الرغم من الخطر الذي يهدّد مستقبل الكيان الذي بات قابلا للتفتيت. لماذا يمكن الرهان على الشعب السوري؟

هناك سببان. الأوّل أن هذا الشعب لم يعد لديه ما يخسره بعد الحرب التي يتعرّض لها والتي ستمضي عليها قريبا خمسة أعوام. من صمد خمسة أعوام يستطيع أن يصمد عشرة أعوام. لم ينس مواطن سوري إلى اليوم مجزرة مدينة حماة التي ارتكبها النظام، على الرغم من مضيّ أربعة وثلاثين عاما عليها. لن ينسى الشعب السوري يوما ما الذي تعرّض له منذ بدء إقامة النظام الأمني إثر الوحدة مع مصر في العام 1958، وبعد الانقلاب البعثي في العام 1963 الذي سمّي “ثورة الثامن من آذار”. كان ذلك الانقلاب خطوة أولى على طريق قيام النظام العلوي الذي أوصل سوريا إلى ما وصلت إليه اليوم.

السبب الآخر أن روسيا لن تكون قادرة على متابعة حملتها العسكرية مهما تبجّحت بقدراتها وبانتصاراتها العسكرية على شعب أعزل. روسيا ستستعيد حجمها الحقيقي قريبا لأنّ اقتصادها الهشّ لا يتحمّل بقاء سعر النفط والغاز على حالهما. ستدفع غاليا ثمن ما ارتكبته.. ورأس الأسد الابن لن يكون سوى دفعة أولى على الحساب!

لا يمكن لأي سوري القبول بأقل من رحيل الأسد الابن الذي تبدو مهمّته محصورة بالانتهاء من الكيان السوري الذي عرفناه. إلى أن يثبت العكس، لا يبدو أن هناك هدفا آخر لإيران وروسيا غير تقسيم سوريا، علما وأن السؤال الكبير الذي سيبقى مطروحا في الأيام المقبلة هل لدى تركيا القدرة على التدخل؟

ربّما كان الأهم من القدرة التركية، وجود رأي موحّد لديها في هذا الشأن. هذا الرأي الموحّد هو الذي ينقص تركيا ويحرمها، أقلّه حتّى الآن، من مقعد إلى طاولة المفاوضات التي سيتقرّر فيها توزيع الحصص في سوريا مستقبلا. هل يمكن لتركيا، التي يتعمّق المأزق الذي وجدت نفسها فيه كلّ يوم، البقاء على هامش الحدث السوري الكبير وتفاعلاته المتوقّعة على الصعيد الإقليمي؟ هل يمكن أن يكون التفجير الذي وقع في أنقرة واستهدف عسكريين فرصة لإزالة تحفظات المؤسسة العسكرية عن عمل تركي ما في الداخل السوري؟

وفي كلّ الأحوال، جاء تحذير الرئيس فرنسوا هولاند من حرب روسية – تركية في سوريا في محلّه. خطر المواجهة جدّي، خصوصا في ظلّ الرغبة في تحويل تركيا دولة هامشية في سوريا.

 

arabstoday

GMT 22:46 2022 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

لا أفق لمصالحة سورية - تركية

GMT 02:28 2022 الجمعة ,30 أيلول / سبتمبر

وفاة القرضاوي وانقضاء حقبة!

GMT 01:58 2022 الخميس ,29 أيلول / سبتمبر

هل هي نهاية «الإخوان»؟

GMT 03:20 2022 الخميس ,25 آب / أغسطس

إعادة الاعتبار إلى نظرية فيلسوف أنقرة!

GMT 06:19 2022 الثلاثاء ,19 تموز / يوليو

التراجيديا السورية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المأزق التركي المأزق التركي



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab