ما زرعه حافظ الأسد… قبل 45 عاما

ما زرعه حافظ الأسد… قبل 45 عاما

ما زرعه حافظ الأسد… قبل 45 عاما

 العرب اليوم -

ما زرعه حافظ الأسد… قبل 45 عاما

خيرالله خيرالله

نظام حافظ الأسد الذي ورثه بشّار قام على فكرتيْن. العصبية العلوية أولا، والابتزاز ثانيا وأخيرا. كانت ممارسة الإرهاب، بكل أشكاله داخل سوريا وخارجها، القاسم المشترك بين الفكرتين.

في مثل هذه الأيّام قبل خمسة وأربعين عاما، في السادس عشر من نوفمبر 1970 انقلب حافظ الأسد على رفاقه في السلطة وانفرد بها كلّيا تحت شعار “الحركة التصحيحية”. زرع بذور ما نشهده اليوم في سوريا، حيث كيان يتفكّك وشعب صار أكثر من نصفه لاجئا داخل وطنه وخارجه. هذا لا يعني أن رفاقه البعثيين كانوا أفضل منه بأي شكل بمقدار ما أنّهم كانوا في غاية السذاجة عندما لم يدركوا إلى أي حد الرجل ماكر…

قام نظام حافظ الأسد الذي ورثه بشّار على فكرتيْن. العصبية العلوية أولا، والابتزاز ثانيا وأخيرا. كانت ممارسة الإرهاب، بكلّ أشكاله داخل سوريا وخارجها، القاسم المشترك بين الفكرتين.

وضع حافظ الأسد، تحت غطاء حزب البعث، الأسس لنظام جديد أوصل سوريا إلى ما وصلت إليه اليوم، خصوصا بعدما قرّر توريث السلطة إلى نجله بشّار من منطلق أن اسم سوريا صار “سوريا الأسد”.

أسّس حافظ الأسد لدولة بوليسية تقوم على الأجهزة الأمنية. الثابت الوحيد في سياسته الخارجية كان التفاهم مع إسرائيل في شأن قضايا حيوية تهمّ الجانبين. وهذا ما يفسّر حاليا الاهتمام الإسرائيلي بالمحافظة على النظام الذي يؤمّن بقاؤه الأمن في الجولان واستمرار احتلاله… ويؤمّن في الوقت ذاته استمرار عملية الانتهاء من سوريا التي تمرّ منذ استقلالها بأزمة نظام وكيان في الوقت ذاته.
    
    

عمل نظام حافظ الأسد القائم على التفرّد بالسلطة وعلى استخدام الأجهزة الأمنية على ضبط سوريا وقمع السوريين. حاول مدّ تجربته إلى لبنان. نجح في ذلك إلى حدّ كبير. فبعد تدجين سوريا والسوريين، سعى إلى تدجين لبنان واللبنانيين. كانت لعبته تقوم على إلغاء الآخر. ألغى كلّ سوري يمكن أن تكون له حيثية، خصوصا أهل المدن الكبرى. وألغى كلّ لبناني كان يمكن أن يدرك أبعاد مخططه.

في عهد حافظ الأسد، لم يعد من سنّي أو مسيحي أو درزي يمتلك نفوذا غير مستمدّ من العلاقة المباشرة بالأجهزة. اختزل الطائفة العلوية في شخصه بعد سجنه لصلاح جديد واغتياله محمد عمران في طرابلس، عاصمة الشمال اللبناني.

كان الانفجار السوري في السنة 2011 بمثابة بداية النهاية الطبيعية لنظام عمل على إفقار سوريا والسوريين وعلى قيام طبقة طفيلية قائمة على المنافع المتبادلة بين أفراد العائلة ومجموعة من كبار الضباط العلويين من جهة وبعض رجال الأعمال من جهة أخرى.

في خمس وأربعين سنة لم تحصل في سوريا أي تنمية، باستثناء بعض الطرقات والمشاريع التي لم تغيّر شيئا في مستوى المعيشة لدى المواطن العادي. لا يزال فيلم عمر أميرالاي “طوفان البعث” خير مثال على الطبيعة الحقيقية للنظام الذي حاول تغطية عجزه عبر مشاريع كبيرة لم تؤدّ سوى إلى كوارث طبيعية، وضرب النسيج الاجتماعي في المحافظات التي تمتلك ثروة زراعية.

خلافا لكلّ ما قيل ويقال عن الحرص على الأقلّيات، زادت الهجرة من سوريا في عهد حافظ الأسد، هجرة العقول خصوصا. زادت هجرة المسيحيين الذين همّشهم النظام إلى أبعد حدود ورفض أن يكونوا سوى مجرّد خدم عنده.

دمّر مسيحيي سوريا ودروزها والإسماعيليين، وحاول أن يفعل الشيء نفسه في لبنان عندما سلّط المسلّحين الفلسطينيين على المسيحيين وأجبرهم على طلب النجدة من دمشق. للأسف الشديد، سقط الفلسطينيون، على رأسهم ياسر عرفات، الذي كانت لديه دائما عقدة السيطرة على أرض ما في مكان ما، في الفخ الذي نصبه لهم حافظ الأسد وخدموا مشروعه الهادف إلى وضع اليد على لبنان وعلى قضيتهم ومصيرهم في الوقت ذاته.

كانت فلسفة حافظ الأسد تستند في كلّ وقت إلى استمرار حال اللاحرب واللاسلم في المنطقة. كان التفاهم واضحا في هذا المجال بينه وبين إسرائيل. أكثر من ذلك، كانت هناك مصلحة مشتركة بين الجانبين في بقاء جنوب لبنان جرحا ينزف، سواء أكان ذلك قبل العام 1982، قبل الخروج الفلسطيني المسلّح، شبه الكامل، من لبنان أو بعد ذلك عندما بدأ صعود “حزب الله”، اللواء في “الحرس الثوري” الإيراني، الذي استطاع في مرحلة معيّنة جعل النفوذ السوري في لبنان تحت رحمته، بعدما كان هذا النفوذ قائما قبل العام 2005 في ظلّ معادلة مختلفة.

لم يستطع النظام السوري يوما الدخول في عملية سلام جدّية مع إسرائيل، حتّى عندما سنحت له فرصة استعادة الجولان في منتصف تسعينات القرن الماضي. كان همّه الدائم المتاجرة بالجولان وليس تحريره واستغلال الجنوب اللبناني إلى أبعد حدود، فضلا عن المتاجرة بالفلسطينيين وقضيّتهم. كان يعرف ماذا تريد إسرائيل ويتفهّم همومها، بما في ذلك رفضها أيّ تسوية عادلة، إلى حدّ ما طبعا، تضمن الحد الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

كان الانفجار السوري في 2011 انفجارا داخليا قبل أي شيء. كان انفجارا طبيعيا. كان النظام يمارس باستمرار الهروب إلى الأمام. هرب باستمرار إلى لبنان… إلى أن جاء اليوم الذي ارتدّت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه عليه.

لم يمتلك النظام، إن في عهد الأسد الأب أو في عهد الابن أي رغبة في الاهتمام حقيقة بسوريا. كان همّ الأب منصبّا على الطائفة وحمايتها وكيفية الانتقام من سنّة المدن، عقدته التاريخية، فيما ركّز الابن على مصالح العائلة وتنمية ثروتها. كان الأب يبتزّ العرب الآخرين، خصوصا أهل الخليج. استخدم في هذا المجال غباء صدّام حسين إلى أبعد حدود واستغل في الوقت ذاته العلاقة التي أقامها، من منطلق مذهبي مع إيران. أما الابن، الذي كان ينظر بازدراء إلى معظم العرب، فقد حاول التذاكي حتّى على إيران… قبل أن يكتشف في النهاية أنّه لم يعد أمامه سوى الجلوس كتلميذ صغير في حضرة فلاديمير بوتين!

كان يمكن لسوريا، بما تملكه من ثروات طبيعية وثروة بشرية، أن تكون متفوّقة في كلّ الميادين على الصعيد الإقليمي.

لم يستثمر حافظ الأسد إلّا في الأجهزة الأمنية ومشروع حلف الأقلّيات الذي كان يعتقد أنّه سيجعل منه قوّة إقليمية. كان في كلّ وقت قوّة إقليمية في خدمة المشروعيْن غير العربييْن في المنطقة، وهما المشروع الإسرائيلي والمشروع الإيراني اللذان يلتقيان عند نقطة واحدة، لا تبدو روسيا ـ بوتين بعيدة عنها.

إنّها البذور التي زرعها حافظ الأسد قبل خمسة وأربعين عاما، وحتّى قبل ذلك عندما كان وزيرا للدفاع في العام 1967. أينعت البذور وجاء من يحصد. نعم صنع حافظ الأسد التاريخ السوري الحديث. تكفّلت البذور التي زرعها بتفتيت سوريا. أتقن القتل والهدم والابتزاز ولعبة الإرهابي الذي يشعل الحرائق… ثم يتظاهر بأنه الوحيد القادر على إطفائها. هذه سياسة لا تبني دولا، بل تدمّر بلدا مثل سوريا، وصولا إلى ما حول سوريا…

arabstoday

GMT 07:30 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ويْكَأن مجلس النواب لم يتغير قط!

GMT 06:31 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الثلج بمعنى الدفء

GMT 06:29 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

فرنسا وسوريا... السذاجة والحذاقة

GMT 06:27 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

التكنوقراطي أحمد الشرع

GMT 06:25 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

جدل الأولويات السورية ودروس الانتقال السياسي

GMT 06:23 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ليبيا: لا نهاية للنفق

GMT 06:21 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الصناعة النفطية السورية

GMT 06:19 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

دمشق وعبء «المبعوثين الأمميين»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما زرعه حافظ الأسد… قبل 45 عاما ما زرعه حافظ الأسد… قبل 45 عاما



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:17 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عبدالله بن زايد يبحث مع جدعون ساعر آخر التطورات في المنطقة
 العرب اليوم - عبدالله بن زايد يبحث مع جدعون ساعر آخر التطورات في المنطقة

GMT 14:00 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
 العرب اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة  بالروسي

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 15:07 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

كاف يعلن موعد قرعة بطولة أمم أفريقيا للمحليين

GMT 19:03 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

فيروس جديد ينتشر في الصين وتحذيرات من حدوث جائحة أخرى

GMT 13:20 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

برشلونة يستهدف ضم سون نجم توتنهام بالمجان

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 08:18 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مي عمر تكشف عن مصير فيلمها مع عمرو سعد

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 09:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

الصحة العالمية تؤكد أن 7 ٪ من سكان غزة شهداء ومصابين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab