خيرالله خيرالله
دخل العالم ومعه الشرق الاوسط سنة جديدة. انها سنة التغييرات الكبيرة التي تنتظر المنطقة وذلك منذ الزلزال العراقي في 2003 والثورات العربية في 2010 و2011 و2012. ما لم يتحقق في السنة 2012 سيتحقق، على الارجح، في السنة 2013. كان متوقعا ان لا يكمل النظام السوري السنة، فاذا به يتابع ارتكاب المجازر بدعم ايراني وروسي ويدخل السنة الجديدة وهو يغرق سوريا والسوريين في بحر من الدماء غير آبه بمستقبل البلد الذي صار على كفّ عفريت. وهذا اقلّ ما يمكن قوله بالنسبة الى مستقبل سوريا.
يتبيّن كلما مرّ يوم أن النظام السوري ليس مستعدا للرحيل قبل استكمال المهمّة التي جيء به من اجلها. تتلخص هذه المهمّة في القضاء على سوريا التي عرفناها. ولا شكّ ان تحذيرات السيد الاخضر الابراهيمي، مبعوث الامم المتحدة وجامعة الدول العربية، في محلها. خصوصا عندما يتحدّث الابراهيمي عن "صوملة" في سوريا وعن "امراء حرب" سينتشرون فيها يسيطر كلّ منهم على مدينة او منطقة...
تبدو مخاوف المبعوث الدولي والعربي في محلّها. تؤكد ذلك احداث الايام الاخيرة التي ارتفع فيها معدل الذين يسقطون يوميا الى ما يزيد على اربعمئة قتيل. لكنّ الملفت في تلك الاحداث عودة التركيز على حمص. ما يفسّر هذا التركيز على تدمير المدينة التي تربط بين المناطق السورية، العودة الى خيار الدولة العلوية الذي اشار اليه الملك عبدالله الثاني غير مرّة. اشار العاهل الاردني في احد احاديثه الصحافية الى ان القيادة السورية كلّها لجأت الى المنطقة العلوية لدى اقتراب الاسرائيليين من دمشق في حرب العام 1973.
المشهد قابل لان يتكرر حاليا في حال اضطرار الرئيس بشّار الاسد الى مغادرة دمشق تحت ضغط الثورة الشعبية التي تشهدها سوريا منذ واحد وعشرين شهرا.
ما ستكشفه السنة 2013 هل خيار الدولة العلوية، التي يشكلّ مجرى نهر العاصي حدودها، خيار ممكن؟ مثل هذا الخيار يراود القيادة السورية الحالية التي كانت تراهن دائما على سنّة الارياف، تطوّق بهم المدن الكبيرة، الى ان اكتشفت انّ هؤلاء تحولوا الى ثوار حقيقيين، خصوصا بعد الذي حصل في درعا في آذار- مارس من السنة 2011.
كانت انتفاضة سنّة الارياف انطلاقا من درعا الاشارة الاولى الى انتهاء نظام باشر منذ ما يزيد على اربعين عاما تغيير طبيعة المجتمع السوري بدءا بالتخلص من وجود الضباط السنّة الآتين من المدن الكبيرة في القوّات المسلحة.
لن يكون خيار الدولة العلوية سهلا من دون تدمير الجزء الاساسي من حمص. لنفترض ان ذلك حصل، ما العمل باللاذقية التي نسبة ستين في المئة من سكّانها، ان لم يكن اكثر، من السنّة؟ الاهمّ من ذلك، هل سيكون ممكنا اقامة رابط بين الدولة العلوية والمناطق التي يسيطر عليها "حزب الله" في البقاع اللبناني وذلك على طول مجرى العاصي الذي ينبع من الاراضي اللبنانية؟
ستكشف السنة 2013 هل يمكن الاستمرار في خيار الدولة العلوية. ستكشف ايضا هل يمكن المحافظة على وحدة الاراضي السورية؟
من هذا المنطلق ستكون 2013 سنة محورية نظرا الى ان سوريا دولة عربية مهمّة من ناحية موقعها الجغرافي، لكنّها لعبت منذ وصول حزب البعث الى السلطة في الثمن من آذار- مارس 1963، وحتى قبل ذلك، دورا في غاية السلبية على الصعيدين الداخلي والاقليمي. على الصعيد الداخلي كانت مهمة البعث وقبله الاجهزة التي اقيمت ابان الوحدة (1958- 1961) القضاء على الطبقة التي كان يمكن ان تنقل البلد الى مستقبل زاهر.
هذه الطبقة هي بورجوازية المدن من كلّ الطوائف والمذاهب والتي ساهمت في الستينات والسبعينات من القرن الماضي في نهضة لبنان التي لم تستمرّ طويلا بسبب كلّ ذلك الحقد الذي كان يكنّه الراحل حافظ الاسد للوطن الصغير ولايّ نجاح سوري او لبناني. لم يفعل الاسد الاب منذ ما قبل توليه الرئاسة، اي منذ كان وزيرا للدفاع في العام 1966 سوى تصدير الاسلحة الى لبنان بهدف زعزعة الاستقرار فيه والقضاء على مؤسسات الدولة مستخدما كلّ الوسائل الممكنة من بينها تسليح بعض الفلسطينيين وتأليبهم على اللبنانيين ثم تسليح بعض المسيحيين ليكونوا في مواجهة مع شركائهم في الوطن...وصولا الى اعتماد "حزب الله" الايراني وسيلة لترسيخ المذهبية والطائفية في لبنان!
اما الدور السلبي الآخر الذي لعبه النظام السوري على الصعيد الاقليمي، فكان يتمثّل في اقامة مدرسة في الحكم تستغني عن مؤسسات الدولة. تقوم هذه المدرسة على بناء اجهزة امنية على طريقة ما كانت عليه الحال في المانيا الشرقية السعيدة الذكر. هل يمكن في نهاية المطاف استمرار دولة لا مؤسسات مدنية عصرية فيها، بل مؤسسات امنية لا همّ لها سوى تدجين المواطن في الداخل وتصدير الارهاب والقتل الى الدول المجاورة، على رأسها لبنان والمملكة الاردنية الهاشمية والبحرين وتركيا والعراق في مراحل معينة؟
سيتبيّن في 2013 هل في الامكان المحافظة على الكيان السوري...ام ان الكيان سينتهي مع النظام وذلك بعدما تبيّن ان سوريا عانت منذ استقلالها في العام 1946 من ازمة كيان ونظام في الوقت ذاته.
هناك بوضوح من يريد تفتيت الكيان وضرب ثورة الشعب السوري البطل وخنقها في المهد. من يدعم النظام السوري في موسكو وطهران مهتمّ بذلك، بل يستهدف ذلك. من يدعم نظاما يقتل شعبه انما يريد الانتقام من البلد ومن شعبه الذي يسعى الى استعادة بعض من كرامته وحريته.
اما اسرائيل، فهي تنظربعين الرضا، والعطف حتما، الى مثل هذا التطور وذلك بعدما استفادت الى ابعد حدود من شعاري "المقاومة" و"الممانعة" اللذين تاجر بهما النظام السوري طويلا.
تبقى الولايات المتحدة، التي لا تزال الى اشعار آخر القوة العظمى الوحيدة في العالم. من الواضح ان الادارة الاميركية ستظلّ متفرجة. ما الذي يضرّها بقيت سوريا موحدة ام لا... سقط خمسين الف قتيل او مئة الف قتيل او مئتي الف قتيل؟ متى كان عدد القتلى في بلد ما همّا اميركيا، اللهم الاّ اذا كان الامر مرتبطا بالسياسات الاميركية الداخلية؟